< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

43/02/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الوقایة من الجرم/ المقدّمة/ المقدّمة

خلاصة الجلسة السابقة:

بحثنا في علم الفقه حول الوقایة من الجرم و قد بیّنت مطالب؛ حیث أنّ الفرص قلیلة و المحقّقون في طریق الاجتهاد، علیهم أن یتمکّنوا من التحقیق حول المباحث الأخری- المشابهة لهذا البحث- في فقه المعاصر و المسائل المبتلی بها. نبیّن هذا البحث علی نحو یتبیّن به أسلوب التحقیق و الأقوال و الأدلّة حتّی یتمکّن المحقّقون من أن یستمرّوا علی طریقهم العلميّ و التحقیقي.

التحقیق في الکلمات و اللغات

من النکات المهمّة التي تجب مراعاتها في الاستنباط و في کلّ تحقیق، لزوم التحقیق حول الموضوع المبحوث عنه و لغاته و الالفاظ المشابهة بتلك اللغات. لزم علی المحقّق الذي أراد التحقیق في أيّ مبحث من المباحث أن یبیّن معنی ألفاظ هذا الموضوع و اللغات المشابهة لها بنحو کامل من حیث اللغة و الاصطلاح و یحقّق حول هذه الألفاظ؛ إذ أنتم إذا حقّقتم في الآیات و الروایات و کلمات الفقهاء و تفحّصتم بالاستعانة من وسائل مثل الحاسوب[1] ، قد یوجد ذلك اللفظ نفسه أو یوجد مشابهه؛ فعلی هذا إن أردتم التحقیق في الآیات و الروایات و کلمات الفقهاء و خصوصاً في اللغة و في مواضع أخری التي یوجد فیها بناء العقلاء- مثل: المجامع العمومیّة- یلزم علیکم أن تفحّصوا بالاستعانة بهذه الألفاظ في الفضاء المجازيّ و أن تجمّعوا اطّلاعات التحقیق؛ مثلاً: تجمّعون الآیات و الروایات الراجعة إلی هذه الکلمة؛ من هنا أوّل الأعمال التي نقدّمها في مبحث الوقایة من الجرم، تعریف لغات هذا البحث و البحث الآتي راجع إلی الکلّیّات، لکنّ الآن نمارس[2] بالتعاریف.

الخطوة الأولی: تعریف «الوقایة» و «الجرم»

هنا لفظان مهمّان في هذا الموضوع:

«الوقایة» و «الجرم»؛ بناءً علی هذا ندرس[3] معناهما في اللغة و الاصطلاح.

الخطوة الثانیة: تحقیق الألفاظ المشابهة ل «الوقایة» و «الجرم»:

معنی الوقایة:

لینظر ما معنی الوقایة في اللغة و الاصطلاح؟ معناها في اللغة هو المنع و الدفع؛ من أراد الدخول في بیت و أنتم تمنعونه، یطلق علی عملکم «الدفع»، و إن دخل بیتاً و أردتم إخراجه، فهذا هو «الرفع». معنی الدفع، الممانعة من حصول ذلك الاتّفاق.

مسألة: هل تکون وظیفتنا في الإسلام الدفع أو الرفع؟ هل علینا أن نرفع الجرم الواقع في الخارج و نبارز معه أو أن نمنع من تحقّق القتل قبل وقوعه؟.

هل یلزم تحقّق ظلم ابتداءاً، ثمّ اللازم علینا أن نبارز معه أو أن نمنع من تحقّق الظلم قبل وقوعه و نبارز مع الظلم و الفساد خطوةً قبل وقوعهما؟ هل الأمر هکذا بأن نجیز تحقّق الفحشاء و الفساد في الخارج، ثمّ نبارز معه أم لا؟ ما هو أمر الإسلام؟

إنّه لا منافاة في أن تکون وظیفتنا العمل بکلیهما (الدفع و الرفع)؛ أي علینا أن نبارز مع الظلم و الفساد إذا وقعا في الخارج و علینا أیضاً أن لا نجیز تحقّق الظلم و الفساد في الخارج.

الاستدلال لتبیین جواب المسألة «هل الوظیفة الرفع أو الدفع فیما یتعلّق بالجرم؟»:

    1. الاستدلال بالتقوی:

إنّ کلمة «التقوی» المأخوذة من «وقی» کثیراً ما تستعمل في القرآن و الروایات بأنّه وجب علی المؤمن أن یتّقي. معنی التقوی هو الاجتناب من الإثم و الجرم؛ أي لا یأذن في أن یتحقّق الإثم و الجرم في الخارج، لا أن یتوب بعد وقوع المعصیة. بحث التوبة و الحدود و الدیات، یرتبط بعض الارتباط بأن وقع جرم و أراد أن یتوب و یجبره؛ لکن معنی التقوی هو أن لا تجیزوا وقوع الجرم قبل تحقّقه في الخارج. «أیّها الناس اتّقوا الله» معناها هو أن لا تأذنوا في تحقّق الجرم و المعصیة؛ توقّوا و لا تأذنوا في أن تتلوّثوا أنتم و أسرتکم و اجتماعکم بإثم و جرم. إنّ الآیات و الروایات المبیّنة في موضوع التقوی، کلّها تدلّ علی الوقایة من المعصیة و الجرم.

    2. عفّة النفس

قد وقع البحث في الروایات حول «عفّة النفس». معناها أن یقي الإنسان نفسه تجاه المعصیة و الجرم و أن یکون عفیفاً. کلّ ذلك یدلّ علی أنّ علینا أن نحفظ أنفسنا في مقابل المعصیة و الجرم و لا نأذن في تحقّق المعصیة.

قبل بیان کلام المرحوم النائینيّ نذکر مقدّمةً: إذا بني أن یتحقّق شیء في الخارج، یلزم أن تکون له علّة تامّة و العلّة التامّة یترکّب من «المقتضي موجود» و «المانع مفقود».

یقول المحقّق النائینيّ (رحمهالله) في معنی الرفع و الدفع: الرفع عبارة عن أنّ المقتضي موجود و المانع مفقود أیضاً و الوجود قد تحقّق أیضاً و بعده یأتي الرفع و یعدمه. فالرفع بعد ثلاثة أشیاء:

    1. المقتضي موجود.

    2. المانع مفقود.

    3. تحقّق الوجود؛ یعني الفساد.

ثم أنتم تأتون، ترفعونه و تزیلونه، نقول فيه في الاصطلاح إنّه هو الرف

أمّا الدفع هکذا: المقتضي موجود بعدُ؛ لکنّه لم یبلغ مرحلة العلّة التامّة. و اذا وجد المقتضي، إن أردتم الدفع أوجدتم مانعاً؛ مثلاً: تقولون المقتضي موجود و هذا الشابّ ذو شهوة و یتبع الفساد و لم یتورّط فیه بعدُ؛ أنتم توجدون له مانعاً حتّی لم یقع الفساد خارجاً.

المثال الآخر: یرید الناس أن یحتالوا[4] و المقتضي له موجود؛ حیث إنّهم محتاجون، یریدون أن یفسدوا في الاقتصاد؛ لکن لم یوجد الفساد الاقتصاديّ بعد؛ حینئذٍ یلزم أن ینهدم تمهید ذلك الفساد و لا یؤذن في تحقّق الفساد الاقتصادي؛ لا یجوز أن لا یعتنی بالمحتال حتّی تصرّف في أموال الناس و بیت المال بغیر حقّ و هرب إلی البلد الخارجي، ثم تفکّرنا في المبارزة معه و أردنا الاستعانة من رجال الشرطة العالمیّة حتّی استأسره و نعیده إلی المملکة و لیس معلوماً توفیقنا فیه و عدمه. هذا معنی الرفع؛ لکنّا إن لم نأذن في أن یوجد تمهید الفساد الاقتصاديّ و الثقافيّ و المفاسد و الانحرافات السیاسیّة في الاجتماع فیتوسّع و إن نزل تمهید الفساد و لم نأذن في تحقّق الفساد؛ فهذا معنی الدفع الذي وظیفة کلّ مسلم و حاکم في الاجتماع الإسلاميّ من أن یلتفت إلي هذا المعنی أکثر الالتفات و سدّ أمام تحقّق أيّ فساد في الأبعاد السیاسیّة و الثقافیّة و الاقتصادیّة و الاجتماعیّة و الخسائر الاجتماعیّة. في کلّ هذه الأبعاد یجب أن یزال تمهید الفساد؛ لا بعد أن یتحقّق الفساد في بعد السیاسيّ أو الثقافيّ أو الاقتصاديّ أو الفساد الاجتماعيّ أو الخسائر الاجتماعیّة، فکّر في المبارزة معها. فعلیه کانت وظیفتنا الوقایة من الجرم بمعنی الدفع و علی رأینا أنّ الوقایة صحیحة بمعنی الدفع.

تحقیق معاني الوقایة بمعنی الدفع:

للوقایة بمعنی الدفع معنیان: معنیً موسّع و معنیً مضیّق.

المعنی الموسّع للوقایة بمعنی الدفع:

المعنی الموسّع للوقایة بمعنی الدفع هو أنّنا أعملنا تدابیر منعت من ارتکاب کلّ جرم، سواء کان الجرم کیفریّاً أو غیر کیفري، نسمّي هذا الدفع، الدفع الموسّع. جمیع المحابس و جمیع القضاة و جمیع الحدود و الدیات و القصاص و القوانین القضائیّة تکون دفعاً علی معنی واحد؛ أي إذا وقع القصاص یوجب أنّ الأفراد لم یرتکبوا القتل مجدّداً و لم یفکّر السائرون في القتل و الآیة الشریفة تشیر إلی هذه النکتة. ﴿وَ لَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾[5] . القصاص بالنسبة إلی الماضي رفع، لکن بالنسبة إلی المستقبل دفع. هذا دفع بالمعنی الموسّع.

جمیع الدیات و القصاصات و العقوبات لها حیثیّة الدافعیّة أیضاً؛ إذ تفهّم الأفراد إن ارتکبوا جرماً، لزم أن یجازوا بمثل فلان؛ فمعنی الدفع الموسّع، هو أن نقوم بالوقایة من تحقّق الفساد و الجرم لا یتفاوت فيه کونه کیفریّاً أو حقوقیّاً. الوقایة و مصداق الدفع یکونان بالنسبة إلی المستقبل و جمیع العقوبات تنبّه الناس بأنّهم إن لم یراعوا و ارتکبو الجرم، تنتظرهم عقوبات المحبس أو القصاص أو عقوبات الحدّ و غیرها مثل الفلاني.

المعنی المضیّق للوقایة بمعنی الدفع

الوقایة بمعناها المضیّق أي تدابیر غیر کیفریّة، أي عقوبات لیست کالمحبس و القصاص و الدیة. یمکن أن یقع في خاطر أفراد إیجاد فساد؛ لکنّکم توجدون لهم مانعاً و لا تأذنون في أن یبتلوا بالفساد؛ للفساد مراتب، قد یکون جزئیّاً و یزداد شیئاً فشیئاً. من أجل ذلك یکون من البرامج الجیّدة للقوة القضائیّة أن تذکّر الذین في معرض الفساد قبل وقوع الجرم بأنّ عملکم هذا ینتهي إلی الفساد و لا ترتکبوا هذا الفعل. من إقتراحاتنا[6] إلی محکمة الروحانیّین أن تذکّر الطلّاب الذین في معرض الفساد إبتداءاً، لا أنّهم انتظروا و نظروا و إذا وقع الفساد أتوا إلیه و جازوه. محکمة الروحانیّین لزم أن یکون لها جناحا العلم و التقوی (الوقایة من الجرم).

أقسام الوقایة

الوقایة علی قسمین باعتبار:

    1. الوقایة العمومیّة:

الوقایة العمومیّة هي أن نفعل فعلاً یسدّ أمام أکثر المآثم و الجرائم و لیست مختصّةً بمعصیة دون معصیّة و جرم دون جرم؛ مثلاً یکون بعض المفاسد بدلیل الفقر؛ إذا وجد الفقر في الاجتماع ازداد الفحشاء؛ إنّ کثیراً من الأفراد قد کانوا عفیفاً؛ لکنّهم جرّوا إلی الفحشاء بسبب الفقر، أو الفقر یوجب سرقات عظیمةً؛ إن تکن الرفاهیّة الاجتماعیّة و الاقتصاد السالم موجودین في الاجتماع علی نحو یکون الکلّ حائزین للحدّ الأدنی من المعیشة و واجدین لحیاة حسن السمعة[7] ، یقلّ الفساد في الاجتماع.

    2. الوقایة الخصوصیّة:

الوقایة الخصوصیّة، مثل أن أوصي بأنّکم إن سافرتم، فاجعلوا علی الأبواب ثلاثة أقفال و انصبوا المنظار[8] أو إذا اشتریتم السیّارة فانصبوا لها ضدّ السرقة حتّی یمنع من السرقة. هذه وقایة لکنّه وقایة من السرقة و له حیثیّة خاصّة و لیست لجمیع الجرائم.

الوقایة باعتبار آخر تکون علی قسمین:

    1. الوقایة الانفعالیّة و الدفاعیّة:

في الوقایة الانفعالیّة و الدفاعیّة، نمهّد الوسائل الدفاعیّة؛ مثلاً: إن أراد العدوّ أن یهجم، ندمّره بالصاروخات[9] . هذه الصاروخات للوقایة، لا أن نرید الهجوم، لا نهجم علی أحد و لکن إذا هجم علینا أحد نجیب منه. نهدّد حتّی باللسان؛ مثل: قائد الجمهوریّة الإسلامیّة المعظّم (حفظه‌الله‌تعالی) الذي هدّد العدوّ بأنّکم إن تعرّضتم أقلّ التعرّض نجبکم عشرة أضعاف أو ندمّر الحیفا. هذه التهدیدات للوقایة حتّی لا یجسر العدوّ علی أن یفسد و لا یتجاوز علینا و قبل تحقّق الجرم نجهّز أنفسنا. هذا الوجه من الوقایة الانفعالیّة یمکن إیجاده مع جمیع الجرائم الثقافیّة و السیاسیّة و الاقتصادیّة حتّی لم یتحقّق الجرم و توجد في هذا القسم التهدیدات و تهیئة الوسائل الدفاعیّة المحتاجة إلیها بحسب کلّ جرم.

    2. الوقایة الفعّالة:

الوقایة الفعّالة هو أن نقدم نحن أنفسنا للوقایة من الجرم بوجه لم ننتظر لهجومهم و إیجاد الفساد، بل نبید التمهید و لا نأذن في أن یقع الجرم في الخارج.


[1] أي: رایانه.
[2] أي: می‌پردازیم.
[3] أي: بررسی می‌کنیم.
[4] أي: کلاه‌برداری کنند.
[6] أي: پیشنهادها.
[7] أي: آبرومند.
[8] أي: دوربین.
[9] أي: موشک‌ها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo