< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/04/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ الکذب الهزلی

قال الشيخ الأنصاريّ (رحمة الله): «إنّ ظاهر الخبرين الأخيرين، خصوصاً المرسلة، حرمة الكذب حتّى في الهزل و يمكن أن يراد بها الكذب في مقام الهزل».[1]

الإشکال في کلام الشیخ الأنصاري

بل ظاهرهما رجحان الإجتناب بالأعمّ من الإلزاميّ و غير الإلزامي، كما هو مقتضى مادّة اتّقوا و مادّة لا يصلح و لا ينافي هذا حرمة قسم الجد؛ بل يمكن أن يقال إنّ «اتّقوا» في المرسلة للإستحباب و ذلك باعتبار المجموع من حيث المجموع من الجدّ و الهزل؛ فلا ينافي وجوب اجتناب قسم الجدّ و يشهد لما قلناه ما اشتملت عليه من التعليل‌. [2]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین و یمکن أن یقال: «لا یصلح» استعمل في الأعمّ من الوجوب و الاستحباب، أي مطلق رجحان الترك الشامل لهما. و هکذا في قوله «اتّقوا».

و منها: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ (رحمة الله)، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ[3] عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ[4] ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَجَاءُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَبَرْتَائِيُّ الْكَاتِبُ[5] سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَ ثَلَاثِ مِائَةٍ وَ فِيهَا مَاتَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ[6] ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصَمُّ[7] عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ[8] عَنْ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَيٍّ الْهُنَائِيِّ[9] ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَرْبِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ[10] عَنْ أَبِيهِ أَبِي الْأَسْوَدِ[11] ، قَالَ: قَدِمْتُ الرَّبَذَةَ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ جُنْدَبِ بْنِ جُنَادَةَ[12] فَحَدَّثَنِي أَبُو ذَرٍّ، قَالَ: دَخَلْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي صَدْرِ نَهَارِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (ص) فِي مَسْجِدِهِ، فَلَمْ أَرَ فِي الْمَسْجِدِ أَحَداً مِنَ النَّاسِ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ (ص) وَ عَلِيٌّ (ع) إِلَى جَانِبِهِ جَالِسٌ، فَاغْتَنَمْتُ خَلْوَةَ الْمَسْجِدِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي أَوْصِنِي بِوَصِيَّةٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا. ... «يَا أَبَا ذَرٍّ! وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ ...». [13]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [14] [15]

أقول: الروایة ضعیفة سنداً و دلالةً، حیث لا تدلّ علی حرمة الکذب الهزلي، بل تدلّ علی حرمة الإخبار کذباً لیضحك القوم. و هذا غیر الکذب الهزليّ مع قیام القرینة علی ذلك.

أقول: لم یصرّح في هذه الروایة بخصوص الهزل. للکذب معانٍ مختلفة و قدر متیقّنه هو الکذب بداع الجد. و للإضحاك مصادیق کثیرة. و لیس جمیع موارده الهزل؛ فیمکن أن تکون للکذب هنا عدة معانٍ و نحن نقول قدر متیقّن الکذب هو الکذب عن داع الجد. و هو لا یشمل الهزل. و لهذا أنّ الخطاب و العقاب في الروایة یمکن أن ینصرف عن الهزل؛ لأنّه یمکن أن یضحك الناس بالکذب الجدّي.

القول الثالث: الجواز. [16]

قال المحقّق الإيروانيّ (رحمة الله): «يمكن أن يقال إنّ «اتّقوا» في المرسلة للإستحباب و يشهد لما قلناه ما اشتملت عليه من التعليل».[17] [18]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

القول الرابع: الحرمة إذا قصد الحکایة و الإخبار. [19] [20]

أقول: المعیار هو المتفاهم العرفيّ و لیس القصد دخیلاً في حج[یّة الظواهر؛ فإذا کان المتفاهم العرفيّ إخباراً عن الواقع، فإن کان مخالفاً له، فیکون کذباً. و أمّا لو خرج عن الإخبار عن الواقع، بل قامت القرینة علی کونه في مقام الهزل و عدم الإخبار عن الواقع، فیخرج عن الکذب موضوعاً، کما سبق.

قال بعض الفقهاء (رحمة الله): «يحرم الكذب و لا فرق في الحرمة بين ما يكون في مقام الجدّ و ما يكون في مقام الهزل؛ نعم، إذا تكلّم بصورة الخبر هزلاً بلا قصد الحكاية و الإخبار، فلا بأس به». [21] [22]

کما قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «يحرم الكذب و لا فرق في الحرمة بين ما يكون في مقام الجد و ما يكون في مقام الهزل ما لم ينصب قرينةً حاليّةً أو مقاليّةً على كونه في مقام الهزل و إلّا ففي حرمته إشكال. و لو تكلّم بصورة الخبر هزلاً بلا قصد الحكاية و الإخبار، فلا بأس به». [23]

أقول: یمکن إرجاع بعض الأقوال إلی بعض، فتأمّل.

تذنیب: في الهزل المحض

الهزل هو الكلام الفاقد للقصد[24] إلى تحقّق مدلوله. [25]

قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «قد يكون الكلام بنفسه مصداقاً للهزل بحيث يقصد المتكلّم إنشاء بعض المعاني بداعي الهزل المحض من غير أن يقصد الحكاية عن واقع ليكون إخباراً و لا يستند إلى داعٍ آخر من دواعي الإنشاء. و مثاله أن ينشئ المتكلّم وصفاً لأحد من حضّار مجلسه بداعي الهزل؛ كإطلاق البطل على الجبان». [26]


[3] معتبر.
[4] محمّد بن عبد الله أبو المفضّل الشيباني‌: ضعیف.
[5] إماميّ لم تثبت وثاقته.
[6] واقفيّ ثمّ غلا.
[7] ضعیف غالٍ.
[8] النهدي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[9] محرّف و الصحیح: وهب بن عبدالله بن أبي دبيّ [داود] الهنائي [الهنابي]: مهمل.
[10] مهمل.
[11] ظالم بن ظالم أبو الأسود الدؤلي: ممدوح عندنا و لکن لم تثبت وثاقته.
[12] أبوذر الغفاري: إماميّ ثقة.
[13] الأمالي - ط دار الثقافة، الشيخ الطوسي، ج1، ص537.. . (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود الرواة المهملین و الضعاف في سندها)
[17] فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَذَبَ فِي الصَّغِيرِ اجْتَرَأَ عَلَى الْكَبِير.
[19] . منهاج الصالحین، التبریزی، المیرزا جواد، ج2، ص14.
[21] . منهاج الصالحین، التبریزی، المیرزا جواد، ج2، ص14.
[24] أي: عدم القصد إلى الجدّيّة. و بعبارة أخری: أن المتكلّم لا يقصد مدلول الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo