< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/04/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ حکم الکذب فی الانشاء

التذنیب الثاني: هل یجري حکم الکذب في الإنشاء المنبئ عن الخبر أم لا؟

هنا قولان:

القول الأوّل: الجریان. [1] [2] [3] [4] [5] [6] [7]

أقول: هو الحق؛ فإنّ من یقول قولاً له لازم عرفيّ و اللازم کذب، فیتّصف الشخص بالکذب. و هکذا من یعمل عملاً یلازم الکذب و یترتّب علیه آثار فاسدة، کمن یتکدّي اللازم لکونه فقیراً فیقول العرف هو کاذب، أي في عمله کذب. و هکذا سائر الأمثلة و المعیار هو العرف، فإنّ الخضاب عرفيّ و لا یقول العرف بأنّه کاذب. و هکذا تجمیل النساء لا یقول العرف بأنّه کاذب، إلّا إذا کان بحیث یوجب الغشّ في المعاملات و النکاح و أمثالها، فهکذا کلّها نوع کذب، فإذا قال العرف بأنّه کذب أو کاذب، فهو کذب و کاذب و إلّا فلا. و الغشّ في المعاملات و إن کان عنواناً آخر غیر الکذب و لکن قد یلازم الکذب قولاً أو عملاً. و العرف شاهد و معیار في ذلك کلّه. و الظاهر أنّ اللوازم القریبة التي ینتقل العرف عند سماع الکلام إلی تلك اللوازم، فیأتي الکذب فیها إذا کان غیر مطابق للواقع. و أمّا اللوازم البعیدة التي لا ینتقل العرف عند سماع الکلام إلی تلک اللوازم، فلا یأتي الکذب فیها.

قال السیّد العامليّ (رحمة الله): «قد يجري حكمه[8] في الإنشاء المنبئ عن الخبر؛ كوعد غير العازم».[9]

و قال کاشف الغطاء (رحمة الله): «يجري الحكم في الإنشاء المنبئ عنه مع قصد الإفادة؛ كمدح المذموم و ذمّ الممدوح و تمنّي المكاره و ترجّي غير المتوقّع و إيجاب غير الموجب و ندب غير النادب و عدّ[10] غير العازم إلى غير ذلك ممّا يلزمه الإغراء بالجهل».[11]

أقول: یمکن المناقشة في بعض الأمثلة.

و قال الشيخ الأنصاريّ (رحمة الله): «قوله (ع): «و لا أن يعد أحدكم صبيّه ثمّ لا يفي له لا بدّ أن يراد منه النهي عن الوعد مع إضمار عدم الوفاء و هو المراد ظاهراً بقوله- تعالى: ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ﴾[12] بل الظاهر عدم كونه كذباً حقيقيّاً و أنّ إطلاق الكذب عليه في الرواية- لكونه في حكمه من حيث الحرمة أو لأنّ الوعد مستلزم للإخبار بوقوع‌ الفعل؛ كما أنّ سائر الإنشاءات كذلك». [13]

أقول: لا بدّ من مراجعة العرف في صدق الکذب؛ فإنّ الکذب لیس له حقیقة شرعیّة، بل المتبادر منه عند العرف هو المعیار.

و قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «... أن يخبر المتكلّم عن عزمه على الوفاء بشي‌ء، كأن يقول لواحد: إنّى عازم على أن أعطيك درهماً و لا شبهة في كون هذا من أفراد الخبر و عليه فإن كان حين الإخبار عازماً، فهو صادق و إلّا فهو كاذب؛ فتشمله أدلّة حرمة الكذب». [14]

و قال (رحمة الله) في موضع آخر: «لو كان حال الوعد بانياً على الخلف، فالظاهر حرمته». [15]

و قال بعض الفقهاء[16] (رحمة الله): «الأحوط وجوباً ترك الوعد كذباً». [17]

أقول: بعد وجود الآیات و الروایات الصحیحة الصریحة لا دلیل علی الاحتیاط، بل لا بدّ من الفتوی بوجوب الوفاء بالوعد.

دلیل القول الأوّل

قال بعض الفقهاء (رحمة الله): «الظاهر ترتّب حكم الكذب عليها؛ لاشتراك الجميع في إظهار خلاف الواقع و إبطال الحقّ و إحقاق الباطل؛ بل ربما يكون أشدّ عقاباً من الكذب من جهة المفاسد الخارجيّة المترتّبة عليها». [18]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

کما قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «[یجري حکم الکذب] [19] لأنّ الجملة الخبريّة حاكية عن إضماره الوفاء مع أنّ الواقع ليس كذلك، فبهذا الإعتبار يصحّ أن يوصف الكلام بالصدق و الكذب». [20]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین.

ذهب الإمام الخامنئيّ (حفظه الله) إلی جریان حکم الکذب إذا کان الإنشاء متضمّناً للإخبار و أرید لازمه و اللازم مخالف للواقع.

القول الثاني: عدم الجریان. [21] [22]

قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «كذا الوعد[23] و لو مع إضمار عدم الإنجاز». [24]

أقول: لا دلیل علیه بعد دلالة الآیات و الروایات الصحیحة الصریحة في وجوب الوفاء بالوعد.

قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله) بعد الفحص و التحقیق في بعض الروایات المربوطة: «تحصّل ممّا مرّ أنّ ... الإنشاءات و الأفعال المفيدة فائدة الكذب لا تكون محرّمةً». [25]

أقول: لا دلیل علیه بعد صراحة الآیات و الروایات.

دلیل القول الثاني

قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «الإنشاءات و الأفعال المفيدة فائدة الكذب لا تكون محرّمةً؛ للأصل و قصور الأدلّة؛ بل دلالة بعض الروايات على الجواز». [26]

أقول: لا دلیل علی الجواز.

قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «الظاهر أنّ أدلّة الحرمة لا تشمل لوازم الكلام و لا أقلّ من الشك؛ فالأصل البراءة». [27]

أقول: قد یکون لوازم الکلام من اللوازم البعیدة عند العرف، فهذا لا یعدّ کذباً عند العرف؛ لعدم انتقال العرف إلی اللوازم البعیدة. و أمّا اللوازم القریبة التي ینتقل العرف عند سماع الکلام إلیها، فهي من مصادیق الکذب عرفاً.

التذنیب الثالث: في القول بغیر علم (حکم الإخبار عن قضیّة مشکوك فیها)

إنّ الفتوی بغیر علم (القول بغیر علم في أحکام الدین) حرام قطعاً و لا شكّ فیه. و الإخبار عن الله و رسوله بغیر علم حرام قطعاً و لا شكّ فیه.[28]

أقول: إنّ الفتوی بغیر حجّة معتبرة حرام قطعاً. و الإخبار عن الله و رسوله و کلّ إنسان بغیر حجّة معتبرة، حرام؛ لأنّ نسبة خبر إلی شخص بغیر دلیل معتبر إمّا غیبة له أو تهمة له، فإمّا یکون غیر مطابق للواقع، فیدخل في الکذب، فإمّا یدخل تحت عنوان الکذب أو التهمة أو الغیبة، مع تحقّق شرائطها. و أمّا الإخبار المشکوك فیه إن کان مطابقاً للواقع، فیخرج عن الکذب واقعاً و لکن یدخل فیه طبق بعض الروایات؛ کقوله (ص): «يَا أَبَا ذَرٍّ! كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَهُ». [29] و کقوله (ع): «... كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ...‌». [30]

و قد یترتّب علی هذا الإخبار مفاسد عظیمة و الأحکام تابعة للمصالح و المفاسد و الشارع یحکم بالحرمة في ما کان الغالب فیه المفسدة و إن کان بعض الأخبار المشکوکة فیها لا تترتّب علیها المفسدة و لکن یوجب سلب الاعتماد عن کلّ المجتمع؛ فالأخبار المشکوکة فیها غالباً یدخل تحت أحد العناوین المحرّمة، مثل الکذب إن کان مخالفاً للواقع و مثل الغیبة علی فرض مطابقتها للواقع و النسبة إلی شخص لا بدّ من حفظ عرضه. و قد سبق منّا في بحث الغیبة أنّ غیبة کلّ إنسان حرام و هکذا التهمة بکلّ إنسان حرام بما هو إنسان و إن لم یکن مؤمناً، خصوصاً إذا کان الإخبار بنحو البتّ و الجزم. و کلّ المفاسد؛ مثل صنع الشائعة من قبل المعاندین و غیرهم یأتي من هذه الجهة. و هکذا قد یدخل تحت عنوان الإیذاء المحرّم.


[8] حکم الکذب؛ أي: الحرمة التکلیفیّة.
[10] الصحیح: و وعد.
[16] الشیخ التبریزي.
[19] الزیادة منّا.
[23] أي: ليس كذباً.
[29] الأمالي - ط دار الثقافة، الشيخ الطوسي، ج1، ص535. و جاء فیه: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ (رحمة الله)، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ [معتبر] عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ [محمّد بن عبد الله أبو المفضّل الشيباني‌: ضعیف]، قَالَ: حَدَّثَنَا رَجَاءُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَبَرْتَائِيُّ الْكَاتِبُ [إماميّ لم تثبت وثاقته] سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَ ثَلَاثِ مِائَةٍ وَ فِيهَا مَاتَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ [واقفيّ ثمّ غلا]، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصَمُّ [ضعیف غالٍ] عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ [النهدي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع] عَنْ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَيٍّ الْهُنَائِيِّ [وهب بن عبدالله بن أبي داود الهنابي [مهمل]، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَرْبِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ [مهمل] عَنْ أَبِيهِ أَبِي الْأَسْوَدِ [ظالم بن ظالم أبو الأسود الدؤلي: ممدوح عندنا و لکن لم تثبت وثاقته]، قَالَ: قَدِمْتُ الرَّبَذَةَ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ جُنْدَبِ بْنِ جُنَادَةَ فَحَدَّثَنِي أَبُو ذَرٍّ [إماميّ ثقة]، قَالَ: دَخَلْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي صَدْرِ نَهَارِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ| فِي مَسْجِدِهِ، فَلَمْ أَرَ فِي الْمَسْجِدِ أَحَداً مِنَ النَّاسِ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ (ص) وَ عَلِيٌّ (ع) إِلَى جَانِبِهِ جَالِسٌ، فَاغْتَنَمْتُ خَلْوَةَ الْمَسْجِدِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي أَوْصِنِي بِوَصِيَّةٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا.. (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود الرواة المهملین و الضعاف في سندها)
[30] .معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ج1، ص159. و جاء فیه: أَبِي (رحمة الله) قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [القمّي: إماميّ ثقة] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى [الأشعري: إماميّ ثقة] عَنِ الْحُسَيْن‌ بْنِ سَيْفٍ [الحسین بن سیف بن عمیرة: مختلف فیه و هو إماميّ ظاهراً و لکن لم تثبت وثاقته] عَنْ أَخِيهِ عَلِيِّ بْنِ سَيْفٍ [بن عمیرة: إماميّ ثقة] عَنْ أَبِيهِ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ [إماميّ ثقة] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَارِدٍ [التمیمي: إماميّ ثقة] عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ [مولی آل سام: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً] قَالَ: .... . (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود حسین بن سیف بن عمیرة في سندها و هو لم یرد فیه مدح و لا توثیق)

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo