< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/04/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ مسوّغات الکذب

جواز الکذب في موارد الحرج

أقول: إنّ الحرج لا یساوق مع العجز العرفيّ و الضرورة العرفیّة، بل هو المشقّة الشدیدة التي لا یتحمّله العقلاء عادةً، کما جاء في صحیحة زرارة: ... ﴿ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ‌ عَلَيْكُمْ [فِي الدِّينِ] مِنْ حَرَجٍ﴾.[1] وَ الْحَرَجُ الضِّيقُ». [2] و في موثّقة أبي بصیر: .... فَإِنَّ الدِّينَ لَيْسَ بِمُضَيَّقٍ فَإِنَّ اللَّهَ (عزوجل) يَقُولُ: ﴿مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾.[3] [4] ففي الموارد التي یقع الإنسان في الحرج بترك الکذب، یرفع «لا حرج» حرمة الکذب و ینفیه.

الدلیل الثالث: الإجماع [5] [6]

قال بعض الفقهاء (رحمة الله): «من الإجماع إجماع المسلمين على الجواز».[7]

أقول: الحقّ وجود الإجماع علی جواز الکذب عند الضرورة في الجملة و لکنّه لیس إجماعاً تعبّدیّاً، بل مستنده الآیات و الروایات السابقة.

الإشکال في الدلیل الثالث

الإجماع فهو و إن كان محقّقاً و لكنّه ليس إجماعاً تعبّديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم؛ فإنّ الظاهر أنّ المجمعين قد استندوا في فتياهم بالجواز إلى الكتاب و السنّة، فلا وجه لجعله دليلاً مستقلّاً في المسألة.

و قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «لعلّ مستنده هذه الأدلّة المذكورة». [8]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین.

الدلیل الرابع: العقل [9]

وجه الدلالة

قال الشيخ الأنصاريّ (رحمة الله): «العقل مستقلّ بوجوب ارتكاب أقلّ القبيحين مع بقائه على قبحه أو انتفاء قبحه لغلبة[10] الآخر عليه على القولين و هما كون القبح العقليّ مطلقاً أو في خصوص الكذب لأجل الذات أو يختلف بالوجوه و الإعتبارات و لا إشكال في ذلك». [11]

أقول: لعلّ المراد الأعمّ من حکم العقل و بناء العقلاء- کما سیأتي توضیحه، فإنّ الموارد مختلفة و الشارع أمضی بناء العقلاء في المقام، کما سبق في الآیات و الروایات السابقة.

أقول: إنّ حکم العقل بقبح الکذب لیس من قبیل العلّة التامّة- کالظلم- بل هو مقتضٍ للقبح. و لهذا یجوز الکذب لعروض بعض الموانع.

الإشکالان في الدليل الرابع

الإشکال الأوّل

إنّه لو بني على الرجوع إلى العقل و ملاحظة الترجيحات و موازنة المناطات، أشكل الأمر في كثير من الصور؛ لعدم الإحاطة بالمناطات حتّى يعلم الراجح منهما من المرجوح و القويّ من الضعيف؛ نعم لا بأس بذلك في الموارد المتيقّنة؛ كالكذب لحفظ النفس من الهلكة. [12]

أقول: إنّ حکم العقل في الموارد المتیقّنة محقّق. و أمّا بناء العقلاء، فهو عند العرف فیما لو تحقّق ضرر معتنی به عندهم، سواء کان الضرر علی النفس أو الضرر علی العرض أو المال المعتنی به. و نظر العرف حاکم في تشخیص المصادیق و الموضوعات. و لا یحتاج إلی الاقتصار علی الموارد المتیقّنة فقط.

الإشکال الثاني

العقل فهو و إن كان حاكماً بجواز الكذب لدفع الضرورات في الجملة؛ كحفظ النفس المحترمة و نحوه إلّا أنّه لا يحكم بذلك في جميع الموارد، فلو توقّف على الكذب حفظ مال يسير لا يضرّ ذهابه بالمالك؛ فإنّ العقل لا يحكم بجواز الكذب. [13]

أقول: فلا بدّ من مراجعة العرف لتشخیص المصداق.

کما قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «أمّا الاستدلال بالعقل، فيتوقّف على ملاحظة الترجيحات و موازنة المناطات حتّى يتميّز الراجح من المرجوح و هو غير محرز إلّا في حفظ النفس و العرض و الأموال الطائلة».[14]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین.

و قال (حفظه الله) بعد الإشارة إلی الأدلّة في المقام: «هذه الأدلّة لا تدلّ على أزيد من جواز الكذب عند الإكراه و الاضطرار إلى التقيّة الخوفيّة لا التقيّة التحبيبيّة». [15]

أقول: قد تکون التقیّة التحبیبیّة لدفع الضرر المعلوم في المستقبل و العرف یوافق ذلك و یؤیّدها العقلاء.

 


[2] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج3، ص30. و جاء فیه: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ [بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة] عَنْ أَبِيهِ [إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی] وَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ [البندقيّ النيسابوري: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً‌] عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ [النيسابوري‌: إماميّ ثقة] جَمِيعاً عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى [الجهني‌: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع] عَنْ حَرِيزٍ [حریز بن عبد الله السجستاني: إماميّ ثقة] عَنْ زُرَارَةَ [زرارة بن أعین الشیباني: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع] قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ [الإمام الباقر] (ع).. (هذه الروایة مسندة، صحیحة ظاهراً)
[4] .تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج1، ص417. و جاء فیه: الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ [الأهوازي: إماميّ ثقة] عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ [إماميّ ثقة، من أصحاب الإجماع علی قول] عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ [الأحمسيّ الرواسي: إماميّ ثقة] عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ [إماميّ ثقة] عَنْ أَبِي بَصِيرٍ [يحيى أبو بصير الأسدي‌: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع] قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع).. (هذه الروایة مسندة و صحیحة)
[10] إنّ ارتكاب الصدق في المثال المذكور أعظم قبحاً من ارتكاب الكذب، فيغلب الأعظم على الأقلّ، فلا يبقى للأعظم مجال في ارتكابه، فيضطرّ الانسان إلى ارتكاب الأقل؛ لانتفاء قبحه أصلاً و رأساً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo