< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/04/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ مسوّغات الکذب

وجه دلالة الروایات

هو تجويز الروايات على وجه الإطلاق للحلف مطلقاً لإنجاء ماله أو مال غيره كائناً ما كان و هذا العنوان غير عنواني الإكراه و الاضطرار، فإنّ مناط الإكراه و الاضطرار أضيق ممّا تفيده هذه الروايات. أنّه إذا جاز الحلف الكاذب، لجاز نفس الكذب بطريق أولى‌. [1]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین.

الإشکال في الاستدلال بالروایات

قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «يمكن المناقشة فيها بأنّها بصدد بيان حكم آخر و هو جواز الحلف. توضيحه: أنّ الحلف عبارة عن جملة إنشائيّة تأتي بها لتأكيد الجملة الإخباريّة أو الإنشائيّة في بعض الأحيان و هي غير الجملة الإخباريّة المؤكّدة بها و لا تتّصف بالصدق و الكذب و إطلاقهما أحياناً عليها إنّما هو بنحو من التأويل و التسامح، فيقال: اليمين الكاذبة أو الصادقة باعتبار متعلّقهما. و لمّا ورد في الكتاب العزيز النهي عن جعل اللّه- تعالى- عرضةً للأيمان فقال- تعالى: ﴿وَ لٰا تَجْعَلُوا اللّٰهَ عُرْضَةً لِأَيْمٰانِكُمْ ...﴾.[2]

و ورد في الروايات النهي عنها كاذباً أو صادقاً يمكن أن يكون ذاك و ذلك منشأ للشبهة في أنّ اليمين غير جائزة حتّى لإنجاء المال و التخلّص من العشّار[3] و غيره، فسألوا عن حكم اليمين من حيث هي. فلا إطلاق فيها يشمل اليمين المقارنة للجملة الكاذبة؛ لأنّ جواز نفس اليمين غير مربوط و لا ملازم لجواز الكذب؛ بل لا معنى للإطلاق بالنسبة إلى المقارن و المتعلّق؛ فإنّ معنى الإطلاق هو كون نفس طبيعة موضوع حكم من غير دخالة شي‌ء آخر فيه، فتكون الطبيعة في أيّ مورد وجدت محكومةً به و اليمين من حيث هي إنشاء لا كذب فيها و إسراء حكم الكذب عليه من متعلّقه لا معنى له، فتكون الروايات أجنبيّةً عمّا نحن بصدده[4] ». [5]

دفع الإشکال

قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «إنّ تجويز نفس الحلف الكاذب الملازم لجملة خبريّة كاذبة، يلازم عرفاً تجويز نفس الكذب و لا يتمّ أن يقال: إنّ موضوع الجواز نفس الحلف لا الإخبار الواقع بعده؛ لأنّ هذا تفكيك عقليّ لا يتوجّه إليه العرف على أنّ في نفس الروايات قرائن تفيد بأنّ محطّ السؤال و الجواب هو جواز الكذب و الحلف كذباً معاً و هي تظهر بالتأمّل. و الحاصل: أنّه إذا جاز الحلف الكاذب، لجاز نفس الكذب بطريق أولى‌ في نفس المورد الذي يجوز فيه الحلف الكاذب؛ لأنّ المناط التخلّص من ظلم الظالم المجوّز للكذب و الحلف الكاذب». [6]

و منها:[7] عَنْ سَمَاعَةَ[8] قَالَ: قَالَ (ع): «إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِاللَّهِ تَقِيَّةً لَمْ يَضُرَّهُ وَ بِالطَّلَاقِ وَ الْعَتَاقِ أَيْضاً لَا يَضُرُّهُ إِذَا هُوَ أُكْرِهَ وَ اضْطُرَّ إِلَيْهِ وَ قَالَ (ع): «لَيْسَ شَيْ‌ءٌ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا وَ قَدْ أَحَلَّهُ لِمَنِ اضْطُرَّ إِلَيْه‌». [9]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [10] [11] [12]

أقول: إنِ الاضطرار و الضرورة عرفي، فقد یکون مصداق الاضطرار لشخص في زمان أو مکان و لا یصدق له في زمان أو مکان آخر. و هکذا لشخص آخر؛ فإذا قبل العرف تحقّق الاضطرار في مورد، یجوز الکذب لرفعه.

قال بعض الفقهاء (حفظه الله) ذیل الروایة: «حديث الاضطرار، فتامّ غير أنّه يجب تحديد حدّ الاضطرار و أنّه هل يصدق عند توجّه الضرر القليل الذي يدفع بالكذب أو لا؟ فلو فرضنا أنّ العشّار[13] يأخذ درهماً واحداً إذا صدقنا و يخلّينا إذا كذبنا، فهل مثل هذا الضرر القليل مصداق لقوله (ع): «ليس شي‌ء ممّا حرّم اللّه إلّا و قد أحلّه لمن اضطّر إليه»؟. [14]

و منها:[15] عَنْهُ[16] عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ[17] (ع) قَالَ: قُلْتُ إِنَّا نَمُرُّ بِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَيَسْتَحْلِفُونَّا عَلَى أَمَوَالِنَا وَ لَقَدْ أَدَّيْنَا زَكَاتَهَا، فَقَالَ: يَا زُرَارَةُ إِذَا خِفْتَ فَاحْلِفْ لَهُمْ بِمَا شَاءُوا. فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ بِطَلَاقٍ وَ عَتَاقٍ؟ قَالَ: «بِمَا شَاءُوا ...». [18]

أقول: إنّ هذه الروایات جوّزت حلفاً کاذباً لدفع الضرر، فبطریق أولی یجوز الکذب بدون الحلف.

و منها: حدیث الرفع

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارُ (رحمة الله)[19] قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ[20] عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ[21] عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى[22] عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ[23] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعَةٌ الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَا يَعْلَمُونَ[24] وَ مَا لَا يُطِيقُونَ وَ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ وَ الْحَسَدُ وَ الطِّيَرَةُ وَ التَّفَكُّرُ فِي الْوَسْوَسَةِ فِي الْخَلْقِ[25] مَا لَمْ يَنْطِقْ بِشَفَةٍ». [26]

أقول: إنّ حدیث الرفع، حاکم علی الأدلّة الأوّلیّة.

و منها: موثّقة سماعة

عَنْهُ[27] عَنِ الْحَسَنِ[28] عَنْ زُرْعَةَ[29] عَنْ سَمَاعَةَ[30] قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونَ فِي عَيْنَيْهِ الْمَاءُ فَيَنْزِعُ الْمَاءَ مِنْهَا فَيَسْتَلْقِي عَلَى ظَهْرِهِ الْأَيَّامَ الْكَثِيرَةَ أَرْبَعِينَ يَوْماً أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَيَمْتَنِعُ مِنَ الصَّلَاةِ الْأَيَّامَ وَ هُوَ عَلَى حَالٍ؟ فَقَالَ (ع): «لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَ لَيْسَ شَيْ‌ءٌ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ الَّا وَ قَدْ أَحَلَّهُ لِمَنِ اضْطُرَّ إِلَيْهِ».[31]

أقول: یستفاد من الروایة أنّ الاضطرار غیر مبیح لحفظ النفس فقط، بل مبیح المحظور لمثل معالجة العین.

 


[3] أي: مالیات گیرنده، عشر گیرنده، یک‌دهم گیرنده.
[4] جواز الکذب عند الضرورة.
[7] أحمد بن محمّد بن عیسی: محرّف و صحیحه: الحسین بن سعید الأهوازي: إماميّ ثقة.
[8] سماعة بن مهران: إماميّ ثقة.
[9] النوادر، الأشعري، أحمد بن عيسى، ج1، ص75. (هذه الروایة مرفوعة و ضعیفة).
[13] أي: مالیات گیرنده.
[15] أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى [إماميّ ثقة] فِي نَوَادِرِهِ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ [الحسن بن عليّ بن فضّال التیمي: فطحيّ ثقة، من أصحاب الإجماع علی قول] وَ فَضَالَةَ [فضالة بن أیّوب: إماميّ ثقة، من أصحاب الإجماع علی قول] عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ [عبد الله بن بكير بن أعين‌: فطحيّ ثقة من أصحاب‌ الإجماع‌].
[16] زرارة بن أعین الشیباني: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[17] الإمام الباقر (ع).
[18] النوادر، الأشعري، أحمد بن عيسى، ج1، ص73.. (هذه الروایة مسندة و موثّقة)
[19] أحمد بن محمّد بن يحيى‌: العطّار: القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً.
[20] القمّي: إماميّ ثقة.
[21] الأنباري: إماميّ ثقة.
[22] الجهني‌: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع‌.
[23] السجستاني: إماميّ ثقة.
[24] ظاهره معذوريّة الجاهل مطلقاً، لكنّ الفقهاء اقتصروا على موارد خاصّة؛ كالصلاة مع نجاسة الثوب أو البدن أو موضع السجدة أو الثوب و المكان المغصوبين أو ترك الجهر و الإخفات و أمثالها. و المسألة معنونة في كتب أصول الفقه باب البراءة مشروحةً.‌.
[25] كالتفكّر بأنّه- تعالى- كيف خلق الأشياء بلا مادّة و لامثال، أو لأيّ شي‌ء خلق ما يضرّ و لا ينفع بحسب الظاهر، أو لأيّ شي‌ء خلق بعض الأشياء طاهراً و بعضها نجساً أو لأيّ شي‌ء خلق الإنسان من تفاوت و أمثال ذلك.
[27] الحسین بن سعید الأهوازي: إماميّ ثقة.
[28] الحسن بن سعید الأهوازي: إماميّ ثقة.
[29] زرعة بن محمّد الحضرمي: واقفيّ ثقة.
[30] سماعة بن مهران: إماميّ ثقة.
[31] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج3، ص306.. (هذه الروایة مسندة و موثّقة)

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo