< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

43/04/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الوقایة من الجرم/ المقدّمة/ أهمّیّة الوقایة من الجرم

کان الکلام فی علم الفقه حول الوقایة من الجرم و الاستدلال بآیات القرآن. استدللنا بالآیة الشریفة ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.[1] بیّنّا مباحث في مورد هذه الآیة.

مصادیق الإعانة علی الإثم

علی أساس هذه الآیة، الإعانة علی الإثم حرام في الجملة. للإعانة علی الإثم مصادیق کثیرة التي یجب أن یبحث في أنّه أيّ مصداق من مصادیق الإعانة علی الإثم حرام و أیّ مصداقه لیس بحرام؟ تکون في الاجتماع أناس کثیرة فسّاق و فجّار الذین یشترون من المخبز[2] الخبز و من المجزر[3] اللحم و من الفاکهانيّ[4] الفاکهة و الناس یعلمون أیضاً أنّ هذا الشخص أهل الخمر و القمار و الفحشاء و الکذب و الغیبة و ... . لا یکون جمیع الناس عدولاً و الأناس الذین لیسوا بعدول یهیّئون حوائجهم من هذه المتاجر[5] و صاحب المتجر یعرف بعضهم أیضاً. هل یجوز معاملاتهم؟ إن قلنا إنّ الإعانة علی الإثم حرام و بیع البضاعة من هذه الأفراد کان إعانةً علی الإثم؛ فعلی هذا یجب أن تکون هذه الأفراد ممنوعةً من المعاملة. هل معنی المعاونة علی الحرام، هذا؟ إذن یلزم علی البائع أن یتبع أفراداً عدولاً کي یبیع بضائعه منهم؟ في هذه الصورة یصیر العمل صعباً جدّاً و لا یقول به أحد؛ بناءاً علی هذا یبیّنون للإعانة علی الإثم المحرّمة شرائط کانت الإعانة علی الإثم المحرّمة ستتحقّق في صورة وجودها و إن لم تکن الشرائط موجودةً لا تصدق الإعانة علی الإثم أساساً.

شرائط الإعانة علی الإثم:

الشرط الأوّل: قصد المعین

الشرط الأوّل أن یکون للمعین قصد الإعانة علی الإثم؛ أي الخبّاز یعطي الخبز إلی الفاسق بقصد أن یقوّی علی المعصیة. الفاکهانيّ، یبیع العنب من الفاسق لیصنع الخمر.

بیع العنب إلی صانع الخمر له حالتان:

الألف) یعلم البائع أنّ المشتري یرید أن یصنع بالعنب الخمر و یستبشر و یأتي بالعنب سریعاً و یبیعه.

الباء) البائع في قلبه محزون، لکن یبیع العنب علی أساس مصالح الاجتماع و الوقایة من الفتنة. یقول في قلبه: لیته لا یجيء. یمکن أن نقول إن کان قصد البائع أن یصنع المشتري الخمر و یبیعه أو یشربه، فهذا العمل حرام؛ لکن إن لم یکن قصده هکذا و یکون حزیناً جدّاً و لا یهوي قلبه إلی أن یعمل هذا لکنّه یعلم أنّ هذا العمل سیفعل و یبیع لرعایة المصالح، بیع العنب حینئذٍ لیس بحرام. علی هذا الأساس یعتقد بعض العلماء بلزوم القصد في صدق الإعانة علی الإثم.

الشرط الثاني: وقوع المعانعلیه

الشرط الثاني أنّ المعصیة تحقّقت في الخارج؛ مثلاً: مشتري العنب یصنع الخمر ثمّ یشرب هذا الخمر. إن وقعت المعصیة في الخارج، الإعانة علیها حرام أیضاً؛ لکن إذا لم تکن تتحقّق المعصیة بل (مثلاً) یعطي المشتري العنب من ضیفه و لم یبلغ بصنعة الخمر، فلا تتحقّق حینئذٍ الإعانة علی الإثم.

قال بعض الفقهاء: هذا الشرط لیس بلازم؛ من یبیع العنب فقد عمل عملاً خلافاً، سواء تحقّقت المعصیة أم لا.

أتی بهذا البحث الشیخ الأنصاريّ (رحمهالله) في المکاسب و یقول: «أوّل من أشار بشرطیّة القصد هو المحقّق الثاني، أشار إلیها في حاشیة الإرشاد.[6] تعبیر المحقّق دقیق «إنّما يظهر المعاونة مع بيعه لذلك»[7] . «لذلك» أي إن باع العنب لیصنع الخمر، فهو حرام؛ لکنّه إذا لم یبال بأنّه من الذي یشتري منه، فلیس بحرام. بیع العنب في نفسه لیس بحرام بل إن باع بقصد صنع الخمر فهو حرام.

هذا مرأی المحقّق الثانيّ (رحمهالله) و استصوبه[8] الشیخ الأنصاريّ (رحمهالله) أیضاً.

في التالي یقول الشیخ الأنصاريّ (رحمهالله): المحقّق السبزواريّ (رحمه‌الله) له هذا الرأي في كتابه «كفاية الأحكام». یقول المحقّق السبزواريّ: «في تحريم إجارة البيت و السفينة لمن يعلم أنّه يفعل المحرّمات خلاف، فقيل بالتحريم نظراً إلى الآية و رواية صابر. و الأقرب الجواز، لحسنة ابن أُذينة و منع كون ذلك معاونةً».[9] إنّ هناك خلافاً في حرمة فعل من يؤجر بيته أو سفينته لمن يعلم أنّه يعصي فیهما.

روایة الصابر هکذا: «عن صابر قال: سألت أبا عبد الله، عليه السلام عن الرجل يواجر بيته فيباع فيه " فيها خ ل " الخمر، قال: حرام أجره».[10]

یقول الصابر: سألت عن الصادق (علیهالسلام) عن رجل آجر بیته من أحد یبیع فیه الخمر؛ قال الإمام: بدل الإیجار[11] الذي یأخذ منه فهو حرام.

علی أساس هذه الروایة و الآیة، إیجار البیت لمن یرید أن یفعل فسقه فیه، حرام؛ لکّن المحقّق السبزواريّ یقول: «الأقرب الجواز لحسنة إبن أذینة».

الروایة هي: «عن ابن أذينة قال كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن الرجل يؤاجر سفينته و دابّته ممن يحمل فيها أو عليها الخمر، و الخنازير، قال: لا بأس».[12] یقول الرواي: کتبت إلی الصادق (علیهالسلام) و سألت عن شخص آجر سفینته و دابّته لحمل الخمر أو الخنزیر، قال (علیهالسلام): لا إشکال فیه.

هاتان الروایتان متعارضتان. قد جمع بینهما الشیخ الطوسيّ بأنّ الروایة الدالّة علی الحرمة وردت فیما یکون الفسق معلوماً، لکنّ الروایة الثانیة وردت في مورد لا یعلم من آجر السفینة و الدابّة أنّهما أوجرتا لحمل الخمر أم لا؟ لکن احتمل إجارتهما لهذا.

یعتقد المحقّق السبزواريّ بأنّ في إیجار السفینة أو الدابّة، لا تصدق الإعانة علی الإثم. أمکن أن یرتکب الناس معاصي کثیرةً و أمکن أن یکذب و افتری و ... في هذا البیت، في هذه الموارد لا تصدق الإعانة علی الإثم؛ إذ أنت لا تکون علّةً تامّةً لمعصیته و لا تکون قاصداً أیضاً أن یعصي هو في البیت. إنّه یعصي في کلّ بیت آجره، سواء کان البیت بیتك أم بیت غیرك.

الشیخ الأنصاريّ (رحمهالله) قائل بدخالة القصد أیضاً، لکن یقول: لا تصدق الإعانة عرفاً في هذه الموارد. إذا کنت ترید أن آجرت بیتك، یأتي إلیك أفراد مختلفة لإجارة بیتك و أنت تؤجره بواحد منهم و لا تبالي بمعصیته و عدمها، لا تصدق هنا عرفاً الإعانة علی الإثم.

یعتقد الشیخ الأنصاريّ بلزوم القصد و أقام علیه أدلّةً، مثل التبادر. التبادر العرفيّ یقول إنّه یجب هناك أن یکون قصد.


[2] أي: نانوایی.
[3] أي: قصابی.
[4] أي: میوه فروش.
[5] أي: فروشگاه‌ها.
[7] حاشية الإرشاد (مخطوط): 205.
[8] أي: پسندیده است.
[11] أي: اجاره بها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo