< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/10/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التقیّة

الجواب الثاني

قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «کلّها[1] مخدوشة من حيث السند و لا يمكن رفع اليد بسببها عن عمومات التقيّة و خصوص الأخبار المجوّزة للتبرّي، خصوصاً في هذا الحكم الذي يرجع إلى تجويز قتل النفوس، بل إيجابه، فالأقوى جواز التبرّي، بل وجوبه عند الدوران بينه و بين القتل؛ نعم قد يكون ذلك مستلزماً لتزلزل أركان المذهب و إضلال الشيعة، فلا يجوز». [2]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الجواب الثالث

قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «مقتضى القاعدة الجواز و ذلك: أوّلاً لصراحة الطائفة الأولی في الجواز؛ فيؤخذ بالصريح و يحمل ظهور الطائفة الثانية في الحرمة على الكراهة. و ثانياً: لأنّ المرجع المحكّم عند تعارض النصوص الكتاب و قد دلّ قوله: ﴿إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ﴾ [3] على الجواز و لا سيّما بلحاظ النصوص المفسّرة كما في صحيح محمّد بن مروان قال: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع): «مَا مُنِعَ مِيثَمٌ (رحمة الله) مِنَ التَّقِيَّةِ، فَوَ اللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ‌ أَنَّ‌ هَذِهِ‌ الْآيَةَ نَزَلَتْ‌ فِي‌ عَمَّارٍ وَ أَصْحَابِهِ: ﴿‌إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمان﴾[4] »[5]

هذا مضافاً إلى تكذيب ما ورد من النهي عن التبرّي في معتبرة مسعدة بن صدقة أو موثّقته قال: « مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ[6] قَالَ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع): إِنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ أَنَّ عَلِيّاً (ع) قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ سَتُدْعَوْنَ إِلَى سَبِّي، فَسُبُّونِي ثُمَّ تُدْعَوْنَ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنِّي، فَلَا تَبَرَّءُوا مِنِّي، فَقَالَ مَا أَكْثَرَ مَا يَكْذِبُ النَّاسُ عَلَى عَلِيٍّ (ع) ثُمَّ قَالَ (ع): إِنَّمَا قَالَ (ع): «إِنَّكُمْ سَتُدْعَوْنَ إِلَى سَبِّي، فَسُبُّونِي ثُمَّ سَتُدْعَوْنَ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنِّي وَ إِنِّي لَعَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ (ص) وَ لَمْ يَقُلْ لَا تَبَرَّءُوا مِنِّي ...»[7] ». [8]

أقول: سندها تامّ و دلالتها تامّة یصحّ الاستدلال بها. و یؤیّدها حکم العقل و بناء العقلاء في أمثال ذلك یقدّم علی تلك الروایات الضعیفة السند المجعولة، حیث قال (ع): «ما أکثر ما یکذب الناس علی عليّ (ع)».

القول الثالث: جواز التقیّة إذا کان المتّقي شخصاً عادیّاً و تجب التقیّة أحیاناً و حرمة التقیّة إذا کان المتّقي علماً للناس و تقیّته تضرّ بالدین و أرکانه [9]

أقول: لا دلیل علی الجواز، بل تجب التقیّة للشخص العاديّ و حرمة التقیّة إذا کان المتّقي علماً للناس و تقیّته تضرّ بالدین و أرکانه.

الدلیلان علی القول الثالث

الدلیل الأوّل: الآیة

الآيات الدالّة على جواز التقيّة في مظانّها في تفسير قوله- تعالى: ﴿إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ﴾ [10] من فعل عمّار و ما روته العامّة و الخاصّة في هذا المجال من أنّ أبويه لم يظهرا كلمة الكفر، فقتلا و أنّ عمّار أظهر و نجى، ثمّ أتى رسول اللّه (ص) باكياً، فقال جمع من الصحابة: كفر عمّار و لكن جعل رسول اللّه (ص) يمسح عينيه و يقول له إن عادوا لك، فعد لهم بما قلت، [11] فنزلت الآية ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ﴾ [12] ». [13]

أقول: دلالتها واضحة و السند ضعیف.

الدلیل الثاني: الروایات

فمنها: ما روته العامّة و الخاصّة في كتبهم : «أَنَّ مُسَيْلَمَةَ الْكَذَّابَ أَخَذَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا مَا تَقُولُ فِي مُحَمَّدٍ (ص)؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِيَّ؟ قَالَ: أَنْتَ أَيْضاً، فَخَلَّاهُ وَ قَالَ: لِلْآخَرِ مَا تَقُولُ فِي مُحَمَّدٍ(ص)؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِيَّ؟ قَالَ: أَنَا أَصَمُّ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ ثَلَاثاً، فَأَعَادَ جَوَابَهُ الْأَوَّلَ، فَقَتَلَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ (ص) فَقَالَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ أَخَذَ بِرُخْصَةِ اللَّهِ وَ أَمَّا الثَّانِي فَقَدْ صَدَعَ بِالْحَقِ[14] ‌،‌ فَهَنِيئاً لَه‌». [15]

أقول: تدلّ الروایة علی جواز التقیّة و لکنّ السند ضعیف.

قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «في هذه الرواية و إن لم يكن ذكر عن البراءة عن الرسول (ص) و لكنّ الشهادة برسالة مسيلمة كانت من كلمة الكفر نفسه، فيدلّ على الجواز في غيره بطريق أولى، فتدبّر». [16]

و منها: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى[17] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى[18] عَنْ زَكَرِيَّا الْمُؤْمِنِ[19] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسَدٍ[20] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ[21] قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ[22] (ع) رَجُلَانِ‌ مِنْ‌ أَهْلِ‌ الْكُوفَةِ أُخِذَا، فَقِيلَ لَهُمَا ابْرَأَا مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فَبَرِئَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَ أَبَى الْآخَرُ، فَخُلِّيَ سَبِيلُ الَّذِي بَرِئَ وَ قُتِلَ الْآخَرُ، فَقَالَ (ع): «أَمَّا الَّذِي بَرِئَ، فَرَجُلٌ فَقِيهٌ فِي دِينِهِ وَ أَمَّا الَّذِي لَمْ يَبْرَأْ، فَرَجُلٌ تَعَجَّلَ إِلَى الْجَنَّةِ». [23]

أقول: قد سبق معنی الروایة، فراجع.

 


[1] روایات التي دلّت علی حرمة التبرّي.
[6] مختلف فیه و هو عامّيّ بتري، ثقة ظاهراً.
[7] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص219. و جاء فیه: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ [بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة] عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ [بن سعدان: إمامي ثقة] عن. (هذه الروایة مسندة، موثّقة ظاهراً).
[8] . مبانی الفقه الفعال فی القواعد الفقهیة الاساسیة، السیفی، علی اکبر، ج2، ص172.
[11] .عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور، ج2، ص104. فِي الْحَدِيثِ‌ أَنَّ يَاسِراً وَ ابْنَهُ عَمَّاراً وَ أُمَّهُ سُمَيَّةَ قَبَضَ عَلَيْهِمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَ عَذَّبُوهُمْ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ لِأَجْلِ إِسْلَامِهِمْ وَ قَالُوا: لَا يُنْجِيكُمْ مِنَّا إِلَّا أَنْ تَنَالُوا مُحَمَّداً (ص) وَ تَبْرَءُوا مِنْ دِينِهِ، فَأَمَّا عَمَّارٌ فَإِنَّهُ أَعْطَاهُمْ بِلِسَانِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا مِنْهُ وَ أَمَّا أَبَوَاهُ فَامْتَنَعَا، فَقُتِلَا ثُمَّ أَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ (ص) وَ قَالَ فِي عَمَّارٍ جَمَاعَةٌ: أَنَّهُ كَفَرَ، فَقَالَ (ص): «كَلَّا إِنَّ عَمَّاراً مَلِي‌ءٌ إِيمَاناً مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ وَ اخْتَلَطَ الْإِيمَانُ بِلَحْمِهِ وَ دَمِهِ» وَ جَاءَ عَمَّارٌ وَ هُوَ يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (ص): «مَا خَبَرُكَ» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ وَ ذِكْرِ آلِهَتِهِمْ بِخَيْرٍ، فَصَارَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَ يَقُولُ: «إِنْ‌ عَادُوا لَكَ‌، فَعُدْ لَهُمْ‌ بِمَا قُلْتَ».‌. (هذه الروایة مرفوعة و ضعیفة)
[14] أي: جهر بالحق.
[17] العطّار: إماميّ ثقة.
[18] الأشعري: إماميّ ثقة.
[19] زکریّا بن محمّد المؤمن: مختلف فیه و هو واقفيّ غیر ثقة ظاهراً.
[20] الکوفي: مهمل.
[21] المکّي: مهمل.
[22] الإمام الباقر (ع).
[23] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص221. (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود زكريّا بن محمّد المؤمن في سندها و هو واقفيّ غیر ثقة و وجود عبد الله بن أسد و عبد الله بن عطاء في سندها و هما مهملان).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo