< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/04/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ خلف الوعد

هل خلف الوعد کذب أم لا؟ (هل خلف الوعد یدخل في الکذب أم لا، هل یحرم خلف الوعد أم لا)؟

المراد من خلف الوعد

قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «المراد من خلفه هو نقض ما التزم به و ترك ما وعده و عدم إنهائه و إتمامه».[1]

هنا مبحثان:

المبحث الأوّل: هل خلف الوعد کذب أم لا؟

هنا قولان:

القول الأوّل: خلف الوعد لیس بکذب. [2] [3] [4] [5] [6] [7]

أقول: لا بدّ من التفصیل، کما سیأتي.

ذهب کثیر من الفقهاء إلی أنّ خلف الوعد لیس بکذب.

قال الشیخ الأنصاريّ(رحمة الله): «الظاهر عدم دخول خلف الوعد في الكذب».[8]

و قال المحقّق الإیروانيّ(رحمة الله): «لا يكاد يتوهّم دخول خلف الوعد في الكذب و لا كان ذلك محلّ الكلام».[9]

و قال الإمام الخمینيّ(رحمة الله): «إنّ خلف الوعد ليس كذباً و هو معلوم. و كذا الوعد و لو مع إضمار عدم الإنجاز».[10]

أقول: إنّ الوعد له أقسام: الأوّل: أن یکون حین الوعد عازماً علی العمل به، فهذا لیس کاذباً قطعاً. الثاني: أن یکون حین الوعد عازماً علی عدم العمل به، فهذا کاذب قطعاً. الثالث: أن یکون حین الوعد یحتمل العمل به، فهذا أیضاً داخل في الکذب؛ إذ الوعد بالعمل مع احتمال عدم العمل کذب أیضاً؛ فإنّ لازم الوعد هو العزم علی العمل به، فیلزم الکذب مع عدم العزم علی ذلك.

قال بعض الفقهاء(رحمة الله): «خلف الوعد، فإنّه لا يكون كذباً عرفاً».[11]

الدلیلان علی القول الأوّل

الدلیل الأوّل: عدم كونه[12] من مقولة الكلام [13]

أقول: أوّلاً: أنّ غیر الکلام- مثل الأعمال و الإشارات و أمثالها- قد یکون صدقاً أو کذباً؛ مثل من یجعل نفسه بصورة الفقیر حتی یتصدّق علیه أو من یعمّم عمامة السوداء إعلاماً بأنّه من السادات. و هکذا في الإشارات. و ثانیاً: أنّ العمل (خلف الوعد) کاشف عن کونه حین الوعد غیر عازم علی العمل یکشف عن کون الوعد کذباً من أوّل الأمر إلّا إذا کان لعذر شرعيّ أو عقلي.

قال بعض الفقهاء(رحمة الله): «خلف الوعد ليس من الكذب؛ لأنّه ليس من مقولة القول؛ بل من شؤون العمل و الفعل». [14]

یلاحظ علیه: بالملاحظة السابقة.

الدلیل الثاني

إنّه إنشاء لا إخبار. [15]

أقول: إنّ الوعد إنشاء یلازم الإخبار و الکذب إنما هو في الملازم، لا في نفس الإنشاء؛ فإنّه في مقام الوعد ینشأ العمل بالوعد و یخبر عن العمل به. و هذا قد یکون صدقاً و قد یکون کذباً.

القول الثاني: خلف الوعد کذب إذا علم تخلّفه و إلّا فلا. [16] [17]

أقول: الأولی أن یقال خلف الوعد کذب إذا لم یکن عازماً علی العمل به. و هذا هو الحقّ- کما سبق- لأنّه من مصادیق الکذب، بخلاف ما لو بدا له التخلّف لعذر شرعيّ أو عقلي.

المبحث الثاني: هل خلف الوعد حرام أم لا؟

هنا أقوال:

القول الأوّل: الحرمة. [18]

أقول: هو الحق؛ للأدلّة الآتیة.

دلیل القول الأوّل: الروایتان

الروایة الأولی

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[19] عَنْ أَبِيهِ[20] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ[21] عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ[22] قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ:‌ «عِدَةُ الْمُؤْمِنِ أَخَاهُ نَذْرٌ[23] لَا كَفَّارَةَ لَهُ فَمَنْ أَخْلَفَ فَبِخُلْفِ اللَّه‌ بَدَأَ وَ لِمَقْتِهِ تَعَرَّضَ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ﴾[24] ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ﴾[25] ». [26]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [27]

أقول: فیمکن الاستدلال بالآیات و الروایات و المجموع یصلح للردع عن السیرة.

الروایة الثانیة

عَلِيٌّ[28] عَنْ أَبِيهِ[29] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ[30] عَنْ شُعَيْبٍ الْعَقَرْقُوفِيِّ[31] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَفِ إِذَا وَعَدَ». [32]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [33]

أقول: فمن تخلّف عن الوعد بلا عذر شرعيّ أو عقليّ لا یؤمن بالله و الیوم الآخر؛ لأنّ الأمر ظاهر في الوجوب.

القول الثاني: خلف الوعد حرام إذا قصد عدم الوفاء حین الوعد. [34] [35]

أقول: لا دلیل علی التقیید بالقصد المذکور؛ فإنّ الإنسان المؤمن لا بدّ أن یتأمّل حین الوعد بأنّه قادر و عازم علی العمل به أوّلاً و بعد العزم علی العمل وعد و بدونه لا بدّ أن لا یعد أصلاً و یجب الوفاء به إلّا لعذر شرعيّ أو عقلي.

ذهب الشیخ الأنصاريّ(رحمة الله) إلی أنّ خلف الوعد حرام إذا قصد عدم الوفاء حین الوعد و قال(رحمة الله): «قوله (ع): «و لا أن يعد أحدكم صبيّه ثمّ لا يفي له» [36] لا بدّ أن يراد منه النهي عن الوعد مع إضمار عدم الوفاء و هو المراد ظاهراً بقوله- تعالى: ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ﴾[37] بل الظاهر عدم كونه كذباً حقيقيّاً و أنّ إطلاق الكذب عليه في الرواية، لكونه في حكمه من حيث الحرمة أو لأنّ الوعد مستلزم للإخبار بوقوع ‌الفعل». [38]

یلاحظ علیه: بالملاحظة السابقة.

 


[6] . ما وراء الفقه، الصدر، السید محمد الصدر، ج10، ص319.
[11] . ما وراء الفقه، الصدر، السید محمد الصدر، ج10، ص319.
[12] خلف الوعد.
[16] . رساله آموزشی، الامام الخامنئه ای، السید علی، ج2، ص86.
[19] عليّ بن إبراهیم بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة.
[20] إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[21] محمّد بن أبي عمیر زیاد: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[22] إماميّ ثقة.
[23] أي: كالنذر في جعله على نفسه أو في لزوم الوفاء به.
[26] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص363.. (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی)
[28] عليّ بن إبراهیم بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة.
[29] إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[30] محمّد بن أبي عمیر زیاد: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[31] شعیب بن یعقوب العقرقوفي: إماميّ ثقة.
[32] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص364.. (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی)
[35] رساله آموزشی، الامام الخامنئه ای، السید علی، ج2، ص86 (خلف الوعد حرام إذا علم تخلّفه).
[36] .الأمالي، الشيخ الصدوق، ج1، ص505. و جاء فیه: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارُ(رحمة الله) [مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً] قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي [محمّد بن یحیی العطّار: إماميّ ثقة] عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ [الأنباري: أماميّ ثقة] عَنْ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ الْقَنْدِيِّ [من رؤساء الواقفة و الظاهر أخذ المشایخ عنه قبل وقفه و هو إماميّ ثقة] عَنْ أَبِي وَكِيعٍ [الجرّاح بن ملیح بن عديّ الرؤاسي: عامّيّ غیر ثقة] عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ [عمرو بن عبدالله أبو إسحاق السبیعي: إماميّ لم تثبت وثاقته] عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ [الحارث بن عبدالله الأعور: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً] عَنْ عَلِيٍّ (ع) قَالَ: «لَا يَصْلُحُ مِنَ الْكَذِبِ جِدٌّ وَ لَا هَزْلٌ وَ لَا أَنْ يَعِدَ أَحَدُكُمْ صَبِيَّهُ ثُمَّ لَا يَفِيَ لَهُ إِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَ مَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ يَكْذِبُ حَتَّى يُقَالَ كَذَبَ وَ فَجَرَ وَ مَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ يَكْذِبُ حَتَّى لَا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ مَوْضِعَ إِبْرَةٍ صِدْقٌ فَيُسَمَّى عِنْدَ اللَّهِ كَذَّاباً». (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود أبي وکیع في سندها و هو عامّيّ غیر ثقة).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo