< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/07/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التقیّة

الإشکال في کلام الشیخ الأنصاري

إنّ المفهوم و المعلوم من إطلاق أوامر التقيّة أنّ الخوف و التقيّة؛ كالعسر و الحرج علّة لرفع اليد عن الأحكام الواقعيّة الأوّليّة و مقتضى العلّيّة دوران الرفع مداره وجوداً و عدماً و إناطة الرفع بوجود الخوف الفعليّ الشخصيّ لا الشأنيّ النوعي. فالخوف و التقيّة في أغلب أحوال الشخص لا يوجب التقيّة في سائر أحواله التي لا خوف فيها من العمل بالواقع. و كذا الخوف في أغلب أفراد الشيعة أو أغلب بلادهم لا يوجب التقيّة في من لا خوف له من العمل بالواقع و لو كان نادراً، بل أندر. و كذا الخوف في أغلب العبادات؛ كالتقيّة في الوضوء و الصلاة و الزكاة و الصيام لا يوجب التقيّة فيما لم يتّفق فيه خوف؛ كالحجّ و إن ندر؛ لأنّ انتفاء العلّة و لو في أندر الأحوال أو الأفراد أو الأعمال يوجب انتفاء المعلول قطعاً و أنّ التقيّة- كالعسر و الضرورة- تقدّر بقدرها و إلحاق النادر بحكم الغالب في بعض موارد العسر- كقصر المسافر لمشقّة السفر- إنّما هو بالنصّ و الإجماع لا لمجدّد عسر الإتمام على نوع المسافرين. فتوهّم كون التقيّة نوعيّةً‌ لا شخصيّةً ليلحق النادر من أحوال المكلّفين و أفرادهم و أعمالهم التي لا خوف لهم فيها بالفرد الغالب ممّا لم يتوهّمه متوهّم و لا يوهمه موهّم و إن أوهمه ظاهر عبارة المصنّف[1] . [2]

یلاحظ علیه: أنّ مراده من الشأنيّ النوعيّ مع الالتفات إلی أمثلته موارد لم یتحقّق الخوف لنفسه أو لغیره في حال من الأحوال أو في زمان من الأزمنة أو في مکان من الأمکنة، فإنّ التقیّة التي لا ثمرة لها لا لنفسه و لا لغیره مطلقاً غیر جائز إذا انجرّ إلی فعل المحرّمات أو ترك الواجبات؛ فظاهر کلامه (رحمة الله) و إن کان مخالفاً للخوف النوعيّ و لکن مراده یعلم بأمثلته. و کلامه (رحمة الله) متین؛ إذ المراد من الخوف الخوف النوعيّ أو ما خاف النوع منه و إن لم یخف شخص منه لنفسه أو لغیره في الحال أو في الاستقبال أو الخوف لدینه و مذهبه و أمثالها. و مراده (رحمة الله) من النوعيّ الشأنيّ هو سریان الخوف من ترك الصلاة معهم إلی الحجّ الذي لا تقیّة فیه أصلاً (مثلاً). و هذا لا یقول به أحد و سریان الخوف من موضوع إلی موضوع آخر أو في مکان إلی مکان آخر أو في زمان إلی زمان آخر لا ربط بینهم لا یقول به أحد؛ فکلامه (رحمة الله) توضیح متین لکلام الشیخ الأعظم (رحمة الله) و إن کان التعبیر بالشأنيّ النوعيّ غیر وجیه في المقام.

أقول: لا ريب في مشروعيّة التقيّة مع الخوف الشخصي؛ لأنّه القدر المتيقّن من النصوص. و أمّا الخوف النوعيّ بمعنى ما يخاف عليه نوع الناس و غالبهم و إن لم يخف المتّقي، لشدّة شجاعته، فإطلاق نصوص تشريع التقيّة يقتضي مشروعيّتها معه. و ذلك لأنّ احتمال الضرر الذي شرّعت التقيّة لأجلها يصير عقلائيّاً بحصول الخوف النوعي. و يؤيّد التعمیم، بل يدلّ عليه إطلاق قوله (ع): «عَلَيْكُمْ بِالتَّقِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَجْعَلْهَا شِعَارَهُ[3] ‌ وَ دِثَارَهُ[4] ‌ مَعَ‌ مَنْ‌ يَأْمَنُهُ‌ لِتَكُونَ سَجِيَّتَهُ مَعَ مَنْ يَحْذَرُهُ». [5] و دلالتها تامّة فیما لم تنجرّ التقیّة إلی فعل المحرّمات و ترك الواجبات. و أمّا معه، فلا بدّ من ملاحظة الأهمّ و المهم.

تنبیه

قال السیّد السبزواريّ (رحمة الله): «لم يرد تحديد من الشرع في الضرورة و الخوف الموجبان للتقيّة، بل هما موكّلان إلى المتعارف. قال أبو جعفر[6] (ع) قَالَ: «التَّقِيَّةُ فِي‌ كُلِ‌ ضَرُورَةٍ وَ صَاحِبُهَا أَعْلَمُ بِهَا حِينَ تَنْزِلُ بِهِ». [7] يدل عليه إطلاق قوله (ع) أيضاً: «التَّقِيَّةُ فِي‌ كُلِ‌ شَيْ‌ءٍ وَ كُلُّ شَيْ‌ءٍ اضْطُرَّ إِلَيْهِ ابْنُ آدَمَ فَقَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ‌». [8] و قيد الاضطرار و الضرورة في مثل هذه الأخبار لا ينافي ثبوتها في غير مورد الاضطرار من مورد المجاملة و غيرها؛ لإطلاق تلك الأدلّة الواردة مورد الألفة و الموادّة التي تأبى سياقها عن التقييد بالاضطرار؛ لأنّ الائتلاف و الموادّة شي‌ء و الاضطرار شي‌ء آخر. و كذا لا تحديد للمجاملة و الموادّة الموجبة لها و هي أيضاً عرفيّة. و تختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و الأشخاص و العادات». [9]

أقول: لا بدّ من تقیید التقیّة المداراتیّة بما لم ینجرّ إلی فعل المحرّمات أو ترك الواجبات و لا بدّ من ملاحظة الأهمّ و المهم.

و قال بعض الفقهاء (رحمة الله): «إنّ التقيّة و إن كانت بحدّها ناشئةً من الخوف. إلَّا أنّها بمعناها العامّ تشمل كلّ ضرورة، كانت ناشئةً من الخوف أو من غيره من عوارض الزمن؛ كالفقر و المرض. و من الواضح فقهيّاً أنّ الضرورة مسقطة للتكليف الذي يقع في موردها». [10]

أدلّة وجوب التقیّة (أدلّة التقیّة الواجبة)

الدلیل الأوّل: الآیتان

الآیة الأولی

قوله- تعالی: ﴿لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ في‌ شَيْ‌ءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً﴾.[11]

أقول: دلالتها واضحة، فتدلّ علی جواز الکذب للتقیّة مطلقاً. و لا تختصّ بالإکراه أو الاضطرار و أمثالهما؛ بل إذا صدق الخوف علی النفس أو الغیر بالنسبة إلی الأموال أو الأعراض أو النفوس، سواء کانت التقیّة بالنسبة إلی الواجبات أو المحرّمات أو المکروهات أو المستحبّات أو المباحات في العبادات و المعاملات أو السیاسیّات و الاجتماعیّات و غیرها، إلّا إذا کان التزاحم مع الأهمّ، فلا بدّ من ملاحظة قانون الأهمّ و المهمّ بالنسبة إلی الکفّار و العامّة و غیرها مطلقاً.

الآیة الثانیة

قوله- تعالی: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمانِ﴾.[12]

إستدلّ بهما الشیخ المامقانيّ (رحمة الله). [13]

أقول: دلالتها واضحة في صورة تحقّق الإکراه.

 


[1] الشیخ الأنصاريّ (رحمة الله).
[2] تعلیقات علی رسالة فی التقیة، اللاری، عبدالحسین، ج1، ص492.
[3] كلّ شي‌ء لبسته تحت ثوب، فهو شِعار له.
[4] كلُّ ما يلي الجَسَدَ من الثياب؛ لأنّه يلي شعره، الثوب الذي يكون فوق الشِعار. (کنایة عن لزوم کون التقیّة دائمیّةً)
[5] الأمالي - ط دار الثقافة، الشيخ الطوسي، ج1، ص293 (الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ [الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسي: إماميّ ثقة] عَنْ أَبِيهِ [محمّد بن الحسن الطوسي: إماميّ ثقة] عَنِ الْفَحَّامِ [الحسن بن محمّد بن یحیی: عامّيّ شافعيّ لم تثبت وثاقته و قیل ثقة] عَنِ الْمَنْصُورِيِّ [محمّد بن أحمد بن عبید الله المنصوري: مهمل] عَنْ عَمِّ أَبِيهِ [عیسی بن أحمد بن عیسی بن منصور: مهمل]) (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود محمّد بن أحمد بن عبید الله و عیسی بن أحمد في سندها و هما مهملان).
[6] الإمام الباقر (ع).
[7] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص219. (عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ [بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة]عَنْ أَبِيه [إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی] عَنْ حَمَّادٍ [حمّاد بن عیسی الجهني: إماميّ ثقة من أصحاب الاجماع] عَنْ رِبْعِيٍّ [ربعيّ بن عبدالله بن الجارود: إماميّ ثقة] عَنْ زُرَارَةَ [زرارة بن أعین الشیباني: إماميّ ثقة من أصحاب الاجماع]) (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی).
[8] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص220. و جاء فیه: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ [بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة] عَنْ أَبِيهِ [إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ [محمّد بن أبي عمیر: إماميّ ثقة من أصحاب الاجماع] عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ [عمر بن أذینه: إماميّ ثقة] عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِّ [إسماعیل بن عبد الرحمن الجعفي: إماميّ ثقة] وَ مَعْمَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَامٍ [إماميّ ثقة] وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ [الثقفي: إماميّ ثقة من أصحاب الاجماع] وَ زُرَارَةَ [زرارة بن أعین الشیباني: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع] (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی).
[10] ما وراء الفقه، الصدر، السید محمد، ج1، ص107.
[13] حاشیة علی رسالة فی التقیة، المامقانی، ملاعبدالله، ج1، ص241.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo