< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/04/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ الکذب الهزلی

إحتمال آخر للکذب الهزليّ من الشیخ الأنصاري

يمكن أن يراد بها[1] الكذب في مقام الهزل. [2]

قال الشيخ الأنصاريّ (رحمة الله): «يمكن أن يراد بها الكذب في مقام الهزل». [3]

کما قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «قد يكون الهازل بكذبه مخبراً عن الواقع و لكن بداع المزاح و الهزل من دون أن يكون إخباره مطابقاً للواقع، كأن يخبر أحداً بقدوم مسافر له أو حدوث حادث ليغترّ المخاطب بقوله، فيتّرتب عليه الأثر، فيضحك منه الناس». [4]

توضیح کلام الشیخ الأنصاري

يكون المراد بالكذب في الهزل الكذب في مقام الهزل بأن يقحم الكلام الكاذب في طيّ الكلمات الصادرة منه على وجه الهزل و مثله قوله (ع): «لا يصلح من الكذب جدّ و [لا] هزل» يمكن أن يكون المراد به أنّه لا يصلح من الكذب و هو الكلام الذي قصد به معنى مخالف للواقع ما وقع في مقام الهزل، فيكون الموصوف بالحرمة ذلك الكلام الذي قصد به معنى مخالف للواقع و على هذا لا يكون نفس الهزل الذي لم يقصد به المعنى متّصفاً بالحرمة، فتدبّر. ثمّ إنّ قوله، خصوصاً المرسلة إشارة إلى أنّ للمرسلة خصوصيّة في الدلالة على الحرمة؛ لوقوع التعبير فيها بقوله (ع) «اتّقوا» و وقوع التعبير في رواية الحارث الأعور بقوله (ع) «لا يصلح». [5]

أقول: قد سبق أنّ الأدلّة لا تدلّ علی حرمة الکذب في الهزل؛ لأنّ الروایتین غیر معتبرتین سنداً و الدلالة غیر تامّة.

الإشکالات في کلام الشیخ الأنصاري

الإشکال الأوّل علی عبارة الشیخ (لا يبعد أنّه غير محرّم مع نصب القرينة على إرادة الهزل)

بل مطلقاً بناءً على مذاقه في التورية أنّها ليست بكذب و قد قوّينا سابقاً أنّ الكذب يحصل بعدم مطابقة المراد للواقع لا بعدم مطابقة الظهور له؛ نعم مع نصب القرينة يخرج عن الكذب حتّى على مذاق من يرى ضابط الصدق و الكذب مطابقة الظهور و لا مطابقته، فإنّ الظهور بعد قيام القرينة على المزاح يقتضي عدم تحقّق مضمون الجملة حتّى لو كان متحقّقاً كان كذباً‌ً. [6]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال الثاني

إن كان الكذب كذب جدّ لا كذب هزل و إن كان صادراً في مقام الهزل لم يكن من محلّ توهّم الجواز ليصرّح بتعميم التحريم؛ لعدم اختصاصه بخصوصيّة من سائر أفراد الكذب الجدّيّ مع أنّه لو أريد من الكذب‌ في الهزل الكذب في مقام الهزل، اقتضت قرينة المقابلة أن يراد من الكذب في الجدّ الكذب في مقام الجدّ و إن كان كذب هزل، فيدخل الكذب هزلاً تحت الكذب في الجدّ؛ فيكون متيقّن التحريم بالنسبة إلى الكذب الجدّيّ في مقام الهزل مع أنّه ليس كذلك ... . على هذا نقول ينبغي أن لا يكون المراد من الهزل حقيقة الهزل و عدم القصد الجدّيّ للمعنى؛ بل نظير عدم القصد إلى الوفاء بالوعد؛ فإنّ الإخبار بأنّه سيفعل في المستقبل إخبار حقيقيّ جدّيّ لا هزل فيه؛ لكن لمكان أنّه غير بانٍ على الوفاء بذلك أشبه الكلام الهزلي، فأطلق عليه الهزل و على كلّ حال لا ينبغي الإشكال في جواز الكذب في مقام المزاح، لا سيّما مع قيام القرينة على المزاح؛ فإنّ ذلك ليس من موضوع الكذب و لو فرض أنّه من موضوعه، فالأخبار منصرفة عنه‌. [7]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال الثالث (إنصراف المطلقات عن الکذب في مقام الهزل)

إنّ الظاهر أنّ الأخبار المطلقة منصرفة عن الكذب في مقام الهزل و إن فرض الإخبار بالواقع لهذا الغرض، لكن مع قيام قرينة حاليّة أو مقاليّة شاهدة على الهزل، كما لو كان المجلس من المجالس التي أعدّت له. بل لا يبعد الإنصراف عن أخبار غير مفيدة، كما لو أخبر بخلاف واقع واضح لا يؤثّر في المخاطب شيئاً؛ كالإخبار ببرودة النار و حرارة الثلج.

و بناءً على انصراف الأخبار عن الهزل لا يمكن إثبات حرمته بما وردت في الكذب هزلاً؛ فإنّها و إن كانت مستفيضةً، فلا ينظر إلى ضعف أسنادها مع أنّ بعضها لا يخلو من حسن؛ كرواية الأصبغ؛ لكن فيها ما لا تدلّ على الحرمة: كرواية الأصبغ و الحارث الأعور؛ بل مرسلة سيف بن عميرة؛ فإنّ قول عليّ بن الحسين (ع) على ما في الرواية لولده في مقام النصيحة لتهذيبهم عن الذمائم لا يدلّ على التحريم مع أنّ في مادّة التقوى أيضاً إشعاراً بعدمه، فلا يبعد أن يكون الأمر لمجرّد الرجحان.

بل يمكن الخدشة في دلالة‌ رواية أبي ذرّ و فيها: «... يَا أَبَا ذَرٍّ وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ، فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ‌ الْقَوْمَ‌ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَه ...». [8] فإنّ إنشاء الويل أعمّ من التحريم و لو سلّمت دلالتها، فلا تصلح لإثبات الحكم؛ لضعفها سيّما في مثل المقام الذي ادّعى الأعلام السيرة على ارتكابه كما لا تبعد. فالأقوى عدم الحرمة في الهزل مع قيام القرينة. و لا يخلو عدمها من رجحان في الأخبار غير المفيدة مطلقاً؛ لكنّ الأحوط الإحتراز سيّما في الثاني. [9]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

ردّ الإشکال

إنّ دعوى الإنصراف في أدلّة الكذب ممنوعة و ليت شعري ما الفرق بين الكذب و سائر المحرّمات؟ فإنّ لها أيضاً مصاديق قليلة الفساد أو خالية عن الفساد ظاهراً؛ كمن شرب قطرةً من الخمر أو غصب حبّة من حنطة أو وطأ خطوة أرض الغير بغير رضاه، فهل تعدّ هذه ذنوباً صغاراً؟ و هل يلاحظ الفرق بين المصاديق؟ و هل فصّل فيها أحد؟ و هكذا الفرق بين ما لا يفيد السامع شيئاً و غيره. و بالجملة لا تدور المحرّمات مدار المفاسد الفرديّة؛ بل النوعيّة، فإذا شمل عنوانها لمصداق، جرى عليه حكمه. [10]

أقول: إنّ المعیار هو المتفاهم العرفيّ من الکلام، فإن کان المتفاهم العرفيّ من الکلام إخباراً جدّاً بحیث یتطرّق إلیه احتمال الصدق و الکذب، فیأتي فیه الکذب إن کان مخالفاً للواقع و الاعتقاد. و إن کان المتفاهم العرفيّ من الکلام هو الهزل بحیث لا یتطرّق إلیه احتمال الصدق و الکذب، فلا یأتي فیه بحث الکذب و یخرج عنه و البحث في خروج الهزل عن مورد الکذب موضوعاً لا حکماً، تخصّصاً لا تخصیصاً و قد سبق تفصیل الکلام فیه.


[1] حرمة الکذب حتّی في مقام الهزل. و في بعض النسخ: به [الکذب في الهزل].
[8] .الأمالي - ط دار الثقافة، الشيخ الطوسي، ج1، ص537. و جاء فیه: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ (رحمة الله) [إماميّ ثقة] قَالَ: أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ [معتبر] عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ [محمّد بن عبد الله أبو المفضّل الشيباني‌: ضعیف] قَالَ: حَدَّثَنَا رَجَاءُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَبَرْتَائِيُّ الْكَاتِبُ [إماميّ لم تثبت وثاقته] سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَ ثَلَاثِ مِائَةٍ وَ فِيهَا مَاتَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ [واقفيّ ثمّ غلا‌] قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأصمّ [ضعیف غال] عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ [النهدي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع] عَنْ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَيٍّ الْهُنَائِيِّ [مهمل] قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَرْبِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ [مهمل] عَنْ أَبِيهِ أَبِي الْأَسْوَدِ [ظالم أبو الأسود الدؤلي: مهمل] قَالَ: قَدِمْتُ الرَّبَذَةَ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ جُنْدَبِ بْنِ جُنَادَةَ فَحَدَّثَنِي أَبُو ذَرٍّ، قَال:‌ ... فَقَالَ: ... . (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود الرواة المهملین و الضعاف في سندها).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo