< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

43/04/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الوقایة من الجرم/ الإعانة علی الإثم/ شرائط الإعانة علی الإثم

 

کان الکلام في علم الفقه حول الوقایة من الجرم و الاستدلال بآیات القرآن. أستدلّ بآیة ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.[1] یکون البحث عن أنّه ما یلزم لتحقّق الإعانة علی الإثم من الشرائط؟ بعض العلماء مثل المحقّق النراقيّ کان قائلاً بلزوم القصد فحسب. المحقّق الخوئيّ و تلامذته کانوا قائلین بعدم لزوم القصد. قد أستدلّ لإثبات هذا المدّعی بآیات القرآن و الروایات و الصحیفة السجّادیّة و استعمالات العرب أنّه تصدق المعاونة و إن لم یك هناك القصد موجوداً؛ مثلاً: من مشی بالعصا، یقول: «أعانني العصا». بعد بیان الأمثلة الکثیرة التي یبیّنها المحقّق الخوئيّ قد صار الحاصل أنّه لا یلزم في تحقّق الإعانة علی الإثم قصد تحقّق المعصیة.

معنی القصد:

قیل أحتیج لتحقّق القصد إلی أرکان أربعة:

الأوّل: الإرادة علی القیام بالعمل

الذي یقصد أن یفعل فعلاً، یرید أن یفعله. الذي یقصد أن یخرج من البیت، یعزم و یرید أن یخرج منه. هذا فعل الفاعل المختار. الإنسان المختار إذا یرید أن یفعل فعلاً، یفکّر فیه ابتداءاً هل ینبغي أن أفعل هذا أم لا؟ فعلی هذا، إنّ الإرادة من الأشیاء التي یشترط وجودها في القصد.

الثاني: الاختیار

الإنسان الذي یرید أن یفعل فعلاً، قد یکون مضطرّاً أو مکرهاً لا یرید هو نفسه أن یفعل هذا، لکن قد أجبروه علیه لدیه إرادة، لکن لیس له اختیار.

الثالث: وجود العلم

أنت تعلم أنّك إن فعلت هذا العمل، سیحدث الاتّفاق الفلاني؛ مثلاً: لدیه یقین و علم بأنّ من اشتری العنب، یصنع به الخمر.

الرابع: الالتفات

أنا أفعل هذا الفعل و لديّ التفات بعواقبه. أعلم أنّي إن أبع هذا العنب من هذا الشخص، یصنع به الخمر و سیُصرف و سیتحقّق الحرام خارجاً.

یتمایز الالتفات من العلم بأن یعلم أنّه إن اشتری العنب یصنع به الخمر، لکن حین البیع یغفل عن هذا المطلب؛ مثلاً: یتکلّم مع أحد و یکون مغفولاً من علمه؛ مثلاً: الذین یأکلون أشیاء مضرّةً، یعلمون أنّها مضرّة، لکن حین الاستفادة لیسوا ملتفتین إلی الضرر.

فإذا قیل في موضع: «الفلانيّ کان قاصداً أن یصلّي و یصوم و یساعد الناس و ...» أي لدیه إرادة و اختیار في هذا الطریق، لکن هذا الذي أراد أن یساعده هو، هل یکون فقیراً أم لا؟ قد یعلم بفقره و قد لا یعلم. قد یلتفت إلی أنّه إن لم یساعدهم فقد یصبحوا بائسین[2] و قد لا یلتفت.

قال بعض: إن تك لأحد إرادة و اختیار، فالقصد محقّق؛ معناه أنّه لا یلزم العلم و الالتفات. قال بعض آخر: لا تکفي الإرادة و الاختیار، بل یلزم أن یکون العلم و الالتفات موجودین أیضاً. مثلاً من یأکل التراب، یعلم أنّ التراب مضرّ و یأکل بالإرادة و الاختیار، لکن لم یلتفت إلی الضرر، مع أنّ له علماً بأنّه یأکل التراب و سیموت. ورد في الروایة «مَنْ أَكَلَ الطِّينَ فَمَاتَ فَقَدْ أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ»[3] من أکل التراب فقد أعان علی قتل نفسه.

علی أيّ حال، هنا اختلاف في معنی القصد، هل یتحقّق ببعض هذه الشرائط أم یلزم أن تکون الشرائط الأربعة موجودةً فیه و مع فقدان واحد منها لا یتحقّق القصد؟ یقول المحقّق الخوئيّ: بأيّ معنی من المعاني لاحظتم القصد، لا یلزم وجوده في تحقّق المعاونة علی الإثم؛ لأنّه أستعمل تعبیر الإعانة فیما لم یك هناك قصد. العصا الذي یساعد الإنسان لیس له إرادة و اختیار و علم أو التفات؛ فعلیه لا یلزم في تحقّق الإعانة أيّ شرط من هذه الشرائط. [4]

الإشکال في قول المحقّق الخوئي:

برأینا إنّ القول بعدم الحاجة إلی القصد فهو باطل؛ إذ معنی المعاونة و المساعدة یتفاوت مع تغییر الموضوع و المحمول؛ أي قد یکون الموضوع شیئاً لا یوجد هناك القصد، مثل: «أعانني العصا». هذا القول صحیح هنا؛ لکن إن قیل «أعانني زید» یلزم هنا القصد أو متی قیل «أعان زید عمراً» فزید موضوع و عمرو متعلّقه و أعان محمول فإنّ هاهنا یلزم القصد. فیما إذا لم یکن الموضوع قابلاً للإرادة و الاختیار و العلم و الالتفات فکلامك صحیح؛ لکن إذا کان الموضوع قابلاً لها فالقصد لازم. برأینا تتفاوت الموضوعات معاً؛ إن قیل «هذا الشخص أو هذا العالم أعانني» فهو ظاهر في أنّ له قصداً و اختیاراً أیضاً. في الموارد التي تمثّل بها المحقّق الخوئيّ توجد موارد فیها الإرادة و الاختیار و لو یمکن أن لا یکون علم و التفات فیها؛ مثل من یأکل التراب. في هنا یمکن أن یقال أیضاً: إنّ القصد یکون موجوداً. یکون هذان الرکنان في القصد ذوَی أهمّیّة جدّاً. إن یك ما مثّل (رحمهالله) بها في مورد له قابلیّة للقصد؛ یك ظاهراً في أنّ هناك إرادةً و اختیاراً أیضاً؛ مثلاً: الخبّاز أو الجزّار[5] اللذین یبیعان الخبز و اللحم من الفاسق و الفاسق یقوّی بأکلهما، إنّ هنا توجد الإرادة و الاختیار؛ لکن یمکن أن یکون العلم و الالتفات معدومین. إن اشترطنا في القصد الالتفات، ففي کثیر من الموارد لا تصدق المعاونة علی الإثم.


[2] أي: بیچاره می شوند.
[5] أي: قصّاب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo