< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/07/30

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التقیّة

أقول؛ أوّلاً: أنّ موضوع التقیّة موجود في هذه الموارد؛ فإنّ التقیّة قد یکون في الموارد التي هي مخالفة لظواهر القرآن؛ کما في مسح الرأس و الرجلین و أمثالهما؛ فلا دلیل علی انتفاء موضوع التقیّة في هذه الموارد.

و ثانیاً: متعة الحج و إن کانت في صریح القرآن و لکن بعد تحریم ذلك من بعض الخلفاء بقوله: «مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَ أَنَا أُحَرِّمُهُمَا وَ أُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا، مُتْعَة الْحَجِّ وَ مُتْعَةُ النِّسَاء». [1] [2] تکون من موارد التقیّة؛ فعلی هذا ما استنبطه زرارة في الروایة من أنّه (ع) لم یقل الواجب علیکم أن لا تتّقوا فیهنّ أحداً صحیح لا إشکال علیه و هو أفقه الأصحاب؛ فکلام الامام الخمیني (رحمة الله) في کمال المتانة، کما سبق.

أدلّة جواز التقیّة في المسح علی الخفّین

الدلیل الأوّل: الآیة

قوله- تعالی: ﴿مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾.[3]

إستدلّ بها بعض الفقهاء علی جواز التقیّة في مسح الخفّین. [4]

الدلیل الثاني: الروایتان

الروایة الأولی

عَنْهُ[5] عَنْ فَضَالَةَ[6] عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ[7] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ[8] عَنْ أَبِي الْوَرْدِ[9] قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ[10] (ع): إِنَّ أَبَا ظَبْيَانَ حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَأَى عَلِيّاً (ع) أَرَاقَ‌[11] الْمَاءَ ثُمَ‌ مَسَحَ‌ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: كَذَبَ أَبُو ظَبْيَانَ أَ مَا بَلَغَكُمْ قَوْلُ عَلِيٍّ (ع) فِيكُمْ سَبَقَ الْكِتَابُ الْخُفَّيْنِ[12] ، فَقُلْتُ: هَلْ فِيهَا رُخْصَةٌ؟ فَقَالَ (ع): «لَا إِلَّا مِنْ عَدُوٍّ تَتَّقِيهِ أَوْ ثَلْجٍ تَخَافُ عَلَى رِجْلَيْكَ». [13]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [14] [15] [16] [17] [18] [19] [20] [21] [22] [23]

قال الفاضل الاصفهانيّ (رحمة الله): «العدوّ في الخبر يشمل العدوّ ديناً، فيشمل التقيّة المعروفة و يجوز المسح لها؛ كسائر العمومات». [24]

إعتبار السند

قال الشیخ البحراني: «الرواية و إن كانت ضعيفة السند باصطلاح متأخّري أصحابنا إلّا أنّها مجبورة بعمل الأصحاب و اتّفاقهم على الحكم المذكور، على أنّ أبا الورد و إن كان غير مذكور في كتب الرجال بمدح و لا قدح، إلّا أنّه قد روى في الكافي [25] ما يشعر بمدحه. و لهذا عدّه شيخنا المجلسيّ (رحمة الله) في وجيزته [26] في الممدوحين، مع أنّ الراوي عنه هنا بواسطة حمّاد بن عثمان و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه. و الرواية- بناءً على ظاهر هذه العبارة- صحيحة. و كيف كان، فهي- باعتبار مجموع ما ذكرنا من المرجّحات- مضافاً إلى الاتّفاق على الحكم ممّا يقوى الاعتماد عليها». [27]

ثلاث إشکالات في کلام الشیخ البحراني

الإشکال الأوّل

هذا الجواب[28] مبنيّ على تماميّة القاعدة المعروفة من أنّ الرواية الضعيفة‌ ينجبر ضعفها بعمل المشهور على طبقها، فإن صحّت و تمّت، فهو و إلّا فللمناقشة فيه مجال واسع؛ لأنّ عملهم على طبق رواية لا يكشف عن عثورهم على قرينة دلّتهم على صحّتها. [29]

الإشکال الثاني

الظاهر أنّ هذا الوجه[30] أيضاً غير تامّ؛ لأنّ مدح المجلسيّ (رحمة الله) للرجل مستند إلى ما رواه الكلينيّ (رحمة الله) من أنّ رجلاً يقال له أبو الورد قد دخل على أبي عبد اللّٰه (ع) عند مراجعته من الحجّ، فقال له أبو عبد اللّٰه (ع) يا أبا الورد «... أَمَّا أَنْتُمْ، فَتَرْجِعُونَ مَغْفُوراً لَكُمْ وَ أَمَّا غَيْرُكُمْ، فَيُحْفَظُونَ فِي أَهَالِيهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ[31] ...» بدعوى أنّ الرواية ظاهرة في مدح الرجل لقوله (ع): إنّكم مغفورون و إلّا فالمجلسيّ (رحمة الله) لم يعاصر الرجل بوجه و بين عصريهما قرون و الرواية لا يمكن الاعتماد عليها من وجهين: إحداهما: إنّ قوله(ع): إنّكم مغفورون لا يدلّنا على أزيد من أنّ الرجل شيعيّ؛ فإنّ شيعة عليّ (ع) إذا حجّوا غفرت ذنوبهم المتقدّمة، فليستقبلوا أعمالهم و أمّا غيرهم فعمله غير مقبول و من هنا قال: إنّكم مغفورون و لم يقل إنّك مغفور حتّى يتوهّم منه توثيق الرجل. و يؤيّده أيضاً مقابلة ذلك بقوله (ع) «و غيركم» لأنّ ظهوره في إرادة غير الشيعة غير قابل للإنكار و من الظاهر أن كون الرجل شيعيّاً إماميّاً غير كافٍ في اعتبار روايته.

و ثانيتهما: إنّا لو سلّمنا أنّ الرواية صريحة الدلالة على توثيق الرجل و أنّه ثقة و من الأتقياء و أنّه معهم (ع) في الجنّة (مثلاً) إلّا أنّا من أين نعرف أنّ الرجل المذكور في الرواية هو أبو الورد الراوي للرواية التي بأيدينا؛ لعدم انحصار المكنّى بأبي الورد براوي هذه الرواية و من الجائز أن يكون هناك رجل آخر مكنّي بأبي الورد قد ورد على الإمام (ع) و سأله و أجاب (ع) بما تقدّم و ليس في الرواية غير أنّه كان يقال له أبو الورد و أمّا أنّه الراوي لهذه الرواية، فلا قرينة عليه بوجه. بل القرينة موجودة على خلافه؛ لأنّ أبا الورد الراوي لهذا الخبر ممّن عدّوه من أصحاب الباقر (ع) و هو يروى عنه (ع) كما أن‌ّ ما بأيدينا من الرواية أيضاً رواها عنه (ع) و لم يكن معاصراً لأبي عبد اللّٰه (ع) و إلّا لعدّوه من أصحاب الصادق و الباقر‘ كليهما و أبو الورد في رواية الكافي من معاصري أبي عبد اللّٰه (ع) حيث أنّه ورد عليه و سأله كما في الخبر. و هذا يوجب الظن، بل الاطمئنان بأنّهما متغايران و أحدهما غير الآخر. و معه كيف يمكن إثبات وثاقة الرجل بتلك الرواية. [32]

أقول: الظاهر أنّ الروایة تدلّ علی التوثیق. و أمّا کون الراوي هو ما في الروایة، فیحتاج إلی التحقیق. و زمان الصادقین قریب یمکن أن یروي عنهما معاً، فلا دلیل علی التعدّد.

الإشکال الثالث[33]

إنّا قد عثرنا في غير مورد على رواتهم عن غير الثقة. و معه ينحصر الوجه في تصحيح رواية الرجل على الإجماع المدّعى على قبول رواية حمّاد بن عثمان. فإن ثبت إجماع تعبدّيّ على ذلك، فهو و إلّا فلا مستند لذلك أبداً. و الإجماع المحصّل غير حاصل و الإجماع المنقول ممّا لا اعتبار به. [34]

قال السیّد الطباطبائيّ (رحمة الله): «[یجوز المسح علی الخفّین تقیّةً][35] لخبر أبي الورد المعتبر بورود المدح فيه[36] و رواية حمّاد عنه». [37]

و قال المیرزا هاشم الآمليّ (رحمة الله): «ادّعاء ضعف الرواية بأبي الورد، فلا يفيد عدم الاعتماد عليها؛ لأنّ العمل بها عن المشهور جابر لضعفها على أنّ الناقل عنه في السند؛ مثل حمّاد بن عثمان الذي يكون من أصحاب الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنه؛ لأنّهم لم ينقلوا إلّا الرواية الموثوقة و لذا قد أجمع الكلّ على تصحيح ما يصحّ عنهم، مضافاً إلى أنّ بعض أهل الرجال- مثل العلّامة المامقانيّ (رحمة الله) [38] - نقل ممدوحيّة أبي الورد». [39]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الروایة الثانیة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[40] عَنْ أَبِيهِ[41] عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى[42] عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ[43] [44] عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ[45] قَالَ: خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): «قَدْ عَمِلَتِ الْوُلَاةُ قَبْلِي أَعْمَالاً خَالَفُوا فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ (ص) مُتَعَمِّدِينَ لِخِلَافِهِ نَاقِضِينَ لِعَهْدِهِ مُغَيِّرِينِ لِسُنَّتِهِ وَ لَوْ حَمَلْتُ النَّاسَ عَلَى تَرْكِهَا وَ حَوَّلْتُهَا إِلَى مَوَاضِعِهَا وَ إِلَى مَا كَانَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) لَتَفَرَّقَ عَنِّي جُنْدِي حَتَّى أَبْقَى وَحْدِي أَوْ قَلِيلٌ مِنْ شِيعَتِيَ الَّذِينَ عَرَفُوا فَضْلِي وَ فَرْضَ إِمَامَتِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ (عزوجل) وَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) أَ رَأَيْتُمْ لَوْ أَمَرْتُ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ (ع) فَرَدَدْتُهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ (ص) وَ رَدَدْتُ فَدَكاً إِلَى وَرَثَةِ فَاطِمَةَ (سلام الله علیها) ... حَرَّمْتُ‌ الْمَسْحَ‌ عَلَى‌ الْخُفَّيْنِ‌ وَ حَدَدْتُ عَلَى النَّبِيذِ وَ أَمَرْتُ بِإِحْلَالِ الْمُتْعَتَيْنِ‌ ... إِذاً لَتَفَرَّقُوا عَنِّي‌ ...». [46]

 


[5] الحسین بن سعید الأهوازي: إماميّ ثقة.
[6] فضالة بن أیّوب: إماميّ ثقة، من أصحاب الإجماع علی قول.
[7] الناب: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[8] محمّد بن عليّ بن النعمان: إماميّ ثقة.
[9] مهمل.
[10] الإمام الباقر(ع).
[11] أي: ریخت.
[12] يريد أنّ الكتاب أمر بالمسح على الرجل لا الخف؛ فالمسح على الخفّين حادث بعده.
[13] .تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج1، ص362. (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود أبي الورد في سندها و هو مهمل).
[25] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج4، ص264. (أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ [أحمد بن إدریس القمّي: إماميّ ثقة] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ [القمّي: إماميّ ثقة] عَنْ صَفْوَانَ [صفوان بن یحیی البجليّ: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع] عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ [إماميّ ثقة] عَنْ سَلَمَةَ بْنِ مُحْرِزٍ [مهمل] قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع): «إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ- يُقَالُ لَهُ أَبُو الْوَرْدِ- فَقَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع): رَحِمَكَ اللَّهُ إِنَّكَ لَوْ كُنْتَ أَرَحْتَ بَدَنَكَ مِنَ الْمَحْمِلِ‌، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع): «يَا أَبَا الْوَرْدِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَشْهَدَ الْمَنَافِعَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ- تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: ﴿{لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ‌}﴾ )الحج: 28) إِنَّهُ لَا يَشْهَدُهَا أَحَدٌ إِلَّا نَفَعَهُ اللَّهُ أَمَّا أَنْتُمْ، فَتَرْجِعُونَ مَغْفُوراً لَكُمْ وَ أَمَّا غَيْرُكُمْ، فَيُحْفَظُونَ فِي أَهَالِيهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ). (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود سلمة بن محرز في سندها و هو مهمل).
[28] أنّها مجبورة بعمل الأصحاب.
[30] قد روى في الكافي ما يشعر بمدحه و لهذا عدّه شيخنا المجلسيّ (رحمة الله) في وجيزته...
[31] أي: لا یغفر لهم و لهم منافع دنیویّة، لا الأخرویّة.
[33] . الإشکال علی کلامه: أنّ الراوي عنه هنا بواسطة حمّاد بن عثمان و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.
[35] الزیادة منّا.
[36] کما مرّ أخیراً.
[38] . تنقیح المقال فی علم الرجال، المامقانی، عبدالله، ج3، ص37.
[40] عليّ بن إبراهیم بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة.
[41] إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[42] الجهني: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[43] محرّف إبراهیم بن عمر الیماني: إماميّ ثقة.
[44] الظاهر سقوط الواسطة هنا و هو أبان بن أبي عیّاش: إماميّ ضعیف.
[45] إماميّ ثقة.
[46] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج8، ص59. (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود أبان بن أبي عیّاش في سندها و هو ضعیف).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo