< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

43/04/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الوقایة من الجرم/ المقدّمة/ أهمّیّة الوقایة من الجرم في القرآن و الروایات

 

کان الکلام في علم الفقه حول الوقایة من الجرم و أهمّیّتها في القرآن:

الاستدلال بآیة أخری

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.[1]

هذه الآیة تدلّ علی أنّ التعاون علی «البرّ» و «التقوی» أمر إلزامي.

في آیة أخری بیّن لنا معنی «البرّ» إذ قال: ﴿... وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾،[2] یجب أن نبیّن معنی القرآن بالقرآن و هو معنی «تفسیر القرآن بالقرآن».

یستفاد من الآیة الثانية من سورة المائدة أنّ التعاون علی البرّ و التقوی یکون لازماً؛ لکن لا یستفاد منها الوجوب؛ إذ یبیّن في آیة المأة و السبع و السبعین من سورة البقرة مصادیق من البرّ لیس کلّها واجبةً. أعمال مثل الخمس و الزکاة کانت واجبةً؛ لکن موارد منها مثل الصدقة علی الأقرباء لیست بواجبة. إذا لم یستفد من صدر الآیة أي ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾[3] ، الوجوب ف﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾[4] هل یدلّ علی الحرمة أم لا؟ إنّ الظلم و المعصیة بأنفسهما حرام؛ لکن هل التعاون علیهما حرام أم مکروه؟ یمکن أن یستفاد من ذیل الآیة أي ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[5] ، أنّ التعاون علی الظلم و الإثم حرام.

یتّفق العلماء علی أنّ الآیة تدلّ علی الحرمة؛ لکنّ الاختلاف في أنّ التعاون علی الإثم حرام فقط أم الاعانة علی الإثم حرام أیضاً؟ إذ بعضهم قائلون بالتفاوت بین التعاون و الإعانة. یعتقد المحقّق الخوئيّ بأنّ التعاون علی الإثم حرام؛ لکنّ الإعانة علی الإثم لیست بحرام.

روایات التعاون و الإعانة علی البرّ و الإثم:

الروایة الأولی: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضاً».[6] مثل المؤمنون کمثل البناء الذي یجب أن یساعد بعضهم بعضاً. قال الشاعر بالفارسیّة:

بنی آدم اعضای یک پیکرند که در آفرینش ز یک گوهرند

هذا الشعر یشیر إلی هذه الروایة.

جميع الواجبات التي لها حیثیّة اجتماعيّة، مثل الخُمس و الزكاة و الحجّ و صلاة الجماعة و صلاة الجمعة و نحوها، هي خلفیّة[7] لارتباط الإنسان بالمؤمنين و مساعدتهم. لتکن صلوات الجماعات وسائل للتعرّف على الفقراء و المحتاجين و المساکین و مساعدتهم. ذلك لأنّ للشارع المقدّس اهتماماً جادّاً للمسائل الاجتماعيّة.

الروایة الثانیة: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»[8] ؛ يوفّقك الله ما دمت تساعد أخاك المؤمن.

الروایة الثالثة: «المرء كثير بإخوانه»[9] الرجل وحده قليل؛ أمّا إذا اهتمّ بإخوانه المؤمنين فهو كثير.

التعاون علی البرّ ینتهي إلی نتیجة فیما إذا کان متّصلاً بالتقوی. مثلاً: من يساعد الناس و الفقراء؛ لكنّه ليس تقيّاً و یعصي؛ إنّ مساعدة الآخرين أمر حسن، لكن ليس له تقوی. يجب أن يكون الإثنان معاً ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ التعاون علی البرّ إن کان مع المعصیة فلا فائدة فیه؛ بل ينتج عندما تكون التقوى بجانبه. التقوى هي الإحتراز من الذنب. ذیل الآية أيضاً توضیح التقوی. كيف نفعل التقوى؟ بالتجنّب عن المعصية و عدم مساعدة العاصي.

الروایة الرابعة: قال رسول الله (صلّیاللهعلیهوآله): «يوم القيامة ينادي منادٍ أين الظلمة أين أعوان الظلمة أين أشباه الظلمة فيجتمعون في تابوت من حديد ثمّ يرمى بهم في جهنّم».[10] إنّ في یوم القیامة یلقی الظالمون و من ساعد الظلمة في النار، حتّی من یشحذ[11] قلمهم و یسکب[12] دواة قلمهم یعذّب أیضاً. یضعون الظالمین و أصحابهم في تابوت حدیديّ و یلقون بهم في نار جهنّم. هذه الجملة التي تتعلّق بأعوان الظلمة، تتعلّق أیضاً بالتعاون علی الإثم و کلاهما في طابور[13] واحد.

الروایة الخامسة: حدّثني محمّد بن اسماعيل الرازي، قال: حدّثني الحسن بن عليّ بن فضّال، قال: حدّثني صفوان بن مهران الجمّال، قال: دخلت على أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) فقال لي:‌ يَا صَفْوَانُ كُلُّ شَيْ‌ءٍ مِنْكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ مَا خَلَا شَيْئاً وَاحِداً قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَيُّ شَيْ‌ءٍ؟ قَالَ: إِكْرَاؤُكَ جِمَالَكَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ يَعْنِي هَارُونَ، قُلْتُ: وَ اللَّهِ مَا أَكْرَيْتُهُ أَشَراً وَ لَا بَطَراً وَ لَا لِصيْدِ وَ لَا لِلَّهْوِ وَ لَكِنِّي ً أُكْرِيهِ لِهَذَا الطَّرِيقِ يَعْنِي طَرِيقَ مَكَّةَ وَ لَا أَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِي وَ لَكِنِّي أنصب غِلْمَانِي فَقَالَ لِي: يَا صَفْوَانُ أَ يَقَعُ كِرَاؤُكَ عَلَيْهِمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ: فَقَالَ لِي: أَ تُحِبُّ بَقَاءَهُمْ حَتَّى يَخْرُجَ كِرَاؤُكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ فَمَنْ أَحَبَّ بَقَاءَهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ وَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَانَ وَرَدَ النَّارَ قَالَ صَفْوَانُ: فَذَهَبْتُ و بِعْتُ جِمَالِي عَنْ آخِرِهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ إِلَى هَارُون‌ فَدَعَانِي فَقَالَ لِي: يَا صَفْوَانُ بَلَغَنِي أَنَّكَ بِعْتَ جِمَالَكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ: لِمَ؟ قُلْتُ: أَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ وَ إِنَّ الْغِلْمَانَ لَا يَفُونَ بِالْأَعْمَالِ فَقَالَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ أنِّي لَأَعْلَمُ مَنْ أَشَارَ عَلَيْكَ بِهَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، قُلْتُ: مَا لِي وَ لِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ! فَقَالَ دَعْ هَذَا عَنْكَ فَوَ اللَّهِ لَوْ لَا حُسْنُ صُحْبَتِكَ لَقَتَلْتُكَ[14] .

هذه القصّة هي أنموذجة من الإعانة علی الإثم.

من أهمّ مسائلنا أنّه ما الإعانة علی الإثم؟ ما مصادیقها؟ ما هي شرائطها و خصوصیّاتها؟

بیان ارتباط بحث الوقایة من الجرم ببحث الإعانة علی الإثم

أردنا أن نربط بحث الوقایة من الجرم بالبحث عن الإعانة علی الإثم. إن قلنا إنّ المعین علی الإثم هو آثم فالذين يمهّدون خلفیّة الجرم، هم أيضاً من الآثمین. يكون تحقّق الجرم في بعض الأحیان بارتکاب فعل و قد یکون بسبب ترك عمل (ترك الفعل)؛ مثلاً: شخص مّا بجوارك، يريد أن یأخذ رشوةً و أنت علمت بذلك؛ لكنّك سکتّ فهو ارتكب الجرم. إنّك لم تعمل عملاً، لكن بسکوتك أوجدت أرضيّةً[15] للإثم، بینما لو كنت قد حذّرته لما فعل هذا الجرم. یمکن أن يرى الإنسان أشياء كثيرةً و بسکوته يهيّئ الأرضیّة للجرم و المعصیة. لذلك علینا أن نبارز مع المعصیة و أن نسدّ أمامها و لا نسمح في تحقّقها.

نکتة أخری: بیّن علماء مثل آيات العظام المكارم و الفاضل في قواعدهم الفقهيّة «حرمة الإعانة علی الإثم» بصورة قاعدة عامّة فقهیّة. أکثر الفقهاء أخذوا هذا البحث من الشيخ الأنصاريّ في المكاسب.

إن عزمنا جميعاَ الآن علی أن لسنا معینین على الإثم و لم نساعد علی المعصیة و لم نمهّد الخلفیّة لها، فلن یتحّقق الجرم و المعصیة في الاجتماع و یصلح الاجتماع؛ مثلاً: إیجار البیت لمن نعلم أنّه يريد أن یعصي فيه، لكن يدفع نقوداً کثیرةً لأجله. في حياتك تواجه العديد من هذه الأمثلة أنّ هذا حرام أم لا؟ هل تصدق علی هذه الأفعال الإعانة علی الإثم؟ يقول بعض العلماء: إنّه إذا كانت الإعانة علی الإثم هذه، ینضج[16] في الاجتماع و عمل الناس فسیقلّ الجرم و المعصیة في الاجتماع.

 


[7] أي: زمینه.
[11] تیز می کند.
[12] أي: می ریزد.
[13] أي: ردیف و ستون.
[15] أي: زمینه.
[16] أي: جا بیفتد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo