< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

43/03/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الوقایة من الجرم/ المقدّمة/ آثار الجرم

دراسة اجتماعیّة لآثار الجرم

من الموضوعات التي یلزم الالتفات إلیها في الفقه هي دراسة آثار الجرم من منظر اجتماعیّة. لا بدّ لوضوح الآثار الاجتماعیّة للجرم من أن نذکر مثالاً: الذین یسافرون علی السفینة إن ثقّب[1] أحد منهم السفینة، یجر الماء في السفینة و تغرق السفینة؛ فیغرق کلّ من فيها. الجرم و المعصیة في الاجتماع مثل ثقب السفینة؛ لا سیّما الجرم العلنيّ الذي یراه الناس. هذه الجرائم تفسد الاجتماع و ستکون لها آثار. آثار الجرم لا تختصّ بمرتکبي الجرائم بل الآثار السیّئة للجرم وجدت أیضاً بالنسبة إلی الذین لم یرتکبوا جرماً.

یقول الله (تبارك و تعالی) في القرآن الکریم: ﴿واتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾[2] إتّقوا من الفتن و ابتلاء الله و الجرائم و المعاصي؛ إذ ﴿لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾، لا تختصّ الفتنة بالذین ارتکبوا الظلم. ارتکب أحد ظلماً، لکن دائرته و الآثار السیّئة له تکون لجمیع الناس؛ بسب آثار هذا الجرم یصیر کلّ الاجتماع ذا مشکل و مصیبة. یقول الله (تعالی): ﴿واتَّقوا﴾ أي تحرّزوا[3] (توقّوا).

قد یقع الجرم في الخفاء و الآخرون لا یعلمونه و قد یقع جرم- مثل الظلم- في الاجتماع. إن ظلم أحد تکون آثاره علی الاجتماع و ینتشر الظلم و یصیر مصداق ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيدِي النَّاسِ﴾[4] ؛ فعلیه وجب علی کلّ فرد فرد من الناس أن یسدّ أمام الجرم و المعصیة حتّی لا یتوجّه إلیهم الضرر علی الأقل؛ إذ کلّ إنسان یحبّ نفسه و یرید أن یحفظ من آثار المعصیة و الجرم. إذا نزل العذاب فکلّ الاجتماع یواجه المشکل، و سیحلّ العذاب[5] بالکل. فعلیکم أن تسعوا و تقدموا لئلّا یرتکب أحد جرماً حتّی لا یتوجّه الضرر إلیکم من ناحیة الغیر.

وجب علی الکلّ أن یشعروا بالمسؤولیّة[6] و یسدّوا أمام الجرم؛ یقول الله (تعالی) في القرآن ﴿واتّقوا﴾ بصیغة الجمع أي یجب علی الکلّ أن ینهضوا بالوقایة. الوقایة من الجرم و المعصیة حرکة جمعیّة و عامّة و حکومیّة. إذا جاءت آثار الجرم لا یقول أنّك رجل صالح و الآخر رجل طالح، بل یشمل جمیع الأفراد. هذه إحدی الآیات التي بیّن توضیحها.

الآیة الأخری: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيدِي النَّاسِ لِيذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يرْجِعُونَ﴾[7] کلّ معصیة و فساد و جرم ظهر في البرّ و البحر، کان بأیدي الناس و هم تسبّبوا بها[8] . لیس هکذا أن یأتي الفساد من عند الله (تعالی) لا یرید الله الرحمن الرحیم الفساد، بل کنتم توجدون بأیدیکم الفساد و حللتموها بالآخرین[9] . ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيدِي النَّاسِ.﴾

الذین فسدوا، هم العامل الرئیسيّ للفساد و هم الناظرون إلی الفساد و سکتوا و لم یکونوا یسدّوا أمام الفساد و کانوا یرضون بعمل المفسدین، کلّهم مقصّرون أجمعون.

إن کانت للاجتماع ثقافة بأن لو شاء أحد أن یرتکب معصیةً أو فساداً یحتکّوا[10] به فوراً و لیعترض کلّ الناس علیه و لیقولوا لم فعلت هذا الجرم و المعصیة و الخیانة؟ تصیر نتیجته أن لا یتحقّق جرم. إن وجد الجرم و آثاره في الاجتماع فاعلموا أنّ الناس کلّهم فیه شرکاء؛ سواء کانوا ممّن ارتکبوا الجرم أو من مرّوا بالجرم و الجنایة و لم یبارزوا معهما. المبارزة مع الجرم لم تکن وظیفة فرد واحد، بل یجب إقدام الکل؛ إذ آثار الجرم تکون للکلّ و الکلّ یتضرّرون. کما یقول الله (تعالی): ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيدِي النَّاسِ﴾. قد أوجدوا هذه المصائب بأیدیهم؛ مثل: المصائب التي توجد للجوامع الإسلامیّة التي هي نتائج أعمالهم؛ إذ تحقّقت الجنایة و الظلم خارجاً و لم یبارز معهما أحد، فبالاستناد بهذه الآیة لا تعود آثار الجرم إلی الظالم فقط، بل تعود إلی جمیع أفراد الاجتماع.

تتمّة الآیة الشریفة ﴿لِيذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ تدلّ علی أن انظروا في الدنیا إلی مقدار من آثار المعصیة و الجرم التي کنتم ترتکبونهما. لیست کلّ آثار المعصیة للآخرة، بل مقدار منها في الدنیا. السبب في عود مقدار من آثار الجرم و الجنایة إلی الإنسان، هو أن ﴿لَعَلَّهُمْ يرْجِعُونَ﴾ لعلّه یندم و یرجع و یتوب و أن نعلم أنّ سبب جمیع الحوادث السیّئة التي تقع في الاجتماع، هو أنّنا أوجدنا علّتها و معلولها.

الانفتاح الدنیويّ و المعنوي

بیّن الله (تعالی) الانفتاح الدنیويّ و المعنوي. الذين یعملون عملاً صالحاً تشملهم البرکات.﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يكْسِبُونَ﴾[11] إن یؤمن الذین في الأمصار و الذین یعیشون في الجوامع المختلفة و یتّق- بمعنی الوقایة من الجرم عملاً، لا قولاً فقط- و یعمل صالحاً، تفتح علیهم برکات مستمرّة من السماء و الأرض التي تنشأ من أعمالهم الصالحة.

کما تدلّ الآیة الشریفة علی أنّ الإیمان لا یجلب وحده هذه البرکات، بل یلزم أنّ الایمان مقرون بالتقوی و العمل الصالح. معنی التقوی الممانعة من الجرم. التقوی أي لا نأذن أن یتحقّق الجرم. معنی التقوی العمل، لا أن تکلّم به و یقول أنا مؤمن. التقوی أي لا تعص أنت نفسك و لا تأذن في أن یعصي الناس.

البرکة، أي شيء له دوام و لا یکون سریع الزوال.

لا یکفي إیمان شخص واحد و تقواه- بمعنی الوقایة من الجرم لنفسك و لغیرك- في نزول البرکات السماویّة و الأرضیّة، بل یلزم أن یکون أکثر الناس هکذا و یجب أن یکون هدف نظام الجمهوریّة الإسلامیّة الوقایة من الجرم.

مسألة: لماذا تکون الممالك الغربیّة في الهدوء[12] و الراحة و هم لا يعملون عمل الصالح؟ لکنّ المسلمین یعیشون في الحرب و الشدّة، سنقول جوابها- إن شاء الله تعالی- غداً.

و الحمد لله ربّ العالمین


[1] أي: سوراخ کند.
[2] سوره انفال، آيه ۲۵.
[3] أي: پیشگیری کنید.
[4] سوره روم، آيه ۴۱.
[5] أي: عذاب دامنگیر شد.
[6] أي: احساس وظیفه کنند.
[7] سوره روم، آيه ۴۱.
[8] أي: باعث آن شدند.
[9] أي: دامنگیر دیگران کرده اید.
[10] أي: برخورد کنند.
[11] سوره اعراف، آيه 96.
[12] أي: آرامش.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo