< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

43/04/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الوقایة من الجرم/ الإعانة علی الإثم/ شرائط الإعانة علی الإثم

 

کان الکلام في علم الفقه حول الوقایة من الجرم و الاستدلال بآیة ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[1] . أستدلّ بهذه الآیة لحرمة الإعانة علی الإثم. قد ذکرت إشکالات علی الاستدلال بهذه الآیة. الإشکال الأوّل الوارد هو وحدة السیاق؛ أي قد أستفید من صیغة الأمر أي ﴿وَتَعَاوَنُوا﴾[2] في صدر الآیة، لکنّه لا تدلّ علی الوجوب؛ إذ الإعانة في أمور الحسن و الخیر لا تکون واجبةً، بل تکون مستحبّةً. لأجل صدر الآیة یجب أن نقول أیضاً: إنّ ذیل الآیة و هو ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾[3] لا یدلّ علی الحرمة. تطلق علی هذه المناسبة وحدة السیاق؛ إذا عطفت جملتان بعضهما علی بعض في عبارة واحدة، یجب أن یکون معناهما متقاربین.

الإجابة عن هذا الإشکال:

وحدة السیاق تکون في موضوع اقترن أمران أو نهيان فیه. مثل: «لا تشرب الماء قائماً و لا تبل في الماء». تکون لهذین النهیین وحدة سیاقیّة، فإن دلّ الأوّل علی الکراهة، فقد دلّ الثاني بدلیل وحدة السیاق علی الکراهة أیضاً، أو في حدیث الرفع «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعَةٌ الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَا يَعْلَمُونَ‌ وَ مَا لَا يُطِيقُونَ وَ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ ...».[4] تکون للموارد المرفوعة فيه وحدة سیاقیّة أیضاً. إن کان المرفوع فیه حکماً فالمرفوع في کلّ الفقرات هو الحکم و إن کان المرفوع موضوعاً فالمرفوع في کلّ الفقرات هو الموضوع.

یقول المرحوم البجنورديّ: أوّلاً: لا توجد هناك وحدة سیاقیّة؛ إذ صدر الآیة أمر لکن ذیله نهي. وحدة السیاق تکون حیث یوجد هناك أمران أو نهیان. ثانیاً: صدر الآیة مطلب و ذیله مطلب آخر و لا ارتباط بین هاتین الجملتین. صدر الآیة جملة مستقلّة و ذیلها جملة مستقلّة أیضاً و لیست کحدیث الرفع الذي ترفع فیه التسعة بلفظ «رُفِعَ» الواحد[5] . قد ذکر آیة الله الفاضل هذا المطلب و یقول: لا توجد وحدة سیاقیّة في هذه الآیة.

قد ذکر آیة الله المظاهريّ أنّ هناك قرائن واضحةً علی أنّ النهي یدلّ علی الحرمة. من البدیهيّ أنّ الإنسان لا یجوز أن یظلم، لا یمکن أن یقال إنّ الإعانة علی الظلم مکروه. الإعانة علی الظلم و الإثم حرام قطعاً؛ لوجود قرائن في الآیة تدلّ علی أنّ النهي دالّ علی الحرمة.

الإشکال الثاني:

قال المحقّق الخوئي: نهت الآیة عن التعاون، لکن لا تدلّ علی النهي عن الإعانة. معنی باب التفاعل هو أنّ شخصین إثنین تشترکان في عمل، لکن معنی باب المفاعلة هو أن یفعل أحد عملاً و الآخر یساعده؛ مثلاً: یبني أحد بیتاً و أنت تساعده، هذا باب المفاعلة؛ لکن قد یبني شخصان بیتاً معاً فهذا باب التفاعل. في باب المفاعلة مَن عاون فلیس شریکاً في العمل؛ لکن في باب التفاعل کلاهما شریکان في العمل. في الآیة أیضاً أستخدم باب التفاعل و معناه أن یکون شخصان إثنان یأتیان بمعصیة؛ مثلاً: کلاهما یأتیان بقتل أو ضرب.

«أنّ التعاون عبارة عن اجتماع عدّة من الأشخاص لإيجاد أمر من الخير أو الشرّ ليكون صادراً من جميعهم، كنهب الأموال و قتل النفوس و بناء المساجد و القناطر و هذا بخلاف الإعانة فإنّها من الأفعال و هي عبارة عن تهيئة مقدّمات فعل الغير مع استقلال ذلك الغير في فعله. و عليه فالنهي عن المعاونة على الإثم لا يستلزم النهي عن الإعانة على الإثم».[6]

تجتمع عدّة و کلّهم یقومون جمیعاً بعمل خیر بصورة متساویة أو یدخلون بیتاً معاً و یسرقون الأموال، یقال حینئذٍ «تعاونوا علی السرقة». في العمل الخیر تجتمع عدّة و یبنون مسجداً، خلافاً للإعانة حیث یفعل أحد فعلاً و الآخر یساعده؛ بناءاً علی هذا فالإعانة علی الإثم لیست بحرام لکنّ التعاون علی الإثم فهو حرام.

الإجابة عن الإشکال الثاني:

هذا المرأی من المحقّق الخوئيّ جعلت مورداً لانتقاد العلماء العظام مثل المرحوم الإمام الخمینيّ و عدّة من تلامذته. في المقابل یدافع تلامذة المحقّق الخوئيّ عن أستاذهم و ذکروا معنی التعاون کالمعنی الذي ذکر أستاذهم. قد ردّ بعض الأکابر کلام المحقّق الخوئيّ قبل المرحوم الإمام الخمیني.

المحقّق الخوئي یعتقد في الإعانة علی الظلم و الإعانة علی الإثم في الأمور المهمّة، بأنّ الإعانة حرام.

یقول المرحوم الإمام الخمینيّ: قد یکون بحثنا في أنّه ما هو تفاوت باب المفاعلة و التفاعل؟ و أنّ باب التفاعل یکون حیث یشارکان إثنان في عمل، لکن باب المفاعلة لیس هکذا، هذا أحد المباحث. البحث الآخر یکون في نفس مادّة «عون» و لم نلتفت إلی بابه. مادّة العون تکون بمعنی المساعدة و المساعدة هي أنّ أحداً یعمل عملاً و أنت تساعده. یوجد معنی المساعدة في نفس معنی العون. المساعدة معنی آليّ و لیس له معنی استقلالي. هذا نصّ عبارته «أنّ ظاهر مادة العون عرفاً و بنصّ اللغويين: المساعدة على أمر و المعين هو الظهير و المساعد و إنّما يصدق ذلك فيما إذا كان أحد أصيلاً في أمر و أعانه غيره عليه، فيكون معنى ﴿لا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾ لا يكن بعضكم لبعض ظهيراً و مساعداً و معاوناً فيهما و معنى تعاضد المسلمين و تعاونهم: أنّ كلّاً منهم يكون عضداً و معيناً لغيره لا أنّهم مجتمعون على أمر».[7]

في مادّة الضرب، إذا أستعملت في الباب و یصیر «تضارب»، أي کلّ منهما قام بالضرب مستقلاً؛ لکنّ التعاون لیس هکذا؛ إذ هو من مادّة «عون» بمعنی المساعدة و المساعدة تکون حیث عُمل عملاً و أنت تساعده و لست مستقلّاً؛ مثل المعاون الذي یساعد الرئی المعاون مساعد الرئیس و لیس أصیلاً؛ مثلاً: لیس لدینا وزیران بل الوزیر واحد له معاون.

إن لاحظتم کتب اللغة فإنّ التعاون و إن یکن من باب التعاون، لکن ذکروا معناه ب «أعان بعضهم بعضاً»[8] .

المرحوم البجنورديّ و المرحوم الإمام الخمینيّ[9] لا ینکران أنّ التفاعل یکون للمشارکة، لکن یقولان إنّه لیس المعنی هکذا في مادّة العون. هما لا یقبلان کلیّة ادعاء المحقّق الخوئي.

من جانب آخر إنّ الآیة تکون مرتبطةً بجمیع المسلمین و المکلّفین و لا یمکن أن یکون جمیع المسلمین أصیلاً، بل یکون عدّة منهم یبدأون بالعمل و عدّة أخری یساعدونهم فیه.


[8] کتب لغت ذیل مادّه عون.
[9] مکاسب محرمه مرحوم امام، ص222.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo