< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/10/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التقیّة

تنبیهات[1]

التنبیه الأوّل: في تحمّل الضرر المالي

القول الأوّل: إستحباب تحمّل الضرر الماليّ الذي لا يجحف [2] [3]

أقول: هو الحق؛ لأنّ الضرر الماليّ له مراتب کثیرة، منها: ما یکون دفعه واجباً؛ فإنّ الضرر الکثیر الموجب للهلاك أو للعسر و الحرج الشدید أو ما یشابهمها واجب الدفع و لو بالکذب. و منها: ما یکون دفعه بالکذب حراماً؛ فإنّ الضرر الیسیر الذي لا یعدّ في العرف ضرراً لا یجوز الکذب لدفعه. و منها: ما یکون دفعه بالکذب جائزاً؛ مثل: ما یکون الضرر في أقلّ مراتب التي یعدّ في العرف ضرراً و لکن لا یکون الضرر الماليّ بحیث یوجب العسر و الحرج للشخص؛ فهذا الضرر یجوز دفعه بالکذب. و هذا القسم بعض مراتبه یرجّح تحمّل الضرر العرفيّ و الاجتناب عن الکذب و إن جاز الکذب لدفعه؛ فالواسطة بین وجوب الدفع و حرمته موجودة بعض مراتبه جائز و بعض مراتبه یرجّح تحمّل الضرر و الاجتناب عن الکذب و تشخیص الراجح عن الجائز بدلیل العقل و الرجوع إلی بناء العقلاء. و الروایات الواردة في الباب تحمل علی هذه الموارد التي تعدّ في العرف ضرراً، لکن لا یوجب العسر و الحرج، فیجوز الکذب لدفعه و لکن قد یرجّح الاجتناب عن الکذب و یختلف ذلك حسب اختلاف الأفراد؛ فإنّ الأفراد ذو شؤون مختلفة من حیث الإمکانات المادّيّة و الشغل. و یختلف ذلك حسب الأمکنة المختلفة. و المعیار عرف ذلك المکان. و هکذا من حیث الزمان الأزمنة المتعدّدة مختلفة.

قال الشیخ الأنصاريّ (رحمة الله): «يستحبّ تحمّل الضرر الماليّ الذي لا يجحف». [4]

دلیل القول الأوّل: الروایات

فمنها: قال عليّ (ع): «عَلَامَةُ الْإِيمَانِ‌ أَنْ تُؤْثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ‌ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ ...». [5]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [6] [7]

أقول: الروایة ضعیفة السند و لکن تؤیّد المدّعی بإطلاقها؛ فإنّ الضرر له مراتب، کما سبق بعض مراتبه یجب الکذب و بعض مراتبه یحرم الکذب و بعض مراتبه یرجّح الکذب و بعض مراتبه یرجّح الاجتناب عن الکذب. و تشخیص ذلك بید العرف المتعهّد المتدیّن. و هذا صادق في جمیع المحرّمات؛ فإنّ المحرّمات و الواجبات لو تزاحمت مع ما یوجب الضرر، فلا بدّ من مراعات أهمّیّة الواجب و الحرام، فقد یجوز و قد یحرم و قد یجب و قد یرجّح، فتأمّل.

الإشکال في القول و الاستدلال

إنّه لا دليل على ثبوت هذا الإستحباب؛ فإنّ الضرر الماليّ إن بلغ إلى مرتبة يعدّ في العرف ضرراً، جاز الكذب لدفعه و إلّا فهو حرام؛ لانصراف الأدلّة المجوّزة عن ذلك، فلا دليل على وجوب الواسطة بينهما لكي تكون مستحبّةً و أمّا قوله (ع) في نهج البلاغة فأجنبيّ عن الكذب الجائز الذي هو مورد كلامنا، بل هو راجع الى الكذب المحرّم و أن يتّخذه الإنسان وسيلةً لانتفاعه و من الواضح جدّاً أنّ ترك ذلك من علائم الإيمان.

و يؤيّد ما ذكرناه تقابل الصدق المضرّ مع الكذب النافع فيه؛ لأنّ الظاهر من الكذب النافع هو ما يكون وسيلةً لتحصيل المنافع و يكون المراد من الصدق المصرّح عدم النفع؛ لكثرة إطلاق الضرر عليه في العرف. [8]

أقول: إن کان المراد الاستحباب الشرعي، فله وجه. و إن کان المراد الرجحان العقليّ أو العقلائي، فلا وجه له؛ لأنّ الضرر الماليّ له مراتب- کما سبق- یحکم العقل في بعض مراتبه بالوجوب أو بالحرمة أو بالجواز أو بالرجحان بالفعل أو الترك. و ذلك موکول إلی وجدان الشخص المتدیّن المتعهّد. و هکذا للمحرّمات و الواجبات مراتب و منها الکذب لا بدّ من مراعاة الأهمّیّة في مصادیقها. و هذا یختلف بحسب الأفراد المختلفة في الأزمنة أو الأمکنة المختلفة و الشؤون المختلفة. و حمل الضرر في الروایة علی عدم النفع خلاف الظاهر.

و منها: عنه (ص): «... تَجَنَّبُوا الْكَذِبَ وَ إِنْ رَأَيْتُمْ فِيهِ النَّجَاةَ فَإِنَّ فِيهِ الْهَلَكَةَ ...». [9]

أقول: لعلّ المراد اجتناب الکذب في الموارد الجائزة و قد سبق أنّ الکذب إمّا واجب أو حرام أو جائز و الجائز إمّا متساوي الطرفین أو راجح الفعل أو راجح الترك. و المراد من الکذب في الروایة هو الموارد الجائزة ظاهراً الذي یری الشخص النجاة فیه و لکن عاقبة الأمر قد لا توجب النجاة، بل توجب الهلکة و الله- تعالی- عالم بعواقب الأمور. و لذا قال عليّ (ع): «النَّجَاةُ مَعَ الصِّدْقِ»[10] فلا تتخیّل أنّ النجاة في الکذب. و بناءً علی قبول التسامح في أدلّة السنن تثبت بهذه الروایة و أمثالها الاستحباب و لا أقلّ مطلق الرجحان علی ما هو المختار في التسامح من ثبوت مطلق الرجحان، دون الاستحباب الشرعي.

و منها: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[11] عَنْ أَبِیهِ [12] عَنِ النَّوْفَلِيِّ[13] عَنِ السَّكُونِيِّ[14] عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «مَنْ أَجَلَّ اللَّهَ أَنْ یحْلِفَ بِهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ خَیراً مِمَّا ذَهَبَ مِنْهُ». [15]

أقول: فیدلّ علی أنّ الإطاعة لله- تعالی- توجب إعطاء الله- تعالی- خیراً للمطیع ممّا ذهب منه بحسب الظاهر. و یجبر ما نقص منه في الظاهر في الدنیا و الآخرة، کما في قوله (ع): «النجاة مع الصدق».

القول الثاني: جواز الكذب لتخلّص مال نفسه أو غيره [16]

القول الثالث: الضرر الماليّ إن بلغ إلى مرتبة يعدّ في العرف ضرراً، جاز الكذب لدفعه [17]

قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «الضرر الماليّ إن بلغ إلى مرتبة يعدّ في العرف ضرراً، جاز الكذب لدفعه و إلّا فهو حرام». [18]

و قال (رحمة الله) في موضع آخر: «لو توقّف على الكذب حفظ مال يسير لا يضرّ ذهابه بالمالك؛ فإنّ العقل لا يحكم بجواز الكذب حینئذٍ». [19]

أقول: قوله (رحمة الله) جاز الکذب لدفعه و لم یجب الکذب و عدم الوجوب قد یجمع مع الرجحان و التساوي. و قد سبق منّا أنّ الضرر الماليّ له أقسام کثیرة مختلفة الأحکام و تجري فیه الأحکام الخمسة.

 


[1] لمسألة الکذب.
[9] . تنبیه الخواطر و نزهة النواظر، فارس، ورام، ج1، ص119(هذه الروایة مرفوعة و ضعیفة).
[11] عليّ بن إبراهیم بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة.
[12] إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[13] الحسین بن یزید: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[14] إسماعیل بن أبي زیاد: عامّيّ ثقة.
[15] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج7، ص434. (هذه الروایة مسندة، موثّقة علی الأقوی).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo