< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

43/04/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الوقایة من الجرم/ الإعانة علی الإثم/ شرائط الإعانة علی الإثم

 

کان الکلام في علم الفقه حول الوقایة من الجرم و الاستدلال بآیات القرآن الکریم. استدللنا بآیة ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.[1] قلنا إنّ المعاونة علی الإثم حرام؛ أینما تصدق المعاونة علی الإثم عرفاً، یحرم أن یفعل ذلك الفعل. قد بُحث عن أنّه هل یشترط القصد في صدق المعاونة علی الإثم؟ قد وقع البحث الثاني عن أنّه هل وقوع المعاون‌علیه (المعصیة) في الخارج شرط أم لم نبال بتحقّقه في الخارج و عدمه؟ قد ذکرنا کلام المحقّق الخوئيّ في هذا البحث بأنّه کان قائلاً بأنّه لیس قصد المعاونة لازماً؛ لکن وقوع المعصیة في الخارج یکون لازماً حتّی تصدق المعاونة علی الإثم. أجبنا عن نظریّته و تمّ الکلام.

القول الرابع

الیوم یکون بحثنا عن قول الشیخ الطوسيّ (أعلی‌الله‌مقامه‌الشریف) و العلّامة الحلّيّ (رحمه‌الله). هما قائلان بأنّ القصد و وقوع المعاون‌علیه في الخارج، لیسا بلازمین. بل بمجرّد أن تصدق المعاونة علی الإثم- و لو لم یکن لدیك قصد و لم تتحقّق المعصیة في الخارج أیضاً- یصیر عملك معاونةً. بهذا العمل تُعتِد[2] مقدّمات المعصیة و خلفیّتها[3] .

نقل هذا القول الشیخ الأنصاريّ (رحمه‌الله) في المکاسب و یقول إنّه وقع بین هذه الأقوال الإفراط و التفریط. بعضهم یقول بلزوم القصد مع وقوع الحرام في الخارج و بعضهم یقول بعدم لزومهما و «ما أبعد بین القولین».[4]

دلائل قول الرابع:

الروایة الأولی:

کان للشیخ الطوسيّ کتاب روائيّ و هو أهل الروایة فاستند بالروایة. قال رسول الله (صلّی‌الله‌علیه‌وآله‌وسلّم): «من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة الله»[5] .

عدّة أمثال:

المثال الأوّل:

یقول أحد: «أنا جائع و سوف أموت، أعینوني» ما وظیفتك؟ هل علیك أن تعینه؟ إن لم تعنه فمات فدمه علی رقبتك. علیك شرعاً أن تعینه. إن لم تعتن به یمکن أن یکون صادقاً و عدم إطعامك إیّاه یوجب وفاته، بینما أنّك لم تقصد قتله مع أنّه لیس معلوماً أن یموت بعد ذلك أم لا؛ فلم تتحقّق المعصیة في الخارج أیضاً. حینئذٍ أنت لم تقصد الإعانة علی الإثم و وقوع المعصیة لیس معلوماً، لکنّ المعاونة علی الإثم متحقّقة. علیك أن تطعمه مقداراً من الطعام حتّی لا یموت. [6]

المثال الثاني:

قد أفتی بعض الفقهاء بوجوب صلاة الجمعة لکن لا تجب علی المسافر. جاءك مسافر و ترید أن تبیع سلعتك منه، هل تشمل هذه الآیة بیعك هذا؟ ﴿يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيعَ﴾[7] . تقول الآیة یجب علیكم أن تذروا بیعکم و تذهبوا إلی صلاة الجمعة بینما أنّ صلاة الجمعة لا تجب علی المسافر لکن صاحب المتجر حاضر و تجب علیه الصلاة. قد صار المسافر واسطةً لئلّا یذهب صاحب المتجر إلی الصلاة، هل فعل المسافر حرام؟ هل یعاون المسافر علی الفعل الحرام أي عدم ذهاب البائع إلی صلاة الجمعة؟ لا یقصد المسافر المعاونة علی ترك الصلاة، بل إنّما أراد أن یشتري السلعة التي یحتاج إلیها. و من جانب آخر إن یقع البیع و الشراء یمکن أن یصل البائع إلی صلاة الجمعة، مع هذا هل تصدق المعاونة علی الإثم أم لا؟ یقول بعض: هذا مکروه؛ لکنّ العلّامة الحلّيّ یقول: «و الوجه التحریم» الشراء معاونة علی الإثم؛ إذ تمنع صاحبَ المتجر عن فعله الواجب مع أنّ المشتري لم یقصد أن تتحقّق هذه المعصیة في الخارج.

الروایة الثانیة:

«مَنْ أَكَلَ الطِّينَ فَمَاتَ فَقَدْ أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ»[8] یحبّ بعض الأفراد و الأطفال أکل التراب. قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله): من أکل التراب فقد أعان علی قتل نفسه. هل یرید أن یقتل نفسه؟ نحن نأکل تربة الإمام الحسین (علیه السلام)، إذ فیه شفاء، لکن أکل سائر الأتربة حرام. هل أکل التراب إعانة علی الإثم؟ بناءاً علی هذه الروایة، تصدق الإعانة بینما أنّه لم یقصد القتل و لیس الأمر علی وجه یموت کلّ من أکل التراب، نعم قد یموت بعض من أکل التراب، لکن أکل التراب إعانة علی الإثم. من أکل التراب أعان علی الموت. إن لم یکن لدینا دلیل خاصّ علی حرمة أکل التراب و لدینا هذه الروایة فحسب، علی أساس هذه الروایة حیث أنّ في أکل التراب خطر الموت، یحکم بحرمته، إذن أکل التراب إعانة علی الحرام و لیس هکذا أن یقال معلّقاً: إن أکلت التراب فجاءك الموت فالأکل حرام و إن لم تمت فلیس بحرام.

المثال الثالث:

یسأل أحد: «إنّي رجلٌ خيّاط أخيط للسلطان ثيابَه فهل تراني داخلاً بذلك في أعوان الظلمة؟ فقال له: المعين لهم من يبيعك الإبر[9] و الخيوط، و أمّا أنت فمن الظلمة أنفسهم».[10] کانت العبارة ظاهرةً في أنّ الخیاّط للسطان یکون من الظلمة أنفسهم و بائع الإبر و الخیط للخیّاط من أعوانهم!

من یبیع الإبر و الخیط، لم یقصد الإعانة علی الإثم و لیس معلوماً أن یتحقّق الظلم بهذا الخیط و الإبر. یظلم السلطان سواء أعطیت الإبر و الخیط أم لم تعط، لکن تصدق الإعانة علی الإثم.


[2] أي: آماده می کنی.
[3] أي: زمینه اش.
[9] أي: سوزن.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo