< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/05/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ مسوّغات الکذب

هنا أقوال:

القول الأوّل: جواز الحلف الکاذب مع عدم المعرفة بالتوریة. [1] [2]

أقول: لا دلیل علی التقیید؛ لأنّه سبق منّا أنّ التوریة کذب عرفي.

القول الثاني: وجوب الحلف الکاذب مع عدم المعرفة بالتوریة. [3]

أقول: لا دلیل علی التقیید؛ لأنّ التوریة کذب عرفيّ عند العقلاء.

القول الثالث: وجوب الحلف الکاذب إذا انحصر طریق التخلّص فیه و جوازه في غیره. [4] [5]

قال المحقّق السبزواريّ (رحمة الله): «يجوز الحلف لدفع الضرر عن المؤمن‌، سواء كان عن نفسه أو عن ماله و إن كان الحالف كاذباً في يمينه. و قد يجب ارتكابه إذا انحصر طريق التخلّص فيه». [6]

أقول: الحقّ وجوب الحلف الکاذب إذا انحصر فیه طریق التخلّص من الضرر الماليّ المعتنی به أو العرضيّ أو النفسيّ لنفسه. و أمّا في مورد الغیر، فإذا کان الضرر علی النفس المحترمة، فیجب الحلف الکاذب، لحفظها. و أمّا الحلف الکاذب لدفع الضرر الماليّ أو العرضيّ عن الغیر، فلا یجب، بل یجوز. و هکذا یجوز الحلف کاذباً إذا لم یکن الحلف طریقاً منحصراً للتخلّص.

القول الرابع: جواز الحلف الکاذب إذا توقّف حفظ النفس المحترمة على الحلف مع الكذب مطلقاً (مع المعرفة بالتوریة و عدمها).[7]

أقول: اختصاص الجواز بحفظ النفس المحترمة لا دلیل علیه، بل جوازه في دفع الضرر في الأموال و الأعراض و النفوس ثابت، کما ذکرنا في الروایات.

القول الخامس: جواز الحلف الکاذب إذا توقّف دفع الضرر و الظلم علیه مطلقاً (مع المعرفة بالتوریة و عدمها). [8]

أقول: قد یجب الحلف الکاذب إذا انحصر فیه طریق التخلّص عن دفع الضرر- کما سبق- خصوصاً إذا کان الضرر علی النفس، إلّا أن یقال: إنّ المراد من الجواز هو بمعنی الأعم، أي عدم حرمة الکذب؛ فیشمل موارد الوجوب و الاستحباب و الإباحة و الکراهة.

القول السادس: جواز الحلف الکاذب مطلقاً (مع المعرفة بالتوریة و عدمها). [9]

أقول: لعلّ المراد من الجواز هو الجواز بمعنی الأعم، کما سبق.

ذکرت لجواز الحلف الکاذب مصادیق شرعيّة في کتب الفقهاء نأتي ببعضها:

قال السیّد الطباطبائيّ(رحمة الله): «لو حلف على تخليص المؤمن أو ماله أو دفع أذيّة عنه أو عن نفسه، جاز و لم يأثم و لو كان كاذباً بلا خلاف.[10] و قد يجب إذا انحصر طريق التخلّص فيه و كذلك الحلف عليه». [11]

و قال السیّد الخوانساريّ(رحمة الله): «لو اتّفق أنّه توقّف حفظ النفس المحترمة على الحلف مع الكذب، فالظاهر عدم الإشكال فيه». [12]

أقول: لا دلیل علی الاختصاص؛ بل جواز الحلف الکاذب في دفع الضرر عن النفوس و الأعراض و الأموال مطلقاً؛ کما في الروایات و کما بناء العقلاء المؤیّد بالروایات.

الدلیلان علی جواز الحلف الکاذب الضروري

الدلیل الأوّل: النصوص المستفيضة [13]

فمنها:[14] أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ[15] عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَعْدٍ الْأَشْعَرِيِّ[16] عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (ع) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَ لَا يَمِينَ فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ» قَالَ: وَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ أَحْلَفَهُ السُّلْطَانُ بِالطَّلَاقِ وَ غَيْرِ ذَلِكَ فَحَلَفَ؟ قَالَ(ع): «لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» وَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ يَخَافُ عَلَى مَالِهِ مِنَ السُّلْطَانِ، فَيَحْلِفُ لِيَنْجُوَ بِهِ مِنْهُ؟ قَالَ(ع): «لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» وَ سَأَلْتُهُ هَلْ يَحْلِفُ الرَّجُلُ عَلَى مَالِ أَخِيهِ كَمَا عَلَى مَالِهِ؟ قَالَ(ع): «نَعَمْ». [17]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [18] [19]

أقول: الروایة تامّة سنداً و دلالةً.

و منها: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى[20] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ[21] عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ[22] عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ[23] عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ[24] قَالَ: وَ اللَّهِ لَقَدْ قَالَ لِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (ع): «إِنَّ اللَّهَ عَلَّمَ نَبِيَّهُ التَّنْزِيلَ وَ التَّأْوِيلَ فَعَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ (ص) عَلِيّاً (ع) قَالَ: وَ عَلَّمَنَا وَ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: «مَا صَنَعْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ أَوْ حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ يَمِينٍ فِي تَقِيَّةٍ فَأَنْتُمْ مِنْهُ فِي سَعَةٍ». [25]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [26] [27]

أقول: التقیّة إمّا علی النفس أو علی المال أو علی العرض لنفسه أو لغیره من النفوس المحترمة و الروایة تامّة سنداً و دلالةً.

الإشکال في الاستدلال بالروایة

أمّا خبر أبي الصباح فلا يخلو العمل به عن إشكال؛ لأنّه لم يظهر منه وجود ضرورة مجوّزة للحلف كاذباً. [28]

أقول: التقیّة من موارد الضرورة قطعاً. و الروایة تدلّ علی جواز الحلف للتقیّة و هي جائزة للضرورة العرفیّة و الاضطرار، فلو لم تدلّ علی الجواز بالجملة، تدلّ علی الجواز في الجملة.

و منها: عَنْهُ[29] عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ[30] عَنِ النَّوْفَلِيِّ[31] عَنِ السَّكُونِيِّ[32] عَنْ جَعْفَرٍ (ع) عَنْ أَبِيهِ (ع) عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) عَنْ عَلِيٍّ (ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «إحْلِفْ‌ بِاللَّهِ‌ كَاذِباً وَ نَجِّ أَخَاكَ مِنَ‌ الْقَتْلِ»‌. [33]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [34]

أقول: الروایة تامّة سنداً و تدلّ علی وجوب الحلف کاذباً، لنجاة الأخ من القتل؛ کما ذکرنا في القول الثالث بوجوب الحلف لحفظ النفوس مطلقاً، سواء کان نفسه أو غیره.

قال السیّد الطباطبائيّ(رحمة الله): «إطلاقها[35] يقتضي عدم الفرق في الجواز مع خوف الضرر على النفس أو المال بين الكثير منه و القليل. و هو كذلك إلّا أنّه يأتي كراهة الحلف على المال القليل». [36]

و منها: عَلِيٌّ[37] عَنْ أَبِيهِ[38] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ[39] عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ[40] عَنْ زُرَارَةَ[41] عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ[42] (ع) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ وَ عِتْقِهِ فَقَالَ لَيْسَ طَلَاقُهُ بِطَلَاقٍ وَ لَا عِتْقُهُ بِعِتْقٍ فَقُلْتُ إِنِّي رَجُلٌ تَاجِرٌ أَمُرُّ بِالْعَشَّارِ وَ مَعِي مَالٌ فَقَالَ (ع): «غَيِّبْهُ مَا اسْتَطَعْتَ وَ ضَعْهُ مَوَاضِعَهُ» فَقُلْتُ: وَ إِنْ حَلَّفَنِي بِالطَّلَاقِ وَ الْعَتَاقِ، فَقَالَ (ع): «احْلِفْ لَهُ ثُمَّ أَخَذَ تَمْرَةً فَحَفَنَ[43] بِهَا مِنْ زُبْدٍ[44] كَانَ قُدَّامَهُ[45] فَقَالَ (ع): «مَا أُبَالِي حَلَفْتُ لَهُمْ بِالطَّلَاقِ وَ الْعَتَاقِ أَوْ أَكَلْتُهَا». [46]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [47]

أقول: الروایة تدلّ علی وجوب الحلف لدفع الضرر الماليّ حتّی القلیل منه و السند تام؛ فمجموع الروایات تدلّ علی وجوب الحلف في دفع الضرر في الأموال و النفوس.

الدلیل الثاني: حسن الكذب النافع [48] [49]

أقول: لا یکفي الحسن المطلق في مقابل معصیة الکذب. و لذا لم نقل بجواز الکذب و الحلف علیه لجلب النفع، بل یجوز أو یجب لدفع الضرر فقط.

التذنیب الثاني: هل الضرر المسوّغ للكذب هو المسوّغ لسائر المحرّمات أم لا؟

قال الشیخ الأنصاريّ(رحمة الله): «إنّ الضرر المسوّغ للكذب هو المسوّغ لسائر المحرّمات». [50]

أقول: في دفع الضرر بالنسبة إلی سائر المحرّمات لا بدّ من ملاحظة الأهمّ و المهم؛ فإنّ المحرّمات بعضها کبیرة و بعضها صغیرة. و الکبائر لها مراتب کثیرة و الضرر له مراتب لا بدّ من ملاحظة الأهمّ و المهمّ، فإنّ بعض مراتب الضرر یوجب جواز الکذب و هذه المرتبة لا توجب جواز الزنا أو شرب الخمر أو سبّ النبيّ (ص) و أمثالها.

 


[14] محمّد بن یحیی العطّار: إماميّ ثقة.
[15] أحمد بن محمّد بن عیسی الأشعري: إماميّ ثقة.
[16] إماميّ ثقة.
[20] محمّد بن يحيى‌ العطّار: إماميّ ثقة.
[21] أحمد بن محمّد بن عیسی الأشعري: إماميّ ثقة.
[22] الأنباري: إماميّ ثقة.
[23] إماميّ ثقة.
[24] ابراهیم بن نعیم أبو الصباح الکناني: إماميّ ثقة.
[29] محمّد بن الحسن الصفّار: إماميّ ثقة.
[30] القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[31] الحسین بن یزید: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[32] إسماعیل بن أبي زیاد: عامّيّ ثقة.
[33] .تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج8، ص300.. (هذه الروایة مسندة، موثّقة علی الأقوی)
[35] الروایات.
[37] عليّ بن إبراهیم بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة.
[38] إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[39] محمّد بن أبي عمیر زیاد: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[40] إماميّ ثقة.
[41] زرارة بن أعین الشیباني: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع‌.
[42] الإمام الباقر(ع).
[43] الحفن: أخذك الشي‌ء براحتك و الأصابع مضمومة (أي: فرو برد). و في بعض النسخ: فحفر بها. و في بعضها: فحفّ بها.
[44] أي: کره.
[45] أي: المقابل.
[46] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج6، ص127.. (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی)

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo