< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

43/03/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الوقایة من الجرم/ المقدّمة/ آثار الجرم

خلاصة الجلسة السابقة: کان البحث في علم الفقه حول الوقایة من الجرم. بمناسبة هذا البحث، جعلت الآثار الاجتماعیّة للجرم في الاجتماع موردةً للالتفات. ما هي آثار الجرم و المعصیة علی الاجتماع؟ بیّنّا فیها هذه الآیة الکریمة: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يكْسِبُونَ﴾.[1] إن کان الاجتماع لدیه إیمان و تقوی، تتنزّل علیه برکات من السماء و الأرض. هذه البرکات لاجتماع یکون لدیه الإیمان و التقوی معاً. إن کان هذان موجودین «لَفَتَحْنَا»، جاءت مع لام التأکید؛ أي تتنزّل برکات قطعاً.

الآیة الأخری التي بیّنّاها هي: ﴿وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُمْ مِدْرَاراً وَيزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾[2] . إذا لم تستطیعوا بأيّ سبب من الأسباب أن تجروا الإیمان و التقوی في الاجتماع فالطریق مفتوح مرّةً أخری و إن أردتم یمکن لکم أن تجلبوا البرکات علی أنفسکم، هذه تمکن فيما إذا استغفرتم؛ إستغفروا الله بأن تقولوا: یا الله! لقد أخطأنا و ارتکبنا الجرم. بعد الاستغفار حان وقت التوبة. یجب أن یتعهّد بأنّي لن أعید هذا الذنب. الاستغفار یکون بالنسبة إلی المعاصي الماضیة و التوبة تکون بالنسبة إلی المعاصي الماضیة و أیضاً بالنسبة إلی المعاصي المستقبلة. إذا عزم الاجتماع من الیوم علی أن یفعل هذا فالله یقول: ﴿يرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُمْ مِدْرَاراً﴾.

المدرار صیغة مبالغة و یکون بمعنی النعمة الکثیرة

کلتا الآیتین اللتین قرأناهما، أستخدمت فیهما صیغة الجمع؛ لذا فالأمر لیس کما لو أنّ شخصاً فعل هذا العمل، لتنزّلت النعمة الإلهیّة، بل یجب علی الکلّ أو أکثر الاجتماع أن ینهضوا بهذا العمل.

النکتة الأخری هي أن یجب علی الاجتماع بأن یفعل هذا، یقول بعض السیاسیّین أحیاناً إنّه لیس من واجبنا حمل الناس إلی الجنّة. ما هي وظیفة الدولة و الحکومة الإسلامیّة؟ هذه الآیة تعیّن وظیفتنا بأنّنا یجب علینا أن نمهّد معدّ[3] الجنّة و طریقها. إذا لم تکن لنا علاقة بالآخرة و نرید اقتصاداً سلیماً فلا یزال طریقه: الإیمان و التقوی و الاستغفار و التوبة؛ لا من شخص واحد، بل من أکثر الاجتماع و إذا کان الأمر کذلك فستصیر «يرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُمْ مِدْرَاراً و لَفَتَحْنَا عَلَيهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» محقّقةً.

النکتة الأخری هي أنّ في الأساس، الأعمال و العقاید و ثقافة الاجتماع تکون مؤثّرةً، یمکن أن یقال: «لدینا الکثیر من المشاکل و لسنا بحاجة إلی إنفاق الأموال علی الثقافة» لکن یجب أن یلتفت أنّ العنایة بالثقافة، لها تأثیر مباشر علی الاقتصاد. إذا صلحت ثقافة ولدك و زوجتك و الاجتماع و لدیهم ثقافة إسلامیّة، تحسّن اقتصاد الأسرة و المملکة. یجب علی الحکومة أن تهتمّ بالثقافة و لا تزعم أنّ الثقافة منفصلة عن الاقتصاد، بل توجب الثقافة أن یصیر اقتصاد الناس سلیماً أیضاً. إذا صارت الثقافة الغربیّة في الاجتماع حاکمةً، فسیدمّر الاقتصاد أیضاً. لکن اذا جاءت الثقافة الإسلامیّة ف ﴿يرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُمْ مِدْرَاراً﴾. لذا، يجب على الدولة والحكومة الإسلاميّة الالتفات إلى ثقافة الناس و بإصلاحها یصلح اقتصاد الناس.

النکتة الأخری هي أنّ من آثار الإیمان و التقوی و الاستغفار و التوبة أن تصبحوا أغنیاء. لا یقول الإسلام إنّ الوضع الماليّ یجب أن یکون سیّئاً و یجب أن یکون الجمیع فقراء، بل علی الکلّ جمیعاً أن یعیشوا في الدنیا حیاةً رائعةً[4] ، فالثروة ذات قيمة إذا اقترنت بالاستغفار و الإيمان و التوبة. إبتغوا الثروة؛ لکنّ الثروة التي تکون مع العدل و التقوی، لا منفصلةً عنهما. الثروة المنفصلة عن التقوی یسبّب الانحراف و لکن إذا کان بحانب الإیمان و التقوی، فهي أفضل نعم الله- تعالی. نحن لسنا ضدّ تحسین الوضع الاقتصادي، بل الله یحبّه أیضاً و یساعده. یجب أن نضع الإیمان و التقوی و العمل الصالح و الاستغفار و التوبة في صدر[5] أعمالنا و نتحصّل العائد الحلال[6] و نصیر أغنیاء و الإنفاق في مصلحة الإسلام مرضيّ عند الله- تعالی.

یقول الله- تعالی: ﴿وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُمْ مِدْرَاراً وَيزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾[7] . ما معنی هذا الجزء من الآیة الشریفة؟ ﴿وَيزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ أي إذا جمعتم بين قوّة الإيمان و قوّة المال، فسیحصل النصر لکم. إذا كان لديكم إيمان و تقوى ثمّ جاءت الثروة بعدهما، فستصبحون إنساناً و حكومةً قويّةً و لا تظنّوا أنّ الاقتصاد ليس مهمّاً في المملکة، بل إذا كنتم تحبّون الله و النبيّ و الإسلام، فيجب تصحيح اقتصاد المجتمع أيضاً. إذا صحّ الاقتصاد، يمكنكم أن تكونوا أسوةً للمجتمعات الإسلاميّة و لكن إذا كانت دائماً الذلّ و الحرمان والفقر و البؤس[8] لا یتحقّق مفهوم الآیة الشریفة ﴿وَيزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ و لا یمکنکم أن تکونوا مؤثّرین.

یمکن أن احتفظتم بأنفسکم في زاویة و ضاحیة مع القناعة؛ لكن لا يمكنكم التأثير في الاجتماع. ﴿وَيزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ يقول الله- تعالى: إذا كنتم تريدون أن تكونوا أقویاء في الاجتماع، فيجب أن يكون لديكم هؤلاء معاً. الإيمان الفرديّ فقط هو عديم الفائدة، يجب أن تجعل الاجتماع متّقیاً،

يجب علیکم تثقیف[9] الاجتماع و أن تقتادوه[10] إلى الاستغفار و التوبة حتّى یحصل ﴿يرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُمْ مِدْرَاراً﴾ و ﴿لَفَتَحْنَا عَلَيهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ و هذا یوجب أنّ لدينا حكومةً إسلاميّةً قويّةً، هذا هو الطريق. من الخطأ أن تقولوا إنّ الثروة عدیمة الفائدة؛ بل إنتاج[11] الثروة بالنسبة إلی المؤمن و المجتمع الإسلاميّ فهو أمر ممتاز و ضروري، يجب أن يكون المؤمن غنيّاً حتّى يتمكّن من القيام بعمله بقوّة. ﴿ وَزِدْكْمْ قُوَّةً لِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾.

النکتة التي يمكن فهمها من هذه الآية الشریفة هي أنّ القوّة الاقتصاديّة هي معدّة للقوى؛ بمعنى ﴿وَيزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ تجعلك أنت و المجتمع الإسلاميّ قويّين و مؤثّرين؛ للقوّة الاقتصاديّة تأثير کثیر على الاجتماع و يمكن أن تجعل الاجتماع أسوةً لجميع الاجتماعات البشريّة و من المهمّ جدّاً أن یلتفت في القرآن إلی القوّة الاقتصاديّة. يجب أن تكون الثروة مع التقوى و الإيمان و الاستغفار و التوبة؛ الثروة توجب قوّة المسلمين و المجتمع الإسلاميّ و تأثیرهم في المجتمعات الأخرى، ﴿وَيزِدْكُمْ قُوَّةً إلَى قُوَّتِكُمْ﴾.

یمکن أن يروّج بعض الناس في الاجتماع أنّه ليس من المفيد للناس الاستعراض[12] للمباحث الاقتصاديّة و يكفي أن یعبد الناس و یصلّون! هذا الکلام ليس بصحیح و يجب أن نتبع[13] القوّة في الاقتصاد. إحدى النکات التي یجب الالتفات إلیها هي أنّه في طریق الوصول إلی الأهداف، ليجب الدخول من طریق التشویق؛ مثلاً: حجاب النساء الآن مشكلة في الاجتماع تجب معالجتها. من سبل الوصول إلی التقوى التي یریها القرآن الکریم، هو التشویق إلی الأمور الماليّة. في بعض الأحيان يكون التشویق إلی الأمور الأخرویّة (مثل) الجنّة و لكن یوجد في هذه الآية التشویق إلی الأمور الدنيويّة. إذا کان لدیك الحجاب، فسنمنحك الثروة في الدنیا. المجتمع الإسلاميّ إذا كان يريد الثروة ﴿بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ لتسترن.

يمكن تشویق الناس إلی الابتعاد عن الخطيئة و الجرم من خلال الجزاء الذي یُمنح[14] في هذه الدنیا. هذا درس حیث أنّ الله يشوّق الناس على الابتعاد عن الجرم و الخطيئة مع بیان البرکات الدنيويّة؛ لذا مهما تريدون القيام به في الاجتماع فاجعلوا له تشویقاً؛ مثلاً: تشتغل النساء في مهن[15] مختلفة في الاجتماع ثمّ أنتم تشوّقون النساء اللواتي لدیهنّ حجاب متفوّق[16] بدلاً من استخدام القوّة[17] ؛ مثلاً: ادفعوا أجور النساء اللاتي لدیهنّ حجاب کامل أکثر من أجور غیرهن. إذا قلنا إنّنا نعاقب من لا یکون لدیه الحجاب، فله جانب سلبي[18] ؛ امنح الفتيات في منزلك مكافأةً شهريّةً إذا ارتدين[19] الحجاب الكامل. فالتشویق يجعل الناس يتعوّدون[20] و يصلح الاجتماع و في هذه الصورة تجري ﴿بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ و تحصل ﴿لَفَتَحْنَا عَلَيهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾.

رأينا أنّ أحد طرق الوقایة من الجرم هو أنّه علی المديرين في المنظّمة[21] و الإدارة أن یشوّقوا الأشخاص الذين يفعلون الأعمال بشكل صحيح (مثلاً) يحضرون في الوقت المعیّن و لا یذهبون عاجلاً و لديهم الضمير في عمل[22] و لا يكذبون و لا یتّهمون و لا ينشرون الشائعات في بیئة[23] العمل و عموماً لا يرتكبون الإثم و الجرم و یعملون الصالحات. إذا عُمل هکذا و همّت الحكومة و الأب و الأمّ و رئيس كلّ إدارة و کلّ مدير على إصلاح مجموعتهم و مرؤوسيهم[24] و أنمی هؤلاء ثقافة المجتمع و مرؤوسيهم؛ نتيجتها هي أنّ البركات الإلهيّة ستتنزّل على هذه الأرض. من المهمّ أن يعلّمنا القرآن طريق التشویق.

النکتة الأخیرة هي أنّ كلّ هذا بنحو المقتضي لا العلّة التامّة؛ العلّة التامّة هي أنّه عند ما تكون العلّة موجودةً، یتحقّق المعلول حتماً؛ لكنّ المقتضي هو أنّ التمهید یوجد لکن یمکن أن ینتهي إلی نتیجة أم لا؛ مثلاً: اللَقاحات[25] التي يقال إنّها توجب حصانةً[26] تسعین بالمئة (90٪)؛ لكن قد یمکن أن يموت شخص‌مّا و یدخل تحت العشرة بالمائة (10٪). اللَقاح یمهّد للسلامة؛ لكن لا یکون سبباً تامّاً. فهنا أيضاً إذا كان لديك إيمان و تقوى و الاستغفار و التوبة، فسیمهّد للبركات الإلهيّة و إذا انتشرت هذه الأمور في الاجتماع و شاعت، یشملك ﴿يرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُمْ مِدْرَاراً﴾ و ﴿بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾.

 


[3] أي: زمینه.
[4] أي: عالی.
[5] أي: سرلوحه.
[6] أي: درآمد حلال.
[8] أي: تهیدستی.
[9] أي: سامان دادن و ساختن.
[10] أي: سوق دهید آن را.
[11] أي: تولید.
[12] أي: پرداختن.
[13] أي: دنبال کنیم.
[14] أي: داده می‌شود.
[15] أي: شغل‌ها.
[16] أي: حجاب برتر.
[17] أي: توسّل به زور.
[18] أي: جنبه منفی.
[19] أي: بپوشند.
[20] أي: عادت می‌کنند.
[21] أي: سازمان.
[22] أي: وجدان کاری.
[23] أي: محیط.
[24] أي: زیردستان‌شان.
[25] أي: واکسن‌ها (مایعات ضدّ بیماری‌ها).
[26] إي: ایمنی.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo