< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

43/03/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الوقایة من الجرم / المقدّمة/ أهمّیّة الوقایة من الجرم في القرآن

 

کان الکلام في علم الفقه حول الوقایة من الجرم و دفع المنکر و أنّه هل دفع المنکر واجب أو مستحبّ أم لیس بواجب و لا مستحبّ؟ هناك أقوال في هذا؛ یعتقد بعض مثل الإمام الخمينيّ و جمع من تلامذته بوجوب دفع المنکر. عدّة من العلماء- مثل المحقّق الخویيّ و بعض تلامذته- قائلون بأنّ دفع المنکر لیس بواجب. یفصّل بعض أیضاً بأنّ دفع المنکر واجب في الأمور المهمّة؛ لکن في غیرها فلیس بواجب. کنّا نتکلّم حول آیات القرآن في أنّه ما رأي القرآن الکریم في هذا البحث؟

الاستدلال بآیة فیما یرتبط بحکم دفع المنکر

﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَينَاتِ وَ أَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَ الْمِيزَانَ لِيقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَ لِيعْلَمَ اللَّهُ مَنْ ينْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَيبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِي عَزِيزٌ﴾.[1]

تبیّن هذه الآية الغرض من إرسال الأنبياء الذي هو العدل. هناك آيات أخرى في القرآن، فیها أنّ الله يأمر النبيّ (صلّى‌الله‌عليه‌وآله) أن اعدلوا. إنّ الحكمة من إرسال الرسل و إنزال الكتب هي إیجاد العدال.

العدالة هي «الخروج من الإفراط و التفریط» الإفراط و التفریط حرام و العدل يجب القيام به، الفسق المقابل له یجب أن یباد. تحقّق العدالة الحقيقيّة هو أن لا یتحقّق الفسق و المعصیة في الخارج و أن نسدّ أمام المعصیة. العدالة في الاجتماع أي لم یُوفّر معدّ المعصیة في الاجتماع و لا یعصوا، لا أن یعاقب العاصي فقط؛ بعبارة أخری: معنی العدالة، الوقایة من الجرم. عند ما یتحقّق جرم في الخارج لا تتحقّق العدالة.

یستفاد من هذه الآیة أنّ دفع المنکر واجب؛ إذ إیجاد العدالة واجب. هذا الحکم لا یختصّ بالزعماء؛ بل هو واجب علی کلّ من الزعماء و الناس معاً ﴿لِيقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ الزعماء یدلّون و الناس یوجدون العدالة؛ أي لم یسمحوا أن یتحقّق جرم في الخارج حتّی تحقّقت العدالة.

«القسط» بمعنی العدل، «الکتاب» هو قانون الله و یلزم أن یکون لکلّ زعیم قانون و «المیزان» بمعنی القُسطاس[2] الذي يمكن أن يكون ميزاناً لتوزین الأجناس لئلّا یطفّف أحد أو یکون هو القرآن و قوانین الشریعة التي هي معیار تمییز الحقّ من الباطل.

﴿وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ خلق الله الحديد الذي فیه منافع کثیرة للناس. للحديد صلابة؛ لكنّه مفید للناس. القوّة المقنّنة و المجریّة تحتاجان إلی الحدید؛ أي إنّ التمرّدات تحتاج إلى الاحتکاك بها[3] .

﴿وَ لِيعْلَمَ اللَّهُ مَنْ ينْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَيبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِي عَزِيزٌ﴾ إنّ الله لا يحتاج إلی أحد؛ لكنّا من أجل منفعتنا نحتاج إلى إیجاد العدالة في الاجتماع. الذين يؤمنون بالله و يطيعونه من طیب أنفسهم، هم يستطيعون أن یُجروا العدالة و لو أنّ أفراداً یوجدون المزاحمة في مسیر إجراء العدالة.

أي إنّ بعض الناس مع أنهّم لم يروا النبيّ (صلّى‌الله‌عليه‌وآله)، يؤمنون بالله و بالغيب و یحقّقون العدالة.

النکتة التي یجب الالتفات إلیها هنا هي أنّ العدالة تُبیَّن في مورد القانون؛ أي يجب أن يكون القانون صحيحاً بحيث تكون العدالة هي العمل بذلك القانون. القرآن كتاب القانون الإلهيّ و العدالة تتحقّق مع العمل بذلك القانون.

النکتة الأخرى هي أنّه في المسائل الاجتماعيّة و الثقافيّة[4] ، في بدایة الأمر تکون التربیة محطّةً للنظر. يجب أن يتمّ العمل الثقافيّ أوّلاً و أن یُدَلَّ الناس و یُربَّوا، ثمّ حان وقت الاحتکاك. بعد أن أصبح الناس عالمین و تمّ القيام بعمل ثقافيّ و أصبحوا مطّلعین بالقانون ﴿وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ یقام بالاحتکاك أمام الجرم.

قال الله (تعالی) في آیة أخری: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيينَّهُ حَياةً طَيبَةً وَ لَنَجْزِينَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يعْمَلُونَ﴾[5] . الحیاة الطیّبة هي إجراء العدالة. عند ما تتحقّق العدالة في الاجتماع، توجد الحیاة الطیّبة أیضاً.

قال (تعالی) في موضع آخر: ﴿وَ أُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَينَكُمُ﴾.[6] إجراء العدالة هو الغرض من إرسال الأنبیاء و إجراء العدالة یتحقّق بدفع المنکر لا رفعه. إن سمحنا[7] أن تتحقّق المعصیة إبتداءاً، ثمّ أردنا أن نبارز معها، یفسد الاجتماع؛ من المسلّم أنّه لا بدّ من المبارزة مع الجرم بعد تحقّقه؛ لكنّ هذا في مرحلة ما بعد الوقایة. في بعض الأحيان بعد تحقّق الجرم لا يمكن الوصول إلى المجرم لأجل مجازاته؛ مثلاً: سمحنا أنّ الشخص سرق النقود و هرب إلی الکندا[8] ، ثمّ نقول لم سرقت؟ و نسعی في اعتقاله[9] من رغم أن لا تصل أیدینا إلیه. هذا لا یبلغنا إلی تحقّق العدالة.

قال بعض إنّ إجراء العدالة في هذه الآية مرتبط بالمعاصي الاجتماعيّة؛ مثل: الاحتیال[10] و ... لا بالمعاصي الفرديّة. لا إشکال في القول بأنّ العدالة کانت بمعناها الحقیقیّة؛ أي إنّ ارتكاب الكبائر و الإصرار على إرتكاب المعصية الصغیرة يسبّبان في خروج الإنسان من العدالة.

يُفهم من هذه الآية أنّ العدالة ستتحقّق بدفع المنکر و يجب أن نسدّ أمام المنکر لکي تتحقّق العدالة.

الاستدلال بآیة أخری:

﴿... وَ لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَ لَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.[11]

في هذه الآية، یقول الله (تعالی) صراحةً: إنّه يجب على الناس أن یسدّوا أمام المعصیة و إلّا یستوعب[12] الفساد في الاجتماع. أعطی الله الخیر الذين یسدّون أمام معاصي المفسدين و إلّا لكان الفساد قد انتشر في كلّ الأرض. في هذه الآية، استخدم الله كلمة «دفع»؛ لذلك من وظائف البشر أن یسدّوا أمام الفساد و إن أردنا بعد تحقّق الفساد المبارزة معها، فإنّ الفساد سوف يعمّ الاجتماع بأسره.

الاستدلال بآیة أخری

﴿وَ يا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَ لَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾.[13] أمر شعيب (علی‌نبیّناوآله‌وعلیه‌السلام) قومه بإجراء العدالة في الاجتماع بالمکیال و المیزان الصحیحین و بأن لا یهتضموا[14] حقوق الناس و أن لا یسمحوا[15] لإفساد المفسدين في الاجتماع.

هل تکون الوقایة من تحقّق الفساد من وظائف الحكومة أم الناس أم كلاهما؟

النکتة المهمّة التي تستفاد من هذه الآیة هي أنّه علی کلّ من زعماء الحکومة و الناس أن یسدّوا أمام الفساد. إن قام كلّ الناس بوظائفهم، فلن تتحقّق هذه الاختلاسات و الرشی و الظُلُم و ... في الاجتماع. الناس مثل يد للحكومة التي تساعدها. الكثير من الإعلامات و الاتّساقات[16] يقوم بها الناس.

الاستنتاج

یستفاد من هذه الآيات بشكل جيّد أنّ إجراء العدالة و دفع المنکر، من وظائف كلّ من الناس و الحکومة و أنّ حکمة إرسال جميع الأنبياء و الأديان الإلهیّة تحقّق العدالة و إیجادها منوط بدفع المنکر لا رفعه.


[2] أي: ترازو.
[3] أي: برخورد با آنها.
[4] أي: فرهنگی.
[7] أي: اجازه دادیم.
[8] أي: کانادا.
[9] أي: دستگیری‌اش.
[10] . أي: کلاه‌برداری.
[12] أي: فراگیر می شود.
[14] أي: پایمال نکنند.
[15] أي: اجازه ندهند.
[16] أي: هماهنگی‌ها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo