< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ مسوّغات الکذب

صرّح الإمام الخمینيّ (رحمة الله) بجواز القول بغیر علم في الأمور العادیّة. [1]

دلیل الجواز

قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «إنّ مقتضى الأصول العقليّة و النقليّة جواز الإخبار عن قضيّة مشكوك فيها، فلو شكّ في أنّ زيداً قائم يجوز له الإخبار بقيامه؛ لأنّه من الشبهة المصداقيّة لأدلّة الكذب». [2]

یلاحظ علیه: بالملاحظة السابقة؛ نعم، لو قال بنحو الاحتمال و لا تترتّب علیه المفاسد- مثل الکذب و الغیبة و التهمة و الإیذاء و أمثالها- فیمکن القول بجوازه و إن کان یوجب سلب الاعتماد العموميّ بالنسبة إلی المخبر و یوجب الشكّ في کلّ إخباره و لو کان صادقاً و یدخل في قوله (ع): «إتّقوا من مواضع التهم». و هذه الأخبار المشکوکة فیها لا یدخل تحت قوله (ع): «رفع ما لا یعلمون»؛ لأنّ الدلیل علی حرمتها موجودة غالباً، لانطباق العناوین المحرّمة علیها غالباً؛ مضافاً إلی حکم العقلاء بقبح ذلك.

المقام الرابع: في مسوّغات الکذب

أقول: إنّ مسوّغات الکذب، کذب موضوعاً و لکن جائز حکماً. و المراد من الجواز في المقام لیس المباح؛ أي: متساوي الطرفین؛ فالمراد من الجواز فیه، عدم الحرمة، سواء کان مباحاً أو مستحبّاً أو واجباً.

الأوّل: الضرورة [3]

إتّفق الفقهاء علی جواز الکذب عند الضرورة‌ [4] [5] [6] [7] [8]

أقول: الحقّ هو جواز الکذب عند الضرورة. و المراد من الضرورة ما یشمل الضرورة العرفیّة. و الدلیل علیه قوله (ع): «رفع ما اضطرّوا إلیه» و یشمل دفع الضرر عن نفسه أو إنسان آخر غیر مهدور الدم، کما في بعض الروایات؛ مثل: روایة العشّار الذي یأخذ العشر و أجاز (ع) الحلف کاذباً لخلاص نفسه أو لغیره، کما سبق. [9] و یشمل باب التزاحم؛ مثل تزاحم حرمة الکذب مع حرمة شيء آخر، مثل الإعانة علی الظلم أو الضرر علی النفس أو الغیر. و لا بدّ من ملاحظة مرجّحات باب التزاحم. و یشمل أیضاً ما لو کان التحرّز عن الکذب یوجب الحرج و ما جعل علیکم في الدین من حرج و لا یشمل جواز الکذب لمورد جلب النفع لنفسه أو غیره؛ لعدم الدلیل علیه.

قال السیّد الحکیم (رحمة الله): «إنّه يجوز الكذب لدفع الضرر عن نفسه أو عن المؤمن». [10] [11] [12] [13] [14] [15]

أدلّة جواز الکذب عند الضرورة‌

الدلیل الأوّل: الآیات

فمنها: قوله- تعالی: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمانِ ... ﴾.[16]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [17] [18]

أقول: أمّا بالنسبة إلى الكتاب الكريم- فيكفينا قوله- تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمانِ ...﴾ بتقريب أنّ الآية الكريمة دلّت على أنّ من أكره على الكفر و لكنّه مؤمن قلباً فلا بأس و أن يظهر الكفر. و هذا نحو من الكذب و الآية الكريمة قد جوّزته لأجل الإكراه، يعني لأجل الضرورة.

أقول: الاستدلال بهذه الآية الكريمة يحتاج إلى أن نلغي خصوصيّات:

الخصوصيّة الأولى: كون الضرر ناشئاً من الإكراه، فإنّ الضرر هنا قد نشأ من الإكراه و نحن کلامنا في مطلق الضرر و لا يختصّ بالناشئ من الإكراه، فلا بدّ و أن نقول إنّ العرف لا يرى خصوصيّةً للإكراه. إنّما الإكراه له دور بما أنّه يسبّب الضرر بالنظر العرفي؛ فحينئذٍ أيّ ضررٍ يجوز لأجله الكذب، سواء نشأ من الإكراه أو من غيره، فنلغي هذه الخصوصيّة و إلغاؤها عرفاً ليس ببعيد.

الخصوصيّة الثانية: هي كون المورد هو الكفر، فإنّ الآية الكريمة وردت في الكفر، فحينئذٍ كيف نجوّز الكذب في غير الكفر؟ هنا يمكن التمسّك بفكرة الأولويّة فيقال: إذا فرضنا أنّ الضرر جوّز الكفر كذباً فبالأولى يجوز الكذب لشيءٍ آخر غير الكفر مادام هناك خوف الضرر، فإذن لا نحتاج إلى إلغاء الخصوصيّة عرفاً، بل للأولويّة القطعيّة.

الخصوصیّة الثالثة: اختصاص الآیة بمورد الخوف علی النفس و التقیّة و لا تشمل الخوف علی الغیر؛ فعلی هذا تدلّ الآیة علی جواز الکذب في مورد الإکراه و ما دونه في الکفر و ما دونه في الخوف علی النفس، دون الخوف علی الغیر، فیثبت المدّعی في الجملة بالآیة الشریفة؛ فلا بدّ من التماس دلیل آخر، کما هو في الروایات و قد سبق بعضها.


[3] لا ينبغي الريب في كون الكذب كسائر المحرّمات في ارتفاع حرمته بالإكراه و الاضطرار، كما هو مقتضى حديث رفع الإكراه و الاضطرار.
[7] . رساله آموزشی، الامام الخامنه ای، السید علی، ج2، ص88.
[9] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج6، ص127. عَلِيٌّ [عليّ بن إبراهیم بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة] عَنْ أَبِيهِ [إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ [محمّد بن أبي عمیر زیاد: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع] عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ [إماميّ ثقة] عَنْ زُرَارَةَ [زرارة بن أعین: الشیباني: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع] عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ [الإمام الباقر] (ع) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ وَ عِتْقِهِ فَقَالَ لَيْسَ طَلَاقُهُ بِطَلَاقٍ وَ لَا عِتْقُهُ بِعِتْقٍ فَقُلْتُ إِنِّي رَجُلٌ تَاجِرٌ أَمُرُّ بِالْعَشَّارِ وَ مَعِي مَالٌ فَقَالَ (ع): «غَيِّبْهُ مَا اسْتَطَعْتَ وَ ضَعْهُ مَوَاضِعَهُ» فَقُلْتُ: وَ إِنْ حَلَّفَنِي بِالطَّلَاقِ وَ الْعَتَاقِ، فَقَالَ (ع): «احْلِفْ لَهُ ثُمَّ أَخَذَ تَمْرَةً فَحَفَنَ [الحفن: أخذك الشي‌ء براحتك و الأصابع مضمومة. و في بعض النسخ: فحفر بها. و في بعضها: فحفّ بها] بِهَا مِنْ زُبْدٍ [أي: کره] كَانَ قُدَّامَهُ فَقَالَ (ع): «مَا أُبَالِي حَلَفْتُ لَهُمْ بِالطَّلَاقِ وَ الْعَتَاقِ أَوْ أَكَلْتُهَا». (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی).
[12] . جامع الاحکام الشرعیه، ج1، ص266.
[15] . منهاج الصالحین، التبریزی، میرزا جواد، ج2، ص14.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo