< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/07/18

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التقیّة

قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «قد تتّصف التقيّة بالكراهة و مرادنا بها ما إذا كان ترك التقيّة أرجح من فعلها و هذا كما إذا أكره على إظهار البراءة من أمير المؤمنين (ع) و قلنا أنّ ترك التقيّة حينئذٍ و تعريض النفس للقتل أرجح من فعلها و إظهار البراءة منه (ع) كما احتمله بعضهم و كما إذا ترتّب ضرر على أمر مستحب؛ كزيارة الحسين (ع) فيما إذا‌ كانت ضرريّةً؛ فإنّ ترك التقيّة حينئذٍ بإتيان المستحبّ الضرريّ أرجح من فعلها و ترك العمل الاستحبابي و هذا بناءً على ما قدّمناه عند التكلّم على حديث لا ضرر من أنّه كحديث الرفع و غيره ممّا دلّ على ارتفاع الأحكام الضرريّة على المكلّف و معه يكون ترك التقيّة بإتيان المستحبّ أرجح من فعلها و ترك العمل المستحب هذا كلّه في هذه الجهة»[1]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین علی ذلك المبنی

تذتیبان

التذنیب الأوّل

هل تختصّ التقيّة بما يكون عن المخالف في المذهب أم لا؟‌

صرّح بعض الفقهاء بعدم الاختصاص[2] [3]

قال الشیخ الأنصاريّ (رحمة الله): «يشترط في الأوّل[4] أن يكون التقيّة من مذهب المخالفين؛ لأنّه المتيقّن من الأدلّة الواردة في الأذن في العبادات على وجه التقيّة؛ لأنّ المتبادر من التقيّة، التقيّة من مذهب المخالفين، فلا يجري في التقيّة عن الكفّار أو ظلمة الشيعة لكن في رواية مسعدة بن صدقة الآتية ما يظهر منه عموم الحكم لغير المخالفين مع كفاية عمومات التقيّة في ذلك» [5]

أقول: لا وجه للاختصاص، کما سیأتي

و قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «لا ينبغي الشكّ في عدم اختصاص التقيّة لغةً و لا اصطلاحاً و لا دليلاً بخصوص ما كان في قبال المخالفين في المذهب من العامّة؛ لما قد عرفت من أنّها هي إخفاء العقيدة أو عمل دينيّ لما في إظهاره من الضرر و إنّ ملاكها في الأصل قاعدة الأهمّ و المهمّ و ترجيح المحذور الأخفّ لدفع محذور الأهمّ و إنّها قاعدة عقليّة تشهد به جميع العقلاء على اختلاف مذاهبهم و مشاربهم و لو أنكره بعض باللسان لبعض الدواعي، فهو مؤمن به بالجنان و يظهر في أعماله و أحواله عند اضطراره إليه و من الواضح أنّه ليس في شي‌ء من ذلك اختصاص بالمخالفين؛ بل لا فرق في ذلك بينهم و بين الكافرين أو ظلمة الشيعة؛ بل ما يبتلى به كثير من الناس و لا سيّما الضعفاء في قبال ظلمة الشيعة أكثر و أهمّ ممّا يبتلى به تجاه غيرهم و إن لم يكن ذلك في العبادات؛ بل كان في غيرها» [6]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین

التذنیب الثاني: هل تجب التوریة في التقیّة أم لا؟

ذهب کاشف الغطاء (رحمة الله) إلی عدم وجوب التوریة و جواز الکذب في التقیّة [7]

أقول: قد سبق منّا أنّ التوریة کذب عرفاً؛ فلا تجب أصلاً في مقام، سواء کانت في التقیّة أو غیرها و تؤیّده روایة سماعة

قال کاشف الغطاء (رحمة الله): «يجوز الكذب لتقيّة و غيرها قيل يجب التورية و ظاهر الأدلّة خلافه» [8]

[9] عَنْ سَمَاعَةَ[10] قَالَ: قَالَ (ع): «إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِاللَّهِ تَقِيَّةً لَمْ يَضُرَّهُ وَ بِالطَّلَاقِ وَ الْعَتَاقِ أَيْضاً لَا يَضُرُّهُ إِذَا هُوَ أُكْرِهَ وَ اضْطُرَّ إِلَيْهِ وَ قَالَ (ع): «لَيْسَ شَيْ‌ءٌ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا وَ قَدْ أَحَلَّهُ لِمَنِ اضْطُرَّ إِلَيْهِ» [11]

تبصرة: هل الأنسب حمل روايات التقيّة على خلاف الظاهر، لا الكذب لمصلحة أم لا؟

أقول: بعد أن قلنا بأنّ التوریة کذب عرفاً عند العقلاء، فلا فرق بین التوریة و الکذب لمصلحة من حیث صدق الکذب؛ فلا وجه للأنسبیّة

قال الشیخ الأنصاريّ (رحمة الله): «إنّ الأقوال الصادرة عن أئمّتنا (علیهم السلام) في مقام التقيّة في بيان الأحكام؛ مثل قولهم: لا بأس بالصلاة في ثوب أصابه خمر و نحو ذلك و إن أمكن حمله على الكذب لمصلحة، بناءً على ما استظهرنا جوازه من الأخبار إلّا أنّ الأليق بشأنهم (علیهم السلام) هو الحمل على إرادة خلاف ظواهرها[12] من دون نصب قرينة بأن يريد من جواز الصلاة في الثوب المذكور جوازها عند تعذّر الغسل و الاضطرار إلى‌ اللبس» [13]

أقول: لا وجه له؛ کما سبق أنّ الحلف کذباً أحلی من التمر و الزبد

دلیل حمل روايات التقيّة على خلاف الظاهر

قد صرّحوا بإرادة المحامل البعیدة [14]

مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى[15] عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ[16] عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ[17] عَنْ مَرْوَانَ[18] عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ[19] : « فَقَالَ لَهُ (ع) رَجُلٌ: مَا تَقُولُ فِي النَّوَافِلِ؟ فقَالَ (ع): «فَرِيضَةٌ» قَالَ: فَفَزِعْنَا وَ فَزِعَ‌ الرَّجُلُ‌ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع): «إِنَّمَا أَعْنِي صَلَاةَ اللَّيْلِ عَلَى رَسُولِ اللَّه (ص) إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ‌: ﴿وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ‌ نافِلَةً لَكَ﴾[20] » [21]

الإشکال في الدلیل

عدم استقلال العقل بقبح الكذب في جميع الموارد و إنّما هو تابع للدليل الشرعي و عليه فمهما حرّمه الشارع يكشف منه أنّه قبيح و مهما ورد الدليل على جوازه، يكشف منه أنّه ليس بقبيح و حينئذٍ فالكذب الجائز و التورية سواء في الإباحة و لا ترجيح لحمل الأخبار الموافقة للتقيّة على الثاني [22]

أقول: قد سبق منّا أنّ الکذب قبیح اقتضائاً و حرام شرعاً بحکم أوّلي و جوازه یحتاج إلی الدلیل و قد دلّت علی ذلك الآیات و الروایات و بناء العقلاء

کلام بعض الفقهاء في المقام

قد يكون[23] مثل أمرعليّ بن يقطين بالوضوء على خلاف مذهبه الذي كان حكماً ثانويّاً له؛ كسائرالأحكام الثانويّة الاضطراريّة و هو حكم مطابق للواقع في هذه المرحلة و لعلّ كثيراً ممّا صدر منهم تقيّةً كان كذلك و اُخرى يكون من قبيل المجاز مع القرينة الحاليّة بأن كانت هناك شرائط و ظروف خاصّة تدلّ على أنّه (علیه السلام) لم يكن قادراً على بيان الواقع و ذلك ليس من الكذب و ثالثةً ما لا يكون من هذا و لا ذاك، فيأتي فيه أنّه تورية أو كذب مجاز، فالأولى أن يقال: لم يثبت مصداق لهذا القسم الأخير و بعبارة أخرى ما ثبت من تقيّتهم إمّا كان من قبيل القسم الأوّل أو ما كان محفوفاً بالقرائن و ان لم تصل تلك القرائن إلينا أو ما كان فيه التورية أمّا ما عدى ذلك بحيث يعدّ كذباً جائزاً لهم فهو غير ثابت[24]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین.

 


[4] الدلیل الخارجيّ الدالّ علی إذن الشارع بالتقيّة.
[9] أحمد بن محمّد بن عیسی: محرّف و صحیحه: الحسین بن سعید الأهوازي: إماميّ ثقة.
[10] سماعة بن مهران: إماميّ ثقة.
[11] النوادر، الأشعري، أحمد بن عيسى، ج1، ص75 (هذه الروایة مرفوعة و ضعیفة).
[12] أي: التوریة.
[15] محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري: إماميّ ثقة.
[16] الحسن بن عليّ بن عبد اللَّه بن المغیرة: إماميّ ثقة.
[17] الحسن بن عليّ بن فضّال التیمي: فطحيّ ثقة، من أصحاب الإجماع علی قول.
[18] مروان بن مسلم: إماميّ ثقة.
[19] عمّار بن موسی الساباطي: فطحيّ ثقة في أحادیثه اضطراب کثیراً .
[21] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج2، ص242 (هذه الروایة مسندة و موثّقة).
[23] التقیّة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo