< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/07/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التقیّة

 

الإشکال الثاني

إنّ التقيّة متقوّمة بخوف الضرر الذي يترتّب على‌ تركها. و مع العلم بعدم ترتّب الضرر على ترك التقيّة لا يتحقّق موضوع للتقيّة. و علیه فالصحيح أن يمثّل للتقيّة المستحبّة بالمرتبة الراقية من التقيّة؛ لأنّ لها كالعدالة و غيرها مراتب و درجات متعدّدة. و هذا كشدّة المواظبة على مراعاتها حتّى في موارد توهّم الضرر، فضلاً عن موارد احتماله؛ لئلّا يذاع بذلك أسرار أهل البيت (علیهم السلام) عند أعدائهم. و لا إشكال في استحباب ذلك مع تحقّق موضوع التقيّة و هو احتمال الضرر و لو ضعيفاً. و يشهد على ذلك ما رواه حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع) ‌ فِي قَوْلِ اللَّهِ‌: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ‌﴾[1] قَالَ (ع): «أَشَدُّكُمْ‌ تَقِيَّةً». [2] فإنّ ذلك و إن كان من أحد مصاديق التقيّة؛ فإنّ التقيّة قد تكون من اللّٰه- سبحانه- و قد يكون من العامّة و غيرهم، إلّا أنّ الرواية تدلّنا على أنّ من كان شديد المواظبة على التقيّة، فهو أتقى و أكرم عند اللّٰه. و هذا كافٍ في رجحان شدّة المواظبة على التقيّة. و يمكن التمثيل للتقيّة المستحبّة أيضاً بما إذا أكره مكره على إظهار كلمة الكفر أو التبريّ من أمير المؤمنين(ع) بناءً على أنّ التقيّة وقتئذٍ بإظهار البراءة أرجح من تركها و من تعريض النفس على الهلاكة[3] و القتل. [4]

أقول: أوّلاً: إن کان خوف الضرر موجوداً فتجب التقیّة لدفعه. و إن کان الاحتمال ضعیفاً، فترجّح التقیّة لدفعه. و ثانیاً: یمکن المناقشة في بعض الأمثلة، مثل المثال الأخیر. و ثالثاً: کلام الشیخ الأعظم (رحمة الله) في مورد وجود الضرر في الآجل دون العاجل. و هذا من موارد التقیّة الواجبة، لا المستحبّة. و رابعاً: لعلّ المراد خوف الضرر نوعاً في الآجل.

ردّ الاشکال

قال بعض الفقهاء (رحمة الله): «يمكن أن يورد على ذلك، كما يلي:

أوّلاً: إنَّ الشيخ الأنصاريّ (رحمة الله) افترض ترتّب الضرر بالتدريج و معه يكون كلّ عمل جزء العلّة، مهما كان جزءاً تافهاً[5] منها في الضرر. و ليس ممّا لا‌ يترتّب عليها أيّ ضرر على الإطلاق، كما فهم سيّدنا الأستاذ (رحمة الله).

ثانياً: إنّ هناك كما يأتي فعّاليّات مطلوبة و منصوص عليها في روايات المعصومين (علیهم السلام) في العلاقة مع العامّة، حتّى بدون أيّ ضرر. و هذا و إن لم يكن من التقيّة بالمعنى اللفظيّ أو المؤدّى المنطقيّ و لكنّه من التقيّة في حيّزها العامّ بأحد تقريبين:

التقريب الأوّل: إنَّه سمّي تقيّةً أوّلاً مجازاً، ثمّ انتقل إلى الحقيقة؛ لكثرة الاستعمال و كان منشأ الملابسة هو شبهه بما يخاف منه الضرر في العلاقة مع العامّة يومئذٍ.

التقريب الثاني: إنّ كلّ المطلوبات في العلاقة مع العامّة من نوع التقيّة، لا بمعنى أنّنا نحسب لكلّ مورد حسابه، بل بمعنى أنّنا نقيّم الجوّ العامّ المأمور به في العلاقة معهم. و ذلك من أجل الحكمة التي قلناها فيما سبق و هي وحدة المجتمع المسلم أوّلاً. و المحافظة على موالي الأئمّة المعصومين (علیهم السلام) ثانياً. إذن، فلا يكون المورد خارجاً من التقيّة و إن لم يخف منه الضرر». [6]

الإشکال الثالث

إذا افترضنا- كما افترض[7] - ترتّب الضرر التدريجي. و عندها سوف لن تكون التقيّة مستحبّةًّ بل واجبةً و يخرج المورد عن مثال الاستحباب. [8]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «مثل المداراة التي أمر بها رسول اللّه (ص) و ما ورد فيها من أنّه أدبّه اللّه بالتقيّة [9] بقوله عزوجل: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[10] داخل في قسم المستحب». [11]

 


[2] .المحاسن، البرقي، ابو جعفر، ج1، ص258. و جاء فیه: أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ‌[إماميّ ثقة] عن أبيه [محمّد بن خالد البرقي: إماميّ ثقة] عن حمّاد بن عيسى [الجهنيّ: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع] عن عبد الله بن حبيب‌ [مهمل]).. (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود عبد الله بن حبیب في سندها و هو مهمل)
[3] الصحیح: الهلاك.
[5] أي: یسیراً، قلیلاً.
[6] . ما وراء الفقه، الصدر، السید محمد، ج1، ص109.
[7] افترض الشیخ الأنصاريّ (رحمة الله).
[8] . ما وراء الفقه، الصدر، السید محمد، ج1، ص110.
[9] .معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ج1، ص386. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ [مختلف فیه و هو إماميّ علی قول، لم تثبت وثاقته] قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ السُّكَّرِيُّ [مهمل] قَالَ‌: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْجَوْهَرِيُّ [محمّد بن زکریّا بن دینار الغلابي: إماميّ ثقة] قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ [الکندي: مهمل] عَنْ أَبِيهِ [محمّد بن عمارة الکندي: مهمل] عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ[الثوري: من فقهاء العامّة مذموم جدّاً] قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ (ع)- وَ كَانَ وَ اللَّهِ صَادِقاً كَمَا سُمِّيَ- يَقُولُ:‌ «يَا سُفْيَانُ عَلَيْكَ بِالتَّقِيَّةِ؛ فَإِنَّهَا سُنَّةُ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ (ع) وَ إِنَّ اللَّهَ (عزوجل) قَالَ لِمُوسَى وَ هَارُونَ:‌ ﴿اذْهَبا إِلى‌ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى﴾ ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى‌﴾ [طه: 43 - 44) يَقُولُ اللَّهُ (عزوجل): كَنِّيَاهُ وَ قُولَا لَهُ يَا أَبَا مُصْعَبٍ وَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ| كَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَراً وَرَّى بِغَيْرِهِ [أي ستره و كنى عنه و أوهم أنّه يريد غيره و أصله من الوراء؛ أي ألقى البيان وراء ظهره؛ لئلّا ينتهي خبره إلى مقصده]‌ وَ قَالَ: «أَمَرَنِي‌ رَبِّي‌ بِمُدَارَاةِ النَّاسِ‌ كَمَا أَمَرَنِي بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَ لَقَدْ أَدَّبَهُ اللَّهُ (عزوجل) بِالتَّقِيَّةِ، فَقَالَ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ ... (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود الرواة المهملین و الضعاف في سندها).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo