< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/04/08

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ خلف الوعد

القول السابع: الأحوط وجوباً العمل بالوعد. [1] [2]

أقول: إنّ القول بالاحتیاط الوجوبيّ فیما لم یکن دلیل علی الوجوب، مع أنّ الأدلة من الآیات و الروایات التامّة سنداً و دلالةً کافیة في إثبات الوجوب، کما سبق.

قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «الروايات الواردة في هذا المقام كثيرة جدّاً و كلّها ظاهرة في وجوب الوفاء بالوعد و حرمة مخالفته و لم نجد منها ما يكون ظاهراً في الإستحباب. و لكن خلف الوعد حيث كان يعمّ به البلوى لجميع الطبقات في جميع الأزمان، فلو كان حراماً لاشتهر بين الفقهاء، كاشتهار سائر المحرّمات بينهم، مع ما عرفت من كثرة الروايات في ذلك و كونها بمرأى منهم و مسمع. و مع ذلك كلّه فقد أفتوا باستحباب الوفاء به و كراهة مخالفته حتّى المحدّثين منهم؛ كصاحبي الوسائل [3] و المستدرك [4] و غيرهما، مع جمودهم على ظهور الروايات. و ذلك يدلّنا على أنّهم اطّلعوا في هذه الروايات على قرينة الإستحباب، فأعرضوا عن ظاهرها.

و لكنّا قد حقّقنا في علم الأصول أنّ إعراض المشهور عن العمل بالرواية الصحيحة لا يوجب وهنها، كما أنّ عملهم بالرواية الضعيفة لا يوجب اعتبارها إلّا إذا رجع إعراضهم الى تضعيف الرواي و رجع عملهم الى توثيقها. و إذن فلا وجه لرفع اليد عن ظهور الروايات المذكورة على كثرتها و حملها على الاستحباب.

و لكنّ الذي يسهل الخطب أنّ السيرة القطعيّة بين المتشرّعة قائمة على جواز خلف الوعد و على عدم معاملة من أخلف بوعده معاملة الفسّاق. و لم نعهد من أعاظم الأصحاب أن ينكروا على مخالفة الوعد كانكارهم على مخالفة الواجب و ارتكاب الحرام؛ فهذه السيرة القطعيّة تكون قرينةً على حمل الأخبار المذكورة على استحباب الوفاء بالوعد و كراهة مخالفته؛ نعم الوفاء به و الجري على طبقه من مهمّات الجهات الأخلاقيّة، بل ربّما توجب مخالفته سقوط الشخص عن الإعتبار في الأنظار، لحكم العقل و العقلاء على مرجوحيّته.

و مع ذلك كلّه فرفع اليد عن ظهور الروايات و حملها على الإستحباب يحتاج إلى الجرأة و الأوفق بالاحتياط هو الوفاء بالوعد[5] ».[6]

أقول: لا دلیل علی جواز خلف الوعد إلّا السیرة. و مع دلالة الآیات و الروایات تحمل السیرة علی عدم المبالاة؛ فإنّه لم یثبت من المعصومین (علیهم السلام) خلف الوعد و لا تقریرهم له، بل صریح کلماتهم (علیهم السلام) بوجوب الوفاء بالوعد و أنّ ذلك علامة المؤمن و حرمة الغیبة و أمثالها؛ فمع التصریح بالخلاف ثبت الردع عن السیرة قطعاً و السیرة المردوعة لا حجّیّة فیها أصلاً.

کلام الشیخ الأنصاريّ في المقام

قال (رحمة الله): «في ما يظهر منه وجوب الوفاء بالوعد؛ مضافاً إلى قوله- تعالى: ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ﴾[7] و قوله- تعالی: ﴿وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾[8] بناءً على شموله للوعد في باب الوعد: ما عن الكافي عن هشام بن سالم[9] قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ:‌ «عِدَةُ الْمُؤْمِنِ أَخَاهُ نَذْرٌ[10] لَا كَفَّارَةَ لَهُ فَمَنْ أَخْلَفَ فَبِخُلْفِ اللَّه‌ بَدَأَ وَ لِمَقْتِهِ تَعَرَّضَ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ﴾[11] ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ﴾[12] ». [13] و عن شعيب العقرقوفيّ[14] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيَفِ‌ إِذَا وَعَدَ». [15] و عن عنبسة بن مصعب[16] عن أبي جعفر[17] (ع) قال: «ثَلَاثٌ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لِأَحَدٍ فِيهِنَّ رُخْصَةً أَدَاءُ الْأَمَانَةِ إِلَى الْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ وَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ لِلْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ وَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بَرَّيْنِ كَانَا أَوْ فَاجِرَيْنِ».[18] و عن سماعة عن أبي عبد اللّٰه (ع)، قال: «مَنْ عَامَلَ النَّاسَ فَلَمْ يَظْلِمْهُمْ وَ حَدَّثَهُمْ فَلَمْ يَكْذِبْهُمْ وَ وَعَدَهُمْ فَلَمْ يُخْلِفْهُمْ كَانَ مِمَّنْ حُرِّمَتْ غِيبَتُهُ وَ كَمَلَتْ مُرُوءَتُهُ وَ ظَهَرَ عَدْلُهُ وَ وَجَبَتْ أُخُوَّتُهُ». [19]

و هذه الأخبار و إن دلّت بظاهرها على وجوب الوفاء، لكن قيل:

إنّ الظاهر إطباق كلمات من عدا قليل من متأخّري المتأخّرين على عدم الوجوب؛ كما يظهر من اتّفاقهم على عدم وجوب الوفاء بالشرط الغير المشترط في عقد لازم و ما دلّ من الأخبار على جواز نقض اليمين إذا كان- أو صار- ترك ما حلف عليه راجحاً». [20]

أقول: کلمات العلماء لا توجب الحجّیّة لقول، لکن یفهم من کلماتهم أنّ خلف الوعد إذا کان عازماً علی العمل به، ثمّ بدا له التخلّف لعذر شرعيّ أو عقليّ کان جائزاً عندهم. و هذا لیس مخالفاً لقول الوجوب بلا عذر شرعيّ أو عقلي. و مجموع الآیات و الروایات کافیة في إثبات الوجوب و الردع عن السیرة. و یعلم منها أنّ السیرة لو کانت لعدم المبالاة أو لوجود عذر شرعيّ أو عقليّ مقبول عند العقلاء و الفرق بین العهد و الوعد لا یوجب الخدشة في مجموع الآیات و الروایات.

 


[5] منهاج الصالحين‌، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص10. قال (رحمة الله) في موضع آخر: «أمّا الكذب في الوعد بأن يخلف في وعده، فالظاهر جوازه على كراهة شديدة» .
[9] إماميّ ثقة.
[10] أي: كالنذر في جعله على نفسه أو في لزوم الوفاء به.
[13] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص363. و جاء فیه: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ [بن هاشم القمي: إماميّ ثقة] عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ [محمّد بن أبي عمیر زیاد: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع] (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی).
[14] شعیب بن یعقوب العقرقوئي: إماميّ ثقة.
[15] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص364. و جاء فیه: عَلِيٌّ [عليّ بن إبراهیم بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة] عَنْ أَبِيهِ [إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ [محمّد بن أبي عمیر زیاد: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع] (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی).
[16] الشیباني، العجلي، الکوفي: ناووسيّ مختلف فیه و هو غیر ثقة ظاهراً.
[17] الإمام الباقر(ع).
[18] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص162. و جاء فیه: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ [بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة] عَنْ أَبِيهِ [إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی] وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى [العطّار: إماميّ ثقة] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ بن عیسی الأشعري: إماميّ ثقة] جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ [الحسن بن محبوب السرّاد: إماميّ ثقة، من أصحاب الإجماع علی قول] عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّة [الأحمسي: إماميّ ثقة] (هذه الروایة مسندة، ضعیفة ظاهراً؛ لوجود عنبسة بن مصعب في سندها و هو ناووسيّ لم تثبت وثاقته).
[19] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص239. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا [هم عليّ بن ابراهیم بن هاشم القميّ [إماميّ ثقة] و عليّ بن عبد الله بن أذینة [لعلّه هو عليّ بن محمّد بن عبدالله أبو القاسم بن عمران و قد یعنون بعليّ بن محمّد بن بندار: إماميّ ثقة] و أحمد بن عبد الله بن أمیّة [لعلّه هو أحمد بن عبد الله بن أحمد [البرقي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً] و أیضاً أحمد بن عبد الله بن بنت البرقي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً] و عليّ بن الحسین [السعد آبادي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ [البرقي: إماميّ ثقة] عَن‌ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى [الکلابي: إماميّ ثقة ظاهراً، من أصحاب الإجماع علی قول] عن سَمَاعَةَ بنِ مِهرَانَ [إماميّ ثقة] (هذه الروایة مسندة، صحیحة ظاهراً).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo