< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/04/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ مسوّغات الکذب

وجه الدلالة

إنّ الآية الشريفة تدلّ بالمطابقة على جواز‌ التكلّم بكلمة الكفر و الإرتداد عن الإسلام عند الإكراه و الاضطرار بشرط أن يكون المتكلّم معتقداً باللّه و مطمئنّاً بالإيمان، فتدلّ على جواز الكذب في غير ذلك للمكره بطريق أولى. [1]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکالان في الاستدلال بالآیة

الإشکال الأوّل

قال المحقّق الإیروانيّ (رحمة الله): «الظاهر أنّ الإكراه في الآية على إنشاء التبرّي و الإرتداد، فلا ربط له بمقامنا من الإكراه على الكذب إلّا أن يستفاد منها المناط أو الفحوى أو يقال إنّ إظهار التبرّي و الإرتداد مع سلامة الاعتقاد لا ينفكّ عن الكذب و الإخبار عن عدم الاعتقاد و هو معتقد»‌.[2] [3] هذا مضافاً إلى اختصاصها بمورد الخوف على النفس و ليست عامّةً». [4]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال الثاني

قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «لا دلالة في الآية على جواز الكذب في جميع موارد الاضطرار غير مورد الخوف و التقيّة». [5]

و منها: قوله- تعالی: ﴿لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ في‌ شَيْ‌ءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً ...[6] ﴾.[7] [8]

أقول: إنّ الاستدلال بالآیة الشریفة تامّ لاستثناء التقیّة و جواز اتّخاذ الکافرین أولیاء تقیّةً، مع النهي الصریح عنه. و هذا یدلّ علی جواز الکذب العمليّ أو القولي؛ إذ التقیّة في اتّخاذهم أولیاء تلازم الکذب العمليّ أو القولي. فالآیة تدلّ علی جواز الکذب عند التقیّة التي هي من مصادیق الضرورة. و لا بدّ من تعمیم ذلك في سائر موارد الضرورة بالاستدلال بالروایات.

وجه الدلالة

قال المحقّق الإيروانيّ (رحمة الله): «ربط الآية بالمقام لعلّه من جهة أنّ اتّخاذهم أولياء تقيّةً كذب فعليّ سوّغته التقيّة؛ فإنّه بفعله يظهر الموالاة و هو ليس بموالٍ لهم و الكذب لا فرق في حرمته بين أن يكون قوليّاً أو فعليّاً أو لعلّ طرح المودّة لا يخلو عادةً عن إظهار المحبّة باللسان، فكان كذباً سوّغته الآية لأجل التقيّة»‌. [9]

أقول: کلامه (رحمة الله) في کمال المتانة.

و قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «يجوز إظهار مودّتهم تقيّةً منهم، فتدلّ هذه الآية أيضاً على جواز الكذب في سائر موارد التقيّة بالأولى». [10]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکالان في الاستدلال بالآیة

الإشکال الأوّل

لا يخفى أنّ مدلول الآية غير منطبق على ما نحن بصدد الاستدلال عليه من تجويز الكذب للإضطرار إليه إلّا أن يستفاد منها بتنقيح المناط أو الأولويّة لتجويز الكذب أيضاً في حال التقيّة‌. [11]

أقول: إنّ التقیّة من مصادیق الضرورة، فتدلّ الآیة علی جواز الکذب تقیّةً؛ فتدلّ علی جواز الکذب للضرورة في الجملة. و ثبوت الجواز في بعض الموارد بالأولویّة القطعیّة.

کما قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «لا دلالة في الآية على جواز الكذب في جميع موارد الاضطرار غير مورد الخوف و التقيّة».[12]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال الثاني

قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «الظاهر أنّها بصدد أمر آخر و هو اتّخاذ الكفّار أولياء و المحبّة إليهم و تزاورهم و إعانتهم إلّا أن يقال: إنّ ذلك لا ينفكّ عن الكذب غالباً و هو كما ترى. هذا مضافاً إلى أنّها خاصّة ببعض الموارد». [13]

أقول: إنّ الاستثناء یدلّ علی جواز اتّخاذ الکفّار أولیاء تقیّةً و المحبّة إلیهم تقیّةً. و هذا یلازم الکذب الفعليّ أو القوليّ مع النهي الصریح عن اتّخاذهم أولیاء بدون التقیّة.

و قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «هي لا صلة لها بالكذب؛ لأنّ اتّخاذهم أولياء تقيّةً ليس كذباً قوليّاً و إنّما عمل من الأعمال سوّغته التقيّة، اللّهم إلّا أن يقال: إنّ ذاك الإتّخاذ فعلاً أو قولاً يخبر عن الاعتقاد القلبيّ بولايتهم مع أنّه ليس كذلك». [14]

و منها: قوله- تعالی: ﴿مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾.[15]

أقول: إنّ الکذب عند الضرورة علی أقسام أربعة: الأوّل: الکذب عند الحرج. الثاني: الکذب عند الضرر. الثالث: الکذب عند التزاحم. الرابع: الکذب عند الضرورة العرفیّة الذي یساوق مع العجز العرفي. و الدلیل علی جواز الکذب في موارد الحرج هو آیة نفي الحرج.

الدلیل الثاني: الروایات[16]

الروایات أكثر من أن تحصى و قد استفاضت أو تواترت بجواز الحلف كاذباً لدفع الضرر البدنيّ أو الماليّ عن نفسه أو أخيه. [17] [18] [19]

فمنها: عَنْهُ[20] عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ[21] عَنِ النَّوْفَلِيِّ[22] عَنِ السَّكُونِيِّ[23] عَنْ جَعْفَرٍ (ع) عَنْ أَبِيهِ (ع) عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) عَنْ عَلِيٍّ (ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «إحْلِفْ‌ بِاللَّهِ‌ كَاذِباً وَ نَجِّ أَخَاكَ مِنَ‌ الْقَتْلِ»‌. [24]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [25] [26]

أقول: الاستدلال في مورد القتل لنفسه أو لغیره تامّ و السند صحیح.

و منها: [27] أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ[28] عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَعْدٍ الْأَشْعَرِيِّ[29] عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (ع) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَ لَا يَمِينَ فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ» قَالَ: وَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ أَحْلَفَهُ السُّلْطَانُ بِالطَّلَاقِ وَ غَيْرِ ذَلِكَ فَحَلَفَ؟ قَالَ (ع): «لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» وَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ يَخَافُ عَلَى مَالِهِ مِنَ السُّلْطَانِ، فَيَحْلِفُ لِيَنْجُوَ بِهِ مِنْهُ؟ قَالَ (ع): «لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» وَ سَأَلْتُهُ هَلْ يَحْلِفُ الرَّجُلُ عَلَى مَالِ أَخِيهِ كَمَا عَلَى مَالِهِ؟ قَالَ (ع): «نَعَمْ». [30]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [31] [32]

أقول: الاستدلال لجواز الحلف- و بطریق أولی جواز الکذب- في حفظ مال نفسه و أخیه تامّ و السند صحیح و یرفع الحکم التکلیفيّ و الوضعي، مثل الکفّارة.

و منها: قَالَ الصَّادِقُ (ع): «الْيَمِينُ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى شَيْ‌ءٍ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَفْعَلَ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ الشَّيْ‌ءَ أَوْ يَحْلِفَ عَلَى مَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَفْعَلَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ.[33] وَ الْأُخْرَى: عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَمِنْهَا مَا يُؤْجَرُ الرَّجُلُ عَلَيْهِ إِذَا حَلَفَ كَاذِباً وَ مِنْهَا مَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَ لَا أَجْرَ لَهُ وَ مِنْهَا مَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيهَا وَ الْعُقُوبَةُ فِيهَا دُخُولُ النَّارِ فَأَمَّا الَّتِي يُؤْجَرُ عَلَيْهَا الرَّجُلُ إِذَا حَلَف‌ كَاذِباً وَ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، فَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ فِي خَلَاصِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَوْ خَلَاصِ مَالِهِ مِنْ مُتَعَدٍّ يَتَعَدَّى عَلَيْهِ مِنْ لِصٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَ أَمَّا الَّتِي لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيهَا وَ لَا أَجْرَ لَهُ فَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى شَيْ‌ءٍ ثُمَّ يَجِدُ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنَ الْيَمِينِ فَيَتْرُكُ الْيَمِينَ وَ يَرْجِعُ إِلَى الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَ أَمَّا الَّتِي عُقُوبَتُهَا دُخُولُ النَّارِ فَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَوْ عَلَى حَقِّهِ ظُلْماً فَهَذِهِ يَمِينٌ غَمُوسٌ تُوجِبُ النَّارَ وَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا». [34]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [35]

أقول: تدلّ الروایة علی رجحان الحلف الکاذب- و بطریق أولی رجحان الکذب- لخلاص نفس أخیه أو ماله و لکنّ السند ضعیف.


[6] .مجمع البيان في تفسير القرآن - ط دار المعرفة، الشيخ الطبرسي، ج2، ص730. المعنى: إلّا أن يكون الكفّار غالبين و المؤمنون مغلوبين، فيخافهم المؤمن إن لم يظهر موافقتهم و لم يحسن العشرة معهم، فعند ذلك يجوز له إظهار مودّتهم بلسانه و مداراتهم تقيّةً منه و دفعاً عن نفسه من غير أن يعتقد ذلك و في هذه الآية دلالة على أنّ التقيّة جائزة في الدين عند الخوف على النفس.
[8] . السورة آل عمران؛ 3، الآیة 28.
[11] . حاشیة المکاسب، الشیرازی، محمد تقی، ج1، ص129.
[16] هذه الروایات تدلّ علی جواز الکذب عند الضرورة و جواز الحلف کاذباً عندها.
[20] محمّد بن الحسن الصفّار: إماميّ ثقة.
[21] القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[22] الحسین بن یزید: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[23] إسماعیل بن أبي زیاد: عامّيّ ثقة.
[24] .تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج8، ص300. . (هذه الروایة مسندة، موثّقة علی الأقوی).
[27] محمّد بن یحیی العطّار: إماميّ ثقة.
[28] أحمد بن محمّد بن عیسی الأشعري: إماميّ ثقة.
[29] إماميّ ثقة.
[33] أي: في الصورتين، فإنّ الحلف في الصورة الأولى الوجوب و الكفّارة على صورة المخالفة و في الصورة الثانية وجوب الكفّارة، دون أصل الوجوب؛ لأنّه كان واجباً عليه بدون الحلف؛ نعم، صار وجوب ذلك الفعل مؤكّداً حتّى صار تركه أقبح.
[34] .من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج3، ص367. (هذه الروایة مرفوعة و ضعیفة).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo