< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

43/04/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الوقایة من الجرم/ المقدّمة/ أهمّیّة الوقایة من الجرم

 

الإعانة علی الإثم

کان الکلام في علم الفقه حول الوقایة من الجرم و الاستدلال بآیات القرآن. استدللنا بالآیة الشریفة ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.[1] کان الاستدلال بها بهذا البیان: إنّ الإعانة علی الإثم من المحرّمات. کان مقبول مشهور العلماء هو أنّ الإعانة علی الإثم و العدوان و الظلم حرام؛ من أعان الظالم و فِعلَ المعصیة فهو یعصي.

إنّ في هذه المسألة مباحث:

البحث الأوّل: معنی الإعانة و شرائطها

في هذه المسألة توجد مصادیق کثیرة التي لم یعتقد العلماء بحرمتها؛ مثل المجزر[2] و المخبز[3] و ... التي تشتري منها الأفراد الفاسقة و الفاجرة أیضاً، تقوّی و ترتکب المعصیة، لکن لم یقل أحد بحرمة البیع و الشراء معهم. فلمعرفة مصادیق الحرام و الحلال في هذه المسألة یجب أن نبیّن أقوال العلماء و الأکابر.

شرطیّة وجود القصد

قال بعض العلماء: إنّه یلزم القصد للحرمة في هذه المسألة؛ أي المعین (من یعین علی الإثم) قصد أنّ المعصیة ستتحقّق بید الآخر. یبیع الخبّاز الخبز بقصد أن یقوّی الفاسق حتّی یقدر علی المعصیة. حینئذٍ تصدق الإعانة علی الإثم، لکن إذا لم یکن قصده تقویة الفاسق و عصیانه، لا تصدق الإعانة علی الإثم.

دلائل لزوم القصد:

التبادر

الذین اشترطوا القصد في صدق الإعانة علی الإثم، استدلّوا ب «التبادر». معنی التبادر هنا أنّه إن قلنا إنّ الإعانة علی الإثم قد تحقّقت فمعناها أنّ الشخص قصد أن یساعد الفاسق.

هنا قد یکون علی «سبیل الانفراد» و قد یکون علی «سبیل الاشتراك». «علی سبیل الانفراد» أي أنا أرید منفرداً أن سیتحقّق الفسق الفلانيّ و «علی سبیل الاشتراك» أي أنا و الآخرون نقصد أنّ الفسق الفلانيّ أو الظلم الفلانيّ سیتحقّق في الخارج. قد یکون إنسان واحد یوجد علّةً تامّةً لفسق‌مّا و قد یوجد علّةً ناقصةً له.

علی أيّ حال، من لم یقصد تحقّق فسق، لا یقولون إنّه أعان علی إثم؛ لکنّه إذا قصد شخص تحقّق فسق أو ظلم، یتبادر منه أنّه أعان علیهما.

صحة السلب

تمسّک المحقّق النراقيّ في عوائد الأیّام مضافاً إلی التبادر، بصحّة السلب أیضاً و یذکر ثلاثة أمثال. [4] من علائم المجاز صحّة السلب و من علائم الحقیقة عدم صحّة السلب.

المثال الأوّل: تعطي ملابسك الخیّاط لیخیطها لك و تستلمها[5] بعد خیاطتها منه. تقوّی قدرة خیاطته بواسطة خیاطة ملابسك و سیصبح مشهوراً شیئاً فشیئاً. هل العرف یسمّي فعلك هذا «الإعانة علی تعلیم الخیاطة»!

الصورة الثانیة هي أنّك وظّفت[6] ولدك في مکان الخیاطة لیتعلّم الخیاطة و تقوم أنت و أصدقاؤك بإعطائه ملابسك للخياطة. في هذه الصورة الثانية يقال: «الإعانة علی الخیاطة».

في الصورة الثانیة تريد مساعدة طفلك على تعلّم الخياطة؛ لكن في الصورة الأولى، كانت خياطة الملابس مهمّةً عندك و لم تكن تنوي مساعدة الشخص على تحسين الخياطة؛ إذن للقصد تأثير على صحّة عنوان الإعانة. في الصورة الأولى توجد صحّة السلب و في الصورة الثانية یوجد عدم صحّة السلب.

أحياناً تعطي عصیر الفواکه[7] لشخص لیقوّى على الخطيئة؛ لكن في بعض الأحيان تريد البيع فقط و لا يهمّ لك من يشتري منك و أنت مجرّد البائع؛ فعلی هذا للقصد تأثیر في الإعانة.

المثال الثاني: تذهب إلی السوق و تشتري السلع[8] التي تحتاج إلیها، هل تصدق علی فعلك هذا الإعانة علی البیع أو التجارة؟ لا تطلق علی هذا العمل الإعانة علی البیع؛ إذ العشرات من الناس تشتري منه السلعة یومیّاً. حیث إنّك تشتري سلعةً منه فقد أعنته، لکن لا تصدق الإعانة علی بیعك هذا؛ إذ کنت قصدت أن تحلّ مشکلك، بل ساومت[9] بالسعر لتقليل استفادته منه. لكن إذا كان لديك ولد اشتريت له حانیةً[10] و لا يعرفه أحد جيّداً، فإنّك تشتري السلع منه و تنصح الآخرين بشراء السلع منه حتّى يتمكّن من بدء عمله، تطلق علی عملك هذا «الإعانة علی التجارة».

المثال الثالث: تذهب إلی ضیافة شخص تعلم أنّه تهیّئ الطعام من دار الضیافة[11] و قاعة الإطعام[12] . بهذا العمل تساعد صاحب قاعة الإطعام، لکن لیس من قصدك إعانته؛ بل کنت جائعاً و مریداً لتناول الطعام و بهذا العمل حللت جوعك. لا تطلق علی عملك هذا، إعانة صاحب قاعة الإطعام. لکن إذا کان قاعة الإطعام متعلّقةً بأحد أقربائك أو أصدقائك و ترید باشتراء الطعام تقویته و لیس رفع الجوع في نظرك مهمّاً، ففي هذه الصورة یقال إنّك ساعدت صاحب قاعة الإطعام؛ إذ کنت قصدت الإعانة. حیث إنّ هناك قصداً یوجد، تصدق الإعانة عرفاً.

إشکال: یلزم في المقام صدق الإعانة علی الإثم لا القصد وحده

في رأینا أنّ کلمات المحقّق النراقيّ (رحمه‌الله) و إن کانت دقیقةً و في بعض الموارد صحیحاً، لکن لا یکون کافیاً و کاملاً و کلّیّاً؛ إذ جعلت المعیار القصد بینما أنّك لا تستطیع أن تقیس[13] قصد الأفراد في الاجتماع. إن أحضرت المحکمة أحداً بجرم الإعانة علی الإثم، یقل: «لم أکن قاصداً» و تمّ العمل. إن کان المعیار القصد حال کونه أمراً قلبیّاً فکلّ أحد یمکن أن ینکره. بهذا العمل، تقیّد حرمة الإعانة علی الإثم في الاجتماع بأمر قلبي. إذا قیل له: «لماذا أتیت بالسکّین حتّی قتل القاتل أحداً؟» یقول: «ما کنت قاصداً». لکن قلنا إنّ الاعانة علی الإثم أمر عرفي، سواء کان قاصداً أم لا، یلزم کونه مجیباً عن فعاله فیما إذا کان العرف یقول إنّ الإعانة تصدق هاهنا. بناءاً علی هذا فبرأینا لم تکن الإعانة علی الإثم مقیّدةً بالقصد، بل کانت مقیّدةً بالعرف. نعم یمکن أن یکون القصد مؤثّراً عند الله في صدق المعصیة و لا یعذّبه الله في ما إذا لم یقصد؛ لکنّه جرم في الظاهر؛ إذ قد مهّد وسیلة المعصیة عرفاً.

قد لا يعلم المرء بنفسه، لكنّ العرف یعتبره إعانةً علی الإثم، مثل قصّة صفوان الجمّال الذي أکری[14] جِماله لهارون للذهاب إلى مكّة،لم یلتفت صفوان إلی أنّه أعان علی الإثم. سأله الإمام موسى بن جعفر (عليه‌السلام): هل تحبّ أنّهم سیبقوا أحیاء و يعودوا ليدفعوا إيجارك[15] ؟ قال: نعم، أحبّ أن لا يموتوا و أن يرجعوا فيدفعوا إيجاري، فإن ماتوا بعد ذلك فلا بأس. قال الإمام: بقدر ما تحبّ أن یبقوا أحياء فأنت منهم. لم يقصد صفوان الجمّال مساعدة الإثم و الجرم، لكنّ الإمام (عليه‌السلام) أخبره بأنّ عملك خطأ؛ إذن لا يمكن أن یكون القصد وحده هو المعيار، بل في رأينا یلزم صدق الإعانة علی الإثم. في التعامل مع الأفراد الفاسقة الظالمة، يجب أن نكون أدقّاء في أنّ سلوكنا لا یصیر مصداقاً للإعانة علی الإثم و الظلم.

 


[2] أي: قصّابی.
[3] أي: نانوایی.
[5] أي: تحویل می گیری.
[6] أي: گمارده ای.
[7] أي: آب میوه.
[8] أي: کالاهایی.
[9] أي: چانه زدی.
[10] أي: مغازه ای.
[11] أي: مهمان خانه.
[12] أي: تالار غذا خوری.
[13] أي: بسنجی.
[14] أي: کرایه داده بود.
[15] أي: کرایه ات.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo