< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/10/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التقیّة

الإشکالان في کلام المحقّق الخوئي

الإشکال الأوّل (الإشکال في دلالة روایة عبد اللّٰه بن عطاء علی التساوي)

هذا من الغريب؛ لأنها واضحة في أمرين: الأوّل: إنّ من يختار التقيّة لا عقاب عليه. بل هو مستعمل للفقه الصحيح في دينه. الثانية: إنّ من يختار القتل، فقد تعجّل الجنّة. و أمّا الآخر، فليس له هذه الجنّة بأيّ حال، بل هو غير معاقب فقط. فإن كان من أهل الجنّة- كما قال السيّد الأستاذ- فبسبب آخر غير البراءة. [1]

أقول: یمکن أن یکون المراد من الروایة أنّ الصحیح الشرعيّ للعالم الفقیه هو التقیّة و حفظ النفس و اعتضاد الدین في الخفاء. و لکنّ الجاهل بالحکم الذي له العصبیّة الشدیدة في الدین و له عرق مذهبيّ قويّ و قتل لقربة الله، فهو مع جهله و عدم فقهه في الجنّة قطعاً. و بیّن أنّ الفقیه یختار التقیّة؛ کما یقال في الشكّ في أجزاء الصلاة و موارد صلاة الاحتیاط و سجدتي السهو أنّ الفقیه لا یعاد الصلاة. و المراد أنّ الوظیفة الشرعیّة إتیان سجدتي السهو أو إتیان رکعتي الاحتیاط و لکنّ الجاهل بالحکم یعید صلاته. و الحاصل أنّ الوظیفة الشرعیّة الأوّلیّة هو التقیّة لحفظ النفس و لکنّ الجاهل إذا قتل فهو في الجنّة؛ لنیّته القربة و الشهادة لله في الله.

الإشکال الثاني (الإشکال في دلالة روایة محمّد بن مروان علی التساوي)

إنَّ في ما قاله السيّد الأستاذ (رحمة الله) مواقع للنظر:

أوّلاً: إنّ الإمام أبا عبد اللّٰه الصادق (ع) ما بدأ بالحديث عن ميثم إلّا بقصد بيان الحكم الشرعيّ للآخرين و أنّه يمكن الأخذ بالتقيّة دون تحمّل القتل، لا على أن يكون ميثم خاطئاً أو معاتباً، كما سنقول إن شاء اللّٰه- تعالى.

ثانياً: لأنّ كلمة ميثم وردت في الرواية غير منصوبة. فلما ذا نقرأها مرفوعةً؛ إذ يحتمل أن تكون ساكنةً- على تقدير الرفع- للوقف. أو أنّها فعلاً ممّا لا ينصرف للعلميّة و العجمة، أو غير ذلك من الدواعي.

و من الظاهر أنّ قراءة «منع» بصيغة المبنيّ للمجهول خلاف الظاهر جدّاً، كما هو خلاف الهدف الذي يستهدفه الإمام من الكلام و خلاف سياقه؛ لأنّه عندئذٍ يكون عطف قوله: فواللّٰه لقد علم إلخ غريباً نسبيّاً عن صدر الرواية. لا أقلّ من القول: إنّ المراد- على تقدير البناء للمجهول- أنّه رخّص له بالتقيّة ترخيصاً خاصّاً في حين أنّ ذيل الرواية يقتصر على بيان الترخيص‌ العامّ كتطبيق له. و في ذلك من التهافت ما لا يخفى.

إذن فالبناء للمجهول في الفعل «منع» غير وارد. و الرواية واردة في مقام بيان جواز التقيّة أو رجحانها. و مع ذلك، فلا يمكن أن يستفاد منها توبيخ ميثم- رضوان اللّٰه عليه- و كيف يوبّخ من قبل الإمام الصادق (ع) و هو الصاحب المفضّل لأمير المؤمنين (ع) إلى حدّ قد اختار القتل في سبيله. و الإمام الصادق (ع) حين يقول: ما منع ميثم من التقيّة؟ يعلم (ع) ما الذي منعه من ذلك. ألا و هو حبّه و مزيد إخلاصه لمولاه الأعظم أمير المؤمنين (ع). و قد ورد هذا مفسّراً في رواية أخرى عنه- رضوان اللّٰه عليه- يقول: دَعَانِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) وَ قَالَ: «كَيْفَ أَنْتَ يَا مِيثَمُ إِذَا دَعَاكَ دَعِيُّ بَنِي أُمَيَّةَ ابنُ دَعيهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنِّي؟» فقال[2] يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا وَ اللَّهِ لَا أَبْرَأُ مِنْكَ. قَالَ (ع): «إِذاً وَ اللَّهِ يَقْتُلُكَ‌ وَ يَصْلِبُكَ»‌ قُلْتُ: أَصْبِرُ فَذَاكَ فِي اللَّهِ قَلِيلٌ، فَقَالَ (ع): «يَا مِيثَمُ إِذاً تَكُونُ مَعِي فِي دَرَجَتِي‌ ...». [3] إذن فتكليفه الشرعيّ واضح في ذهنه و هو أنّه أخذ الرخصة بالشهادة، بل رجحانها من الإمام أمير المؤمنين (ع) نفسه. و هدفه أيضاً واضح في ذهنه و هو أن يكون بالشهادة في درجة الإمام (ع) كما وعده (ع). و على أيّ حالٍ، فهذا تكليف خاصّ بميثم- رضوان اللّٰه عليه. و تدلّنا الرواية التي تقول: و ما منع ميثم من التقيّة على عدم رجحان ذلك لأيّ أحد غيره. و على أيّ حال، فالجواز في هذا المورد لكلا العملين: التقيّة و القتل يكاد يكون من الضروريّات فقهيّاً. و لا أقلّ أن نصير إليه بالأصل بعد تعارض الروايات. و من الواضح عموماً من منطوق الروايات أنّ التقيّة فيها فائدة دنيويّة، مهما كانت فيها جنبة دينيّة و هي المحافظة على النفس أمام الآخرين‌ الذين قد يريدون الكيد بأهل الحق. كما أنّ تحمّل القتل فيه فائدة أخرويّة و هي درجة الشهادة. و من المعلوم أنّ رجحان التقيّة من ذاك الجانب لا يعني مرجوحيّة الشهادة بهذا المعنى و انعدام الثواب أو كونها مكروهةً، كالذي كنّا في صدده. و على أيّ حالٍ، فيبقى هذا المورد مثالاً للتقيّة المستحبّة إن قلنا بها و أخذنا بالروايات الدالّة على رجحانها و مثالاً للتقيّة المكروهة إن قلنا بها و بأنّ الروايات دالّة على رجحان الشهادة و مثالاً للتقيّة المباحة إن قلنا بتساوي الأمرين؛ كما هو مقتضى الأصل و قول السيّد الأستاذ (رحمة الله). [4]

یلاحظ علیه: بالملاحظة السابقة.

القول الثاني: وجوب التقیّة في التبرّي [5] [6] [7]

أقول: هو الحق؛ للأدلّة الآتیة و الملاحظات السابقة، إلّا أن یخاف علی أرکان الإسلام و هدم الدین، کما في المراجع العظام.


[1] . ما وراء الفقه، الصدر، السید محمد، ج1، ص112.
[2] الصحیح: فَقُلْتُ.
[3] .إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي، الشيخ الطوسي، ج1، ص296. (جبريل بن أحمد [الفاریابي: إماميّ ثقة] حدّثني محمّد بن عبد الله بن مهران [الکرخي: ضعیف] قال: حدّثني محمّد بن عليّ الصيرفي [أبو سمینة: ضعیف] عن عليّ بن محمّد [مهمل] عن يوسف بن عمران الميثمي [ابن میثم التمّار: مهمل] قال: سمعت ميثم النهرواني [ابن یحیی التمّار: إماميّ ثقة]). (هذه الروایة مسنده و ضعیفة؛ لوجود الرواة المهملین و الضعاف في سندها).
[4] . ما وراء الفقه، الصدر، السید محمد، ج1، ص114.
[6] . حاشیة علی رسالة فی التقیة، المامقانی، عبدالله، ج1، ص250.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo