< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/05/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ مسوّغات الکذب

الخامس[1] : الكذب عند أخذ الإقرار من المفسدين و الماكرين و کشف الأمور المهمّة [2]

أقول: لا دلیل علیه، إلّا أن یدخل تحت أحد العناوین المسوّغة للکذب و الروایتان (روایة أنس بن محمّد و روایة عیسی بن حسّان) لا تدلّان علی جواز الکذب عند مطلق الإصلاح، حیث ذکر في روایة أنس المذکورة سابقاً «یا عليّ إنّ الله أحبّ الکذب في الصلاح» و صرّح في ذیلها و الإصلاح بین الناس، کما في سائر الروایات، فتدلّ علی استثناء الکذب في مورد الإصلاح بین الناس الذي سبق أنّه من مسوّغات الکذب، مع أنّ السند ضعیف جدّاً. و هکذا روایة عیسی بن حسّان «أصلح بین اثنین...» یرید بذلك الإصلاح ما بینهما فتدلّ علی استثناء الکذب في مورد الإصلاح بین اثنین الذي سبق أنّه من مسوّغات الکذب بالاتّفاق، مع أنّ السند ضعیف جدّاً و قد سبق منّا أنّه لا دلیل علی جواز الکذب عند مطلق الإصلاح، مثل جلب المنافع، بل یجوز لدفع الضرر، دون جلب المنفعة و إلّا یجوز کذب کلّ بائع لجلب المنفعة لنفسه و یوجب اختلال سوق المسلمین.

قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «يجوز الكذب أيضاً عند أخذ الإقرار من المفسدين و الماكرين الذين يمكرون اللّه و رسوله و إن لم يكن هناك حرب. و كذا الكذب لكشف الأمور المهمّة إذا كان داخلاً في قاعدة الأهمّ و المهم. بل الظاهر أنّها و ما أشبهها ممّا يتوقّف على الكذب أحياناً داخل في عنوان «الإصلاح» بقول مطلق المذكور في روايات الباب». [3]

أقول: قاعدة الأهمّ و المهمّ صحیحة لا بحث فیها في باب التزاحم، مع تحقّق شرائطه. و أمّا الکذب لمطلق الإصلاح و الصلاح فلا دلیل علیه. و الروایتان سبق الجواب عنهما في الملاحظة السابقة.

الدلیل: الروایتان[4]

السادس[5] : إرشاد فرد منحرف‌

من مسوّغات الكذب إصلاح فرد منحرف عن طريق الحق. [6]

أقول: لا دلیل علیه، إلّا أن یدخل تحت أحد العناوین المسوّغة للکذب و قد سبق أنّه لا یجوز الکذب لکلّ مصلحة؛ مثل جلب النفع. و سیأتي أنّ الروایة لا تدلّ علی ذلك.

الدلیل: الروایة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[7] عَنْ أَبِيهِ[8] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ[9] عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ[10] عَنِ الْحَسَنِ الصَّيْقَلِ[11] قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) : إِنَّا قَدْ رُوِّينَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ[12] (ع) فِي قَوْلِ يُوسُفَ (ع): ﴿أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ﴾[13] فَقَالَ (ع): «وَ اللَّهِ مَا سَرَقُوا وَ مَا كَذَب‌ وَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ (ع):‌ ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ﴾[14] فَقَالَ (ع): «وَ اللَّهِ مَا فَعَلُوا وَ مَا كَذَبَ» قَالَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع): «مَا عِنْدَكُمْ فِيهَا يَا صَيْقَلُ؟[15] » قَالَ: فَقُلْتُ مَا عِنْدَنَا فِيهَا إِلَّا التَّسْلِيمُ، قَالَ: فَقَالَ (ع): «إِنَّ اللَّهَ أَحَبَّ اثْنَيْنِ وَ أَبْغَضَ اثْنَيْنِ أَحَبَّ الْخَطَرَ[16] فِيمَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ[17] وَ أَحَبَّ الْكَذِبَ فِي الْإِصْلَاحِ وَ أَبْغَضَ الْخَطَرَ فِي الطُّرُقَاتِ[18] وَ أَبْغَضَ الْكَذِبَ فِي غَيْرِ الْإِصْلَاحِ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ (ع) إِنَّمَا قَالَ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا﴾ إِرَادَةَ الْإِصْلَاحِ وَ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ[19] وَ قَالَ يُوسُفُ (ع) إِرَادَةَ الْإِصْلَاحِ». [20]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [21]

أقول؛ أوّلاً: إنّ قوله (ع): «وَ اللَّهِ مَا سَرَقُوا وَ مَا كَذَب‌» صریح في عدم تحقّق الکذب موضوعاً؛ فالمراد سرقة یوسف من أبیه و سقوطه في البئر. و المراد من قوله (ع) مَا سَرَقُوا، أي: ما سرقوا السقایة، لکن إنّکم لسارقون یوسف من أبیه، فلا منافاة في البین؛ فتدلّ الروایة علی عدم تحقّق الکذب موضوعاً؛ فلا استثناء.

و ثانیاً: علی فرض التسلیم بأنّ المراد عدم تحقّق الکذب حکماً، لا موضوعاً، فمن باب الإصلاح بین الإخوة مع یوسف؛ فالکذب لتحقّق الإصلاح بین الإخوة، فیدخل في ذلك العنوان (الإصلاح بین الناس). و أمّا قوله (ع): «إِنْ كانُوا يَنْطِقُون‌» فیکون قیداً لکلّ من قوله (ع) بل فعله کبیرهم إن کانوا ینطقون و قوله (ع)«فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُون‌» فالفعل و السؤال مقیّدان بشرط مفقود و هو إِنْ كانُوا يَنْطِقُون و إرشاد إلی عقلهم بأنّهم لا ینطقون، فلا یمکن السؤال منهم و لا یمکن فعلهم. و علی هذا فلا تحقّق للکذب موضوعاً، کما هو الظاهر من قوله (ع) «ما کذب» فالروایة تدلّ علی عدم تحقّق الکذب موضوعاً في کلا الموردین. و هذا المعنی للآیة بقرینة الروایة؛ کما یرشد إلیه صدر و ذیل الآیة الشریفة، فالمراد من قوله (ع) إرادة الإصلاح إصلاح ذات البین و الإصلاح في موارد عدم تحقّق الکذب موضوعاً، فلا یتحقّق استثناء بعنوان إصلاح المنحرفین، بل لا بدّ من التعهّد بالصداقة في مواجهة المنحرفین أکثر من الآخرین.

قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «تدلّ على ذلك[22] الروايات التي تحمل قول إبراهيم و يوسف، على الكذب و تفسّره بالإصلاح». [23]

السابع[24] : الکذب للتقیّة [25] [26] [27]

أقول: إنّ الضرورة غیر التقیّة و التقیّة ضرورة خاصّة و لا یقولون کلّ ضرورة بتقیّة.

 


[1] من مسوّغات الکذب.
[4] روایة أنس بن محمّد و روایة عیسی بن حسّان، کما مرّت الإشارة إلیهما عن قریب.
[5] من مسوّغات الکذب.
[7] عليّ بن إبراهيم‌ بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة.
[8] إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[9] إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[10] الناب: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[11] الحسن بن زیاد الصیقل: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً.
[12] الإمام الباقر (ع).
[13] السورة الیوسف؛ 12، الآیة 70.
[14] السورة الأنبیاء؛ 21، الآیة 63.
[15] نزد شما در اين باره چيست؟.
[16] المشي مع التبختر في الطرق.
[17] عسکر الإسلام و عسکر الکفر.
[18] أي: التبختر في المشي.‌.
[19] الأصنام.
[20] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص342.. (هذه الروایة مسندة، صحیحة ظاهراً)
[22] جواز الکذب لإرشاد فرد منحرف.
[24] من مسوّغات الکذب.
[26] . التعلیقة علی المکاسب، اللاری، السید عبد الحسین، ج1، ص197.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo