< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/04/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ الکذب الهزلی

کلام بعض الفقهاء في المقام

قال (رحمة الله): «يعتبر في تحققّه القصد الجدّي، فلو أخبر بلا قصد لا يكون حراماً. و كذا لو كان بعنوان الهزل و اللغو؛ لعدم تحقّق القصد الجدّيّ فيهما أيضاً. نعم، لو كذب مع القصد الجدّيّ في مقام الهزل و اللغو يشمله دليل الحرمة و عليه يحمل ما تقدّم من قول عليّ (ع): «لا يصلح من الكذب جدّ و لا هزل»».[1]

أقول: إنّ قصد الجدّ و الهزل یؤثّر في ترتّب الثواب و العقاب. و سائر الآثار الاجتماعیّة و السیاسیّة و هکذا في المرافعات الحقوقیّة کلّها مربوطة بالظواهر و المتفاهم العرفيّ من الکلمات. و ادّعاء عدم القصد لا یقبل في هذه المقامات؛ بل الظواهر حجّة ما لم تقم قرینة حالیّة أو مقالیّة علی خلافها.

حکم الکذب الهزليّ تکلیفاً

هنا أقوال:

القول الأوّل: التحریم مع عدم القرینة. [2] [3] [4] [5] [6]

أقول: هو الحقّ و ستأتي الأدلّة علی ذلك؛ لأنّ المعیار هو المتفاهم العرفي. و القرینة توجب انقلاب الظهور و تخرج الکلام من الإخبار الجدّيّ التي یحتمل الصدق و الکذب، فیخرج عن الکذب موضوعاً.

قال السیّد العامليّ (رحمة الله): «الهزل من غير قرينة داخل في اسمه[7] أو حكمه». [8] [9] [10]

و قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «إنّ الظاهر أنّ الأخبار المطلقة منصرفة عن الكذب في مقام الهزل و إن فرض الإخبار بالواقع لهذا الغرض، لكن مع قيام قرينة حاليّة أو مقاليّة شاهدة على الهزل، كما لو كان المجلس من المجالس التي اُعدّت له». [11]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

و قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «لا تدور المحرّمات مدار المفاسد الفرديّة، بل النوعيّة، فإذا شمل عنوانها لمصداق جرى عليه حكمه؛ نعم، إذا قامت القرائن الحاليّة أو المقاليّة على إرادة المجاز أو الكناية من اللفظ و لو‌ لكونه في مقام الهزل، خرج من عنوان الكذب لوجود القرينة، كما هو ظاهر؛ فالأحوط لو لم يكن أقوى وجوب الاجتناب عن الجميع إلّا في موارد قيام القرينة ممّا لا يسمّى كذباً». [12]

أقول: إنّ البحث فیما قامت القرینة علی الهزل؛ فإنّ هذا یخرج عن الکذب موضوعاً؛ فإنّ التسمیة تدور مدار المتفاهم العرفي.

القول الثاني: التحریم. [13] [14] [15] [16]

قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «هذا لا شبهة في كونه من الكذب؛ فإنّه عبارة عن الخبر غير الموافق للواقع و اختلاف الدواعي لا يخرجه عن واقعه و حقيقته و إذن فيكون مشمولاً لما دلّ على حرمة الكذب». [17]

أقول: إنّ الظاهر من کلامه (رحمة الله) أنّ القصد و اختلاف الدواعي لا یوجب الخروج عن الکذب؛ بل الظواهر حجّة ما لم تقم قرینة علی خلافها، فیمکن أن یقال: إنّ المحقّق الخوئيّ (رحمة الله) موافق مع القول الأوّل؛ إذ القول الأوّل و الثاني کلاهما متّفقان علی أنّ اختلاف الدواعي لا یخرجه عن واقعه، بل لا بدّ من إقامة القرینة التي توجب انقلاب الظهور.

الدلیل علی تحریم الکذب الهزلي: الروایات

فمنها: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا[18] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ[19] عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ[20] عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ[21] عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ[22] قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع) يَقُولُ لِوُلْدِهِ: «اتَّقُوا الْكَذِبَ الصَّغِيرَ مِنْهُ وَ الْكَبِيرَ فِي كُلِّ جِدٍّ وَ هَزْلٍ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَذَبَ فِي الصَّغِيرِ اجْتَرَى عَلَى الْكَبِيرِ أَ مَا عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ مَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَصْدُقُ حَتَّى يَكْتُبَهُ اللَّهُ صِدِّيقاً وَ مَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ حَتَّى يَكْتُبَهُ اللَّهُ كَذَّاباً». [23]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [24] [25]

أقول: هذه الروایة مخدوشة سنداً لإرساله. و أمّا الدلالة فلیست دالّةً علی حرمة الکذب الهزليّ بنفسه بل یجتنب للاجتراء علی الکبیر؛ فمراتب الکذب کثیرة، الکبیر و الصغیر و کلّ منهما جدّ و هزل. و المسلّم یجب اجتناب الکبیر بنفسه. و أمّا الصغیر في الجدّ فمحرّم، لکونه کذباً. و أمّا الصغیر من الهزل فالاجتناب مقدّميّ و لیس واجباً نفسیّاً؛ فاستفادة الحرمة النفسیّة مشکلة، مع إرسال الروایة.

أقول: ليس من البعيد أنّ النهي في الروایة إرشادي، أي حاول أن تجنّب لسانك عن الكذب حتّى في الهزل و إلّا سوف يجرّ إلى الكذب في غير الهزل.

و منها: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارُ[26] (رحمة الله) قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي[27] عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ[28] عَنْ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ الْقَنْدِيِّ[29] عَنْ أَبِي وَكِيعٍ[30] عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ[31] عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ[32] عَنْ عَلِيٍّ (ع) قَالَ: «لَا يَصْلُحُ مِنَ الْكَذِبِ جِدٌّ وَ لَا هَزْلٌ ...». [33]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [34]

أقول: هذه الروایة مخدوشة سنداً- لضعف السند- و دلالةً، لعدم دلالة «لا یصلح» علی الحرمة، بل ظاهر في الکراهة.


[5] . استفتائات جدید، التبریزی، المیرزا جواد، ج2، ص230.
[7] الکذب.
[16] . رساله آموزشی، الامام الخامنه ای، السید علی، ج1، ص85.
[18] هم عليّ بن ابراهیم بن هاشم القميّ [إماميّ ثقة] و عليّ بن عبد الله بن أذینة [لعلّه هو عليّ بن محمّد بن عبدالله أبو القاسم بن عمران و قد یعنون بعليّ بن محمّد بن بندار: إماميّ ثقة] و أحمد بن عبد الله بن أمیّة [لعلّه هو أحمد بن عبد الله بن أحمد [البرقي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً] و أیضاً أحمد بن عبد الله بن بنت البرقي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً] و عليّ بن الحسین [السعد آبادي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً].
[19] البرقي: إماميّ ثقة.
[20] إسماعیل بن مهران بن محمّد بن أبي نصر: إماميّ ثقة.
[21] إماميّ ثقة.
[22] الإمام الباقر (ع).
[26] العطّار: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً.
[27] محمّد بن یحیی العطّار: إماميّ ثقة.
[28] الأنباري: أماميّ ثقة.
[29] من رؤساء الواقفة و الظاهر أخذ المشایخ عنه قبل وقفه و هو إماميّ ثقة.
[30] الجرّاح بن ملیح بن عديّ الرؤاسي: عامّيّ غیر ثقة.
[31] عمرو بن عبدالله أبو إسحاق السبیعي: إماميّ لم تثبت وثاقته.
[32] الحارث بن عبدالله الأعور: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً.
[33] .الأمالي، الشيخ الصدوق، ج1، ص505.. (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود أبي وکیع في سندها و هو عامّي غیر ثقة)

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo