< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

43/03/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الوقایة من الجرم/ المقدّمة/ أهمیّة الوقایة من الجرم:

 

إمتداد[1] أهميّة الوقایة من الجرم في آيات القرآن:

الاستدلال بآیة أخری

﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾.[2]

ذهبت زَلیخا إلی يوسف (عليه السلام) و کان یمیل يوسف (عليه الصلاة والسلام) إلى زليخا لو لا أن رأی برهان ربّه. كيف لم يرتكب يوسف (علیه‌السلام) ذلك الجرم و انتصر على النفس؟

البرهان من أسماء الله «یا برهان» و إضافة البرهان إلی الربّ ﴿بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ إضافة بیانیّة؛ أي البرهان هو الرب. لقد رأى (علیه‌السلام) الله شاهداً و مراقباً. إذا رأى الإنسان الله مراقباً أثناء خطيئته بأنّي في حضرة الله، فإنّه لا یرتکب المعصیة. إحدى طرق الوقایة من الجرم هي أن رأی الله شاهداً و مراقباً.

﴿رأي﴾[3] :‌ أحياناً تعرف شيئاً لكنّك لم تره؛ مثلاً: أنت تقول مطلباً عن شخص‌مّا، یسئلونك عن أنّك قد رأیته؟ تقول: أنا لم أر؛ لكنّي أعلم أّنه يفعل هذا العمل. العلم مرحلة من المعرفة و الرؤية هي مرحلة أعلى من المعرفة.

في الاعتقادات و المسائل المعرفتيّة التي يمتلكها البشر، أحياناً یکون العلم حضوریّاً و قد یکون حصولیّاً. عندما يقال للإنسان أنّ هناك إلهاً و أنّه قوّة مطلقة، لديه نبيّ و ما إلى ذلك؛ هذه تحصّل للإنسان معرفةً و علماً حصولیّاً. لقد وصلتم إلى الاستنتاج بالقرائن و الاستدلال إلی أنّه يجب عليكم الاتّكال على الله في الحياة؛ هذا علم حصولي. إنّکم تدرسون و تذهبون إلی درس الأخلاق و تصلون بالاستدلال و المنطق إلی هذا الاستنتاج من أن ّالله هو الرزّاق و أنّه یجب الاتّکال على الله.

عندما تتزوّج و ستکون لدیك أطفال و تمرّ علیك أوقات صعبة في الحياة، قد یتّفق أنّك تقع في الديون و تواجه مشاكل، قد تری حينئذٍ أنّ مع التوکّل علی الله تحلّ مشاكلك. مع صلاة ليل و دعاءٍ من دون تمهید مقدّمات، سيحلّ الله المشكلة بطريقة لم تكن تتوقّعها. في المرّة الثانية عندما تتزاید المشاكل فتری مرّة أخرى مع صلاة الليل و التوکّل و احترام الذات[4] ، أنّ الله يحلّ المشكلة ﴿مِنْ حَيثُ لَا يحْتَسِبُ﴾.

التوکّل الذي کنت تدرسه[5] في علم الأخلاق و لدیك علم حصوليّ به، لقد جرّبته في الحیاة. مع تكرّر هذه التجربة، یصبح علمك الحصوليّ علماً حضوریّاً. أنت تقول: رأيت بعيني[6] أنّ الله هو الرزّاق، إيماني ب ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ یکون مائةً بالمائة[7] . البرهان يصل ببُطئٍ[8] إلى القلب و يهدأ[9] القلب. على الرغم من أنّك تکون في مشاكل، إلّا أنّك تنام مریحاً[10] في الليل؛ لأنك تقول: «إنّ معنا ربّنا و هو يحلّ مشاكلنا».

من السهل أن یقال باللسان: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾[11] لكن هذا الإيمان و المعرفة قد يصل إلى حدّ نشعر أنّ الله هو ظهیرنا[12] و يمكننا الاعتماد على الله في أعمالنا. العلم الحضوريّ أعلى من العلم الحصوليّ و بالمرور من العلم الحصوليّ یمکن الوصول إلى الحضوري. لقد اجتاز يوسف (علیه‌السلام) عن العلم الحصوليّ و بلغ إلی العلم الحضوري. حیث إنّه رأى برهان الربّ لم یعص.

لذا إنّ إحدى طرق الوقایة من الجرم هي أنّ يرى الإنسان الله حاضراً و مراقباً. في منابرنا و خطبنا نقول إنّ الله شاهد و مراقب؛ لكن من یدرکه بالعلم الحضوريّ فهو لا یعصي. الأنبیاء و أولیاء الله و علماءنا العظام حیث إنّهم وصلوا إلى مرتبة العلم الحضوريّ و يرون الله و يشعرونه، لا يرتكبون الخطيئة والجرم.

إنّ بعضاً لا يعصي الله خوفاً من جهنّم «خوفاً من النار»؛ هذه مرحلة من المعرفة، بعض الناس لا يعصون «شوقاً إلی الجنّة» لا من حیث إنّهم لن یقعوا في نار جهنّم، بل لم یعصوا ل ﴿جنّاتٍ تجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾[13] هذه أیضاً مرتبة من الإیمان؛ لكن فوق كلّ شيء أنّك لن تعصي «حبّاً له»؛ جعلت الله محبوبك و معشوقك. من يعمل لمعشوقه، لا يتعب[14] أبداً؛ لكن إذا كنت لا تحبّ شخصاً و عملت عملاً له، فسوف تتعب قريباً. أنت على استعداد[15] لنفسك من أجل من تحبّه و تعشقه. لقد عشق الإمام الحسين (عليه السلام) الله فأفدی بنفسه. کلّ المصائب التي وقعت لسیّد الشهداء (علیه‌السلام) هي بسبب العشق.

إنّ يوسف (علیه‌السلام) لقد کان یرى الله ﴿رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ البرهان هو اسم من أسماء الله. قد رأی (علیه‌السلام) الله فكيف یمکن أن یعصي. أنت لا تقبل أن تعصي أمام الناس و اذا شعرت بأنّ الله يراك، فلن تعصي بطریق أولی.

علی أساس هذه الآية، إنّ النکتة التي يجب الالتفات إلیها عند البحث عن الوقایة من الجرم، هي تقویة روح الإيمان و المعرفة. إذا وصلت إلى هذا المقام أي ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾[16] تری نفسك دائماً في حضرة الله فلن تعصي. أعلم أحیاناً و أرى أحیاناً. أنظر إلى حياتك و أنّه ما هي الأمراض و المشاكل التي أصابتك منذ أن كنت طفلاً، ستدرك كم حنّ[17] الله (تعالى) علیك؛ هذه كلّها براهين الرب.

إذا تمكنّا من تربیة المجتمع الإسلاميّ بطريقة یصیر معها جميع النساء و الرجال ممّن ﴿رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ و يرون الله شاهداً و مراقباً، فإنّهم سیجتنبون عن الجرم و المعصیة. هذا مقام الأولیاء و الأنبياء و ينتفع منه الصالحون أيضاً؛ کلّ أحد يستفيد منه بمرتبته الخاصّة. نقرأ في زیارة الجامعة الکبیرة «لاٰ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» [18] . أنت تصل إلی مقام کلّما صدر منك کلام، التفتّ إلی مرضاة الله (تعالی). يجب الالتفات في كلّ كلام نقوله، إلی أنّه هل إمام العصر (عجّل‌الله‌تعالی‌فرجه) راضٍ عنه؟ كان المرحوم العلاّمة الطباطبائيّ يقول: الصمت! لا تتكلّموا. الحديث يتطلّب التفكير. علينا أن نفكّر عند كلّ كلام نقوله، في أنّه هل الله و إمام العصر (عجّل‌الله‌تعالی‌فرجه) راضیان عنه؟ هل فيه اغتیاب و افتراء و ریاء و إثم آخر؟ هل هذا الكلام تکون فیه فائدة لي؟ أفضل المقام للإنسان هو الصمت ﴿لاَ يَسْبِقُونَهُ‌ بِالْقَوْلِ‌ وَ هُمْ‌ بِأَمْرِهِ‌ يَعْمَلُونَ‌﴾.

قال أحد الکبراء «حاولت[19] ألّا أتحدّث مطلقاً إلّا إذا شعرت أنّ الكلام لازم علیّ أو کان مستحبّاً». إذا لم نكن بحاجة إلى الحديث فلا نتحدّث؛ في بعض الأحيان يكون في هذه المباحات - سواء في الفضاء المجازيّ أو الحقيقيّ – تمهید للمعصیة والجرم (مثلاً) الاغتیاب و الافتراء و تضعیف النظام. إذا أرادت الحكومة الإسلاميّة تحقّق ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً﴾ و أن یمنع من الجرم، فالطريق هو القيام بفعل یقوّی ﴿بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾[20] في الاجتماع.

في الحياة، يواجه الإنسان مشاكل و أحياناً تمهّد خلفیّة[21] المعصیة و الجرم. إذا صرت قاضیاً تأتي إليك الرشی؛ إذالم تر ﴿ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ فإنّ الجرم سیتحقّق في الخارج.

بحسب الآية الشریفة من المسائل المهمّة في الوقایة من الجرم، القيام بفعل حتّی یری الاجتماع الله حاضراً و ناظراً، علینا أن نسعی في أن نربّي الأطفال منذ طفولیّتهم على محبّة الله و أهل البيت (عليهم السلام) و نصلح مدرستنا الابتدائيّة و الثانويّة و الجامعيّة و نربّي و نهذّب طلّاب الحوزات العلمیّة على الأخلاق والأدب.

تقدّم الوقایة علی المجازاة

قد بیّن الله (تعالى) الوقایة قبل بیان العقوبات. الزنا يعاقب؛ لكن الوقایة منه هي ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾[22] ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾[23] . تجب تغطیة العیون، إذ ستصیر سبباً للمعصیة و الزنا. الوقایة من الجرم هي تغطیة العیون من النظر. الذين أتبعوا خطیئة الزنا شرع من النظرة و العين. عندما تنظر، ليس من المعلوم أنّه یمكنك حفظ نفسك بعد النظر. المرأة التي زیّنت نفسها و تمشي في الشارع، لیس من المعلوم أنّ الشابّ العزب یقدر علی حفظ نفسه.

هذا الشابّ یجب علیه ابتداءاً أن یحفظ عینه. إذا كان الله قد وضع حداً للزنا، یلزم قبله أن یمنع منه. لا یحرم النظر علی الرجل فحسب، بل يجب على المرأة أيضاً ألّا تنظر و ألّا تخضع صوتها ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾[24] هذه لأجل الوقایة من الجرم. الاجتماع یکون إسلامیّاً فيما إذا لا یحقّق فیه جرم و طریق صیرورته إسلامیّاً هي الوقایة من تمهید المعصیة و الجرم. إذا قام الرجل و المرأة بحفظ أنفسهما فإمّا لا یحقّق جرم و إمّا يقلّ وقوعها؛ في هذه الصورة تتنزّل البركات السماويّة و الأرضيّة على الاجتماع و تشیر آيات كثيرة إلى الوقایة من الجرم سنذکرها إن شاء الله (تعالی).


[1] أي: ادامه.
[4] أي: عزّت نفس.
[5] أي: خوانده ای.
[6] أي: با چشم خودم.
[7] أي: صد در صد.
[8] أي: آرام آرام.
[9] أي: آرام می‌شود.
[10] أي: راحت.
[12] أي: پشتوانه.
[14] أي: خسته نمی‌شود.
[15] أي: آماده اید.
[17] أي: محبّت کرد.
[19] أي: سعی کردم.
[21] أي: زمینه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo