< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

43/03/30

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الوقایة من الجرم/ المقدّمة/ أهمّیّة الوقایة من الجرم

 

كان الکلام في علم الفقه حول الوقایة من الجرم، إنّه هل من وظائف الحكومة الإسلاميّة و الناس الوقایة من الجرم أم لا؟ هنا بحثان: 1. هل على الحكومة وظیفة الوقایة من الجرم؟ 2. قبل تحقّق الجرم في الخارج، هل على الناس أيضاً أن یسدّوا أمام الجرم و لم یسمحوا في تحقّقه؟ قد بیّنّا في المباحث السابقة الآيات التي لها دلالة صریحة أو إشارة إلی هذا البحث.

الاستدلال بالآیة

﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْي فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيوْمَ الْقِيامَةِ يرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.[1]

يعلم من صدر الآية و من ذیلها أنّ العمل المبحوث عنه، عمل محرّم جدّاً. يوبّخ الله بني إسرائيل بأنّكم عاهدتم علی أن لا تقتلوا أحداً و لا تشرّدوا[2] أحداً، بینما أنّکم لم توفوا بعهدکم و قتلتم فریقاً و شرّدتم فریقاً آخر.

﴿تَظَاهَرُونَ عَلَيهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ لقد دعمتم[3] الظلم. لا یجوز لکم أن تدعموا المعصیة و الظلم.

﴿إِلَّا خِزْي فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيوْمَ الْقِيامَةِ يرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾ إنّ الدعم للمعصیة و الظلم يسبّب أنّ لکم عذاباً شدیداً. عدم الدعم للمعصیة هو أن لا نسمح[4] في تحقّق المعصیة و الجرم في الخارج.

قال الشيخ الأنصاريّ (رحمه‌الله) في المكاسب المحرّمة أنّ الإعانة و المساعدة علی المعصیة حرام؛ مثل: «بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمراً»[5] يبيع العنب لمن يعلم أنّه يريد أن يصنع به الخمر. هو يذكر شرائط في هذا البحث منها بحث العلم و وجود الانحصار و ... . تکون هذه المباحث أیضاً في مسألة «بيع الخشب ممّن يعلم أنّه يعمله صنماً»[6] . تبيع الخشب لمن تعلم أنّه سيصنع الصنم به. حرمة «بيع السلاح من أعداء الدين حال قيام الحرب»[7] تکون أیضاً من هذا القبیل؛ هو عدوّ الدين و في حال الحرب مع الدين، هذا العمل محّرم أيضاً من باب الإعانة علی الإثم. بحث «تدلیس الماشطة»[8] يمكن أن یكون مصداقاً لهذا البحث أيضاً. تقوم الماشطة[9] بتجمیل المرأة بحيث تغطّی عيوبها و یمکن لها أن تتزوّج من أحد، هذا العمل معصیة و حرام. المرأة التي تستر عیوبها لخداع الآخر، ترتكب فعلاً محرّماً و من أوجدت مقدّمات هذا العمل حتّی تتمکّن المرأة من خداع الرجل ففعلها حرام.

تدلّ أیضاً آیات القرآن علی النهي عن مقدّمات الحرام ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾[10] . ینهی القرآن عن الاقتراب من الفواحش. ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾[11] ، ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾[12] یستفاد من هذه الآیات أنّه لا یصحّ الاقتراب من المعصیة، لا أن کنّا نتربّص حتّی تتحقّق المعصیة و بعدئذٍ قمنا بالتذکّر. عندئذٍ قد فات أوان العمل و یجب الإقدام عاجلاً و أبید معدّ المعصیة و الجرم.

اختلاف النظر بین المحقّق الخوئيّ و الشیخ الأنصاريّ و الإمام الخمینيّ (رحمهمالله) في مسألة الإعانة علی الإثم

یعتقد المحقّق الخوئيّ بأنّ التعاون علی الإثم حرام؛ لکنّ الإعانة علیه فلیست بحرام؛ قال: إنّه فرق بین باب التفاعل و المفاعلة. باب المفاعلة في مورد أعان أحد علی إثم؛ لکن باب التفاعل معناه أنّ عدّة أشخاص یرتکبون إثماً معاً. إذا نقول: «تضارب زید و عمرو» أي هذا العمل یکون له فاعلان؛ لکن إذا کان من باب المفاعلة «ضارب زید عمراً» أي وقع الشجار[13] و قد ضرب عمرو أیضاً؛ لکن في هذا الکلام، یکون البحث حول أنّ زیداً فاعل الضرب و عمرو مفعوله.

هو یعتقد بأنّ ما حرّم في القرآن، هو التعاون علی الإثم؛ أي کلاهما تتلوّث أیدیهما بالإثم. إنّما التعاون علی الإثم حرام و أمّا الإعانة علی الإثم فهي لیست بحرام و إن کانت الإعانة علی الظلم حراماً.

شرائط تحقّق الإعانة علی الإثم و حرمتها من مرأی بعض الفقهاء

إنّ کثیراً من العلماء- مثل الشیخ الأنصاريّ (رحمه‌الله) في المکاسب و الإمام الخمینيّ (رحمه‌الله) و الآخرین- یعتقدون أنّ کلّاً من التعاون و الإعانة علی الإثم حرام. هذا في صورة وجود شرائط الإعانة.

أيّ الأمرین یکون جزءاً للشرائط، قصد الإعانة أو صدقها العرفي؟

مثلاً: هل یلزم في تحقّقها القصد أم لا؟ أي هل یلزم أن یقصد الإعانة علی الإثم أم لا؟ مثلاً: الجزّار[14] الذي یبیع اللحم، یشتري منه أناس مختلفة من المؤمن و العاصي، هل بیع اللحم من شارب الخمر، یکون إعانةً علی الإثم؟ في العهد البهلويّ کان یسأل بعض الکسبة عمّا إذا كان بعض السافاكيّين المعذِّبين يشترون بضائع[15] منّا، فهل يحرم بيع البضائع لهم؟ هل هذا الفعل یکون إعانةً علی الإثم؟ لأنّه يشوي[16] اللحم و يأكله و يزداد قوّةً و يضرب علی رأس المظلوم. في هذه الموارد، لا تصدق الإعانة علی الإثم؛ إذ من شروط الإعانة على الإثم أنّ هناك قصداً علی الإعانة. قال بعض الفقهاء أیضاً أنّ القصد لیس لازماً و یکفي صدق الإعانة عرفاً.

2 . المسألة الأخری هي أنّه هل یکون وقوع المعاونعلیه في الخارج، جزءاً للشرائط؟

مثلاً: قد لا يتمكّن مشتري العنب من صنع النبيذ؛ بل يعطيه لضيوفه و لا يصنع النبيذ. هذه الحالة تسمّی بالتجرّي؛ کما یبحث أنّ التجرّيّ حرام أم لا، یبحث أیضاً هل الإعانة علی التجرّي حرام أم لا؟

إن کانت الإعانة علی الإثم حراماً، فعندما تحقّق معدّ المعصية في الخارج، وجب عليكم أن تبیدوا[17] هذا المعد. إن لم تبد الحكومة هذا المعد، فسيوجد فساد في الاجتماع؛ مجال[18] المعصیة في الاجتماع یسبّب تحقّق المعصیة. أحياناً يكون مجال المعصیة قریباً منها نفسها، التي یعبّر عنها ب «المقدّمة الموصلة» و أحياناً بعيدةً عنها؛ أي أنّ هناك عدّة مراحل یجب أن تمضي حتّی تنتهي إلى المعصیة. هل المقدّمة الأولى حرام أم المقدّمة التي تنتهي إلى الحرام؟

الاستدلال بالآیة في مسألة الإعانة علی الإثم

الآیة التي نبحث عنها في هذا المقام هي ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[19] . یبحث العلماء في أنّ «تعاونوا» هل یدلّ علی الوجوب؟ قالوا: إنّ «تعاونوا» و إن کان أمراً لکن لا یدلّ علی الوجوب، المساعدة في بناء المسجد و المدرسة و الحسینیّة و ... لیست بواجب.

السؤال التالي هو أنّ «وَلَا تَعَاوَنُوا» هل یدلّ علی الحرمة؟ إن أردنا أن نقایسه بصدر الآیة، فحیث أنّه لا یدلّ هناك علی الوجوب فهنا أیضاً لا یدلّ علی الحرمة؛ لكنّنا نعلم أنّ التعاون على الإثم و الظلم حرام و لا يجادل فيه أحد حتّى المحقّق الخوئيّ فإنّه یعتقد بحرمته أیضاً. بالإضافة إلى هذه القرائن، فإنّ ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾[20] و ﴿شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[21] تدلّان أيضاً علی أنّ التعاون علی الإثم حرام و جميع الفقهاء متّفقون على ذلك.

 


[2] أي: آواره نکنید.
[3] أي: پشتیبانی کردید.
[4] أي: اجازه ندهیم.
[9] أي: آرایشگر.
[13] أي: زد و خورد.
[14] أي: قصّاب.
[15] أي: کالاهایی.
[16] أي: کباب می‌کند.
[17] أي: از بین ببرید.
[18] أي: زمینه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo