< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/06/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التقیّة

القول الثالث: جواز التقیّة المداراتیّة [1] [2] [3] [4]

قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «إنّ الغاية فيه هو جلب المودّة و جمع الكلمة و ائتلاف الفرقة و توحيد صفّ المسلمين على اختلاف مذاهبهم في مقابل أعداء الإسلام، أعداء الحق». [5]

القول الرابع: وجوب التقیّة المداراتیّة [6]

قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «إنّه لا يتوقّف جواز هذه التقيّة، بل وجوبها على الخوف علىٰ نفسه أو غيره، بل الظاهر أنّ المصالح النوعيّة صارت سبباً لإيجاب التقيّة من المخالفين؛ فتجب التقيّة و كتمان السرّ و لو كان مأموناً و غير خائف علىٰ نفسه و غيره». [7]

أقول: لا دلیل علیه و ستأتي الأدلّة و الجمع بینها.

القول الخامس: جواز التقیّة المداراتیّة في الصلاة و حرمتها في غیرها [8] [9]

قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «أمّا إذا لم يترتّب على ترك التقيّة ضرر على نفسه و لا على غيره، بل كانت التقيّة لمحض جلب النفع من الموادّة و التحابب و المجاملة معهم في الحياة، فلا تكون مسوّغةً لارتكاب العمل المحرّم و لا ترك الفعل الواجب؛ فليس له الحضور في مجالسهم المحرّمة، كمجلس الرقص و شرب الخمر و نحوهما لأجل المجاملة؛ لعدم تحقّق مفهوم التقيّة حينئذٍ، حيث لا ضرر يترتّب على تركها. نعم، لا بأس بذلك في خصوص الصلاة، فإنّ له أن يحضر مساجدهم و يصلّي معهم للمداراة و المجاملة من دون أن يترتّب ضرر على تركه بالنسبة إلى نفسه أو بالإضافة إلى الغير. و ذلك لإطلاقات الأخبار الآمرة بذلك؛ لأنّ ما دلّ على أنّ الصلاة معهم في الصفّ الأوّل كالصلاة خلف رسول اللّٰه| غير مقيّد بصورة ترتّب الضرر على تركها».[10]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین؛ لکن لا یجوز الاکتفاء بتلك الصلاة؛ بل لا بدّ من الإعادة أو القضاء، کما سبقت الأدلّة علی ذلك.

القول السادس: جواز التقیّة المداراتیّة في الصلاة و الوضوء و الحجّ في الجملة[11] [12]

قال بعض الفقهاء (رحمة الله): «التحقيق في المقام أن يقال: إنّه لا ينبغي الإشكال في صحّة جملة غير قليلة من العبادات مع صدورها تقيّةً، كالصلاة و الوضوء، بل الحجّ الذي ذكرنا في كتاب الحجّ أنّ الأئمّة^ كانوا يحجّون مع الناس طبقاً لحكم قضاتهم برؤية الهلال، فكانوا يرتّبون آثار عيد الأضحى على يوم كانوا يرونه عيداً. و استمرّ هذا الأمر حدود مائتين سنةً تقريباً من دون إشعار منهم بوجوب القضاء على شيعتهم. بل ذكرنا في رسالة مختصرة كتبناها في التقيّة المداراتيّة سابقاً عدم وجوب الإعادة أو القضاء مع وجودها. نعم، لا بأس في المقام بالذهاب إلى اقتضاء الاحتياط الاستحبابيّ للقضاء، فافهم و اغتنم». [13]

أقول: لا دلیل علی الإجزاء فیما لا حرج في قضائه أو إعادته؛ کما سبقت الأدلّة علی ذلك؛ نعم، رؤیة الهلال و أمثالها لا بدّ من متابعتهم؛ إذ لزم الحرج من مخالفتهم، بخلاف الوضوء و الصلاة. و مقتضی الجمع بین الروایات هو رجحان الصلاة معهم مع إعادتها، کما صرّحت بذلك في الروایات المعتبرة.

الدلیل علی مشروعیّة التقیّة المداراتیّة: الروایات

فمنها: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى[14] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ[15] عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ[16] عَنْ هِشَامٍ الْكِنْدِيِّ[17] قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ(ع) یَقُولُ:‌ «إِيَّاكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا عَمَلاً يُعَيِّرُونَّا[18] بِهِ؛ فَإِنَ‌ وَلَدَ السَّوْءِ يُعَيَّرُ وَالِدُهُ‌ بِعَمَلِهِ،‌ كُونُوا لِمَنِ انْقَطَعْتُمْ إِلَيْهِ زَيْناً وَ لَا تَكُونُوا عَلَيْهِ شَيْناً[19] ، صَلُّوا فِي عَشَائِرِهِمْ وَ عُودُوا مَرْضَاهُمْ وَ اشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ وَ لَا يَسْبِقُونَكُمْ إِلَى شَيْ‌ءٍ مِنَ الْخَيْرِ، فَأَنْتُمْ أَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ وَ اللَّهِ مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْ‌ءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْخَبْ‌ءِ قُلْتُ: وَ مَا الْخَبْ‌ءُ؟ قَالَ (ع): «التَّقِيَّةُ». [20]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [21] [22] [23]

أقول: قد سبق أنّ مقتضی الجمع بین الروایات رجحان التقیّة المداراتیّة ما لم یترتّب علیه فعل محرّم أو ترك واجب. و تستحبّ الصلاة معهم، لکن تجب إعادتها، کما هو صریح بعض الروایات المعتبرة في الباب.

قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «الخبأ في اللغة بمعنى الإخفاء، كما ورد في النصّ «المرء مخبوء تحت لسانه» و هذا المعنى يناسب التقيّة».[24]

و منها: أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ[25] عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ[26] عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ[27] عَنْ جَابِرٍ الْمَكْفُوفِ[28] [29] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ[30] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: «إتَّقُوا عَلَى دِينِكُمْ فَاحْجُبُوهُ بِالتَّقِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا تَقِيَّةَ لَهُ إِنَّمَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ كَالنَّحْلِ فِي الطَّيْرِ لَوْ أَنَّ الطَّيْرَ تَعْلَمُ مَا فِي أَجْوَافِ النَّحْلِ مَا بَقِيَ مِنْهَا شَيْ‌ءٌ إِلَّا أَكَلَتْهُ وَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ عَلِمُوا مَا فِي أَجْوَافِكُمْ أَنَّكُمْ تُحِبُّونَّا أَهْلَ الْبَيْتِ لَأَكَلُوكُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَ لَنَحَلُوكُمْ[31] فِي السِّرِّ وَ الْعَلَانِيَةِ رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً مِنْكُمْ كَانَ عَلَى وَلَايَتِنَا». [32]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [33]

أقول: هذه الروایة تدلّ علی جواز التقیّة و رجحانها. أمّا موردها فهو فیما لو خاف لأنفسهم بقرینة قوله× لأکلوکم بألسنتهم و لنحلوکم؛ فالروایة خارجة عن محلّ البحث.

و منها: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ شَاذَوَيْهِ الْمُؤَدِّبُ[34] ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ جَامِعٍ الْحِمْيَرِيُّ[35] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ[36] عَنْ أَبِيهِ[37] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ[38] عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ[39] عَنْ مُدْرِكِ بْنِ الْهَزْهَازِ[40] ، قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (ع): «يَا مُدْرِكُ رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً اجْتَرَّ مَوَدَّةَ النَّاسِ إِلَيْنَا، فَحَدَّثَهُمْ‌ بِمَا يَعْرِفُونَ‌ وَ تَرَكَ‌ مَا يُنْكِرُونَ». [41]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [42]

أقول: هذه الروایة ضعیفة سنداً و تدلّ علی رجحان التقیّة المداراتیّة. و لا إطلاق لها لما یترتّب علیها فعل محرّم أو ترك واجب، کما هو مقتضی الجمع بین الروایات.

و منها: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ[43] عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ[44] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ[45] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَمْزَةَ[46] عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ[47] عَنْ أَبِي بَصِيرٍ[48] قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ(ع): ‌«خَالِطُوهُمْ بِالْبَرَّانِيَّةِ[49] وَ خَالِفُوهُمْ‌ بِالْجَوَّانِيَّةِ[50] إِذَا كَانَتِ الْإِمْرَةُ صِبْيَانِيَّةً[51] ». [52]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [53] [54]

أقول: الروایة ضعیفة سنداً و تدلّ علی رجحان التقیّة المداراتیّة. و لا تشمل لما یترتّب علیها فعل محرّم أو ترك واجب إلّا في حالة خوف الضرر أو الاضطرار، کما سبق. و لا تدلّ علی جوازها مداراةً مع فعل محرّم أو ترك واجب.

 


[3] . کتاب النکاح، الاراکی، محمد علی، ج1، ص305.
[11] قید للحج.
[14] العطّار: إماميّ ثقة.
[15] أحمد بن محمّد بن عیسی الأشعري: إماميّ ثقة.
[16] الأنباري: إماميّ ثقة.
[17] مهمل.
[18] أي: ما را سرزنش کنند. (مبادا كارى كنيد كه ما را بدان سرزنش كنند، همانا فرزند بد، پدرش را بكردار او سرزنش كنند، براى كسى كه به او دل داده‌ايد (امام خود) زينت باشيد و عيب و ننگ نباشيد).
[19] أي: القبح، العیب (زشتی و ننگ).
[20] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص219.. (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود هشام الکنديّ في سندها و هو مهمل)
[23] . مبانی الفقه الفعال فی قواعد الفقهیة الاساسیة، السیفی، علی اکبر، ج2، ص131.
[24] . مبانی الفقه الفعال فی قواعد الفقهیة الاساسیة، السیفی، علی اکبر، ج2، ص131.
[25] أحمد بن إدریس القمّي: إماميّ ثقة.
[26] الحسن بن عليّ ‌بن عبدالله بن المغيرة: إماميّ ثقة.
[27] القصباني: إماميّ ثقة.
[28] أي: أعمی.
[29] الکوفي: مختلف فیه و هو إماميّ ممدوح ظاهراً.
[30] إماميّ ثقة.
[31] أي: شما را ضعیف و رنجور می‌کردند.
[32] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص218. (هذه الروایة مسندة، حسنة ظاهراً).
[34] مهمل.
[35] إماميّ ثقة.
[36] أحمد بن محمّد بن عیسی الأشعري : إماميّ ثقة.
[37] محمّد بن عیسی بن عبد الله الأشعري: إماميّ ثقة.
[38] محمّد بن أبي عمیر زیاد الأزدي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[39] إماميّ ثقة.
[40] مهمل.
[41] .الأمالي، الشيخ الصدوق، ج1، ص159. (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود عليّ بن الحسین بن شاذویه المؤدّب و مدرك بن الهزهاز في سندها و هما مهملان).
[42] . مبانی الفقه الفعال فی قواعد الفقهیة الاساسیة، السیفی، علی اکبر، ج1، ص131.
[43] الحسین بن محمّد بن عامر: إماميّ ثقة.
[44] . المعلّی بن محمّد البصري: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً.
[45] محمّد بن جمهور العَمّي: ضعيف في الحديث فاسد المذهب‌.
[46] أحمد بن حمزة بن بزیع: مهمل.
[47] القلانسي: إماميّ ثقة.
[48] یحیی أبو بصیر الأسديّ: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[49] أي: العلانيّة و الألف و النون من زيادات النسب.
[50] أي: هو منسوب إلى جوّ البيت و هو داخله و زيادة الألف و النون للتأكيد.
[51] أي: هرگاه فرمانروایى كودكانه باشد (روى هوى و هوس باشد) با مردم در ظاهر آميزش كنيد و در باطن مخالف آنان باشيد.
[52] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص220. (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود محمّد بن جمهور العَمّي في سندها و هو ضعیف و أحمد بن حمزة و هو مهمل).
[54] . مبانی الفقه الفعال فی قواعد الفقهیة، السیفی، علی اکبر، ج1، ص131.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo