< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/04/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الوقایة من الجرم/ المقدّمة/ المقدّمة

البحث في مسائل الفقه الحکومتي

إنّ من الضروريّ التطرّق[1] إلی المسائل المبتلی بها ابتلاءً شدیداً التي یسأل عنها في الاجتماع کثیراً و الجواب عنها من جانب العلماء و الفضلاء وجب أن یکون مبیّناً؛ فعلی هذا یجب أن تجعل هذه المسائل في أولویّة الدروس.

تبیّن في مباحثنا مسائل تکون لها حیثیّة فقهیّة و حقوقیّة و أخلاقیّة؛ أي تکون مؤثّرةً في الاجتماع و الاستنباط و الاجتهاد و تکون أیضاً مؤثّرةً فیما یتعلّق بمسائل الحکومة الإسلامیّة و النظام الإسلاميّ و العمل بقوانین الجمهوریّة الإسلامیّة؛ فلذا تبیّن في ما بین أیدینا من البحث مسائل لوحظت فیها هذه الأبعاد.

الأولی منها أن یکون البحث استنباطیّاً و استدلالیّاً. و الثانیة أن یبیّن بحث حقوقيّ تکون له استعمال في نظام الجمهوریّة الإسلامیّة. و الثالثة أن یکون البحث أخلاقیّاً و یحقّق فیها من جهة الفضائل و الرذائل الأخلاقیّة مع اتّجاه أنّها موجودة في اجتماعنا.

موضوع البحث: الوقایة من الجرم

کیف یمکن أن یمنع من وقوع الجرم قبل ارتکابه؟ هل وظیفتنا الممانعة من الجرائم الکثیرة التي تقع في اجتماعنا؛ هنا نظریّتان:

النظریّة الأولی:

یقال علی أساس هذه النظریّة: إذا لم یقع في الخارج جرم ما علینا أيّ وظیفة، بل إنّما هي وظیفة مرکز الشرطة[2] و الحکومة و نظام الإسلامیّ و القاضي أن یحتکّوا[3] بالمجرم و یقولوا له لم ارتکبت الجرم و الخلاف؟

استمرّت عادةً هذه الطریقة في الجمهوریّة الإسلامیّة کثیراً؛ مثلاً: ترون أنّ أحداً ضرب الآخر بالسکّین و وقعت مشاجرةً، یأتون به إلی المحکمة و یجازونه. یجازون من ارتکب قتلاً أو معصیةً أو تخلّفاً؛ مثلاً: یقولون لیجلّد أو یسجن و العقوبات المذکورة في الإسلام للأشخاص الذین ارتکبوا جرماً. هذا وجهة نظر الغالب و الآن یعمل به في الجمهوریّة الإسلامیّة.

النظریّة الثانیة:

یمعن النظر[4] علی أساس هذه النظریّة في أنّ المجرم لماذا ارتکب الجرم؟ أيّ تمهید[5] کان موجوداً لصیرورته مجرماً؟ لم یکن مجرماً مذ کان صبیّاً؛ لکّنه إذا کبر أوجبت عوامل- مثل البیئة[6] - لأن یصیر مجرماً؛ ما العلل التي أوجبت صدور الجرم من هذا الشخص؟ یضرب بالسکّین أو یسرق أو یزني و ارتکب الخلاف؟ هل یرتکب ذلك الجرم بشکل عادي أم کانت علل و أسباب توجب ارتکاب الجرم؟ مثلاً: یمکن أن یسرق أحد بسبب الفقر، یرتکب حرکةً إجرامیّةً لوجود المشاکل. علی أساس هذه النظریّة یجب علینا أن نکون مؤثّرین في دفع هذه المشاکل و العوامل و الأسباب و نقلّل أسباب وقوع الجرم في الاجتماع أو نهدمها و یطلق علی هذا العمل عند اصطلاح الفقهاء بالدفع.

الرفع هو أنّه إذا وقعت مسألة، یحتكّ به بأنّه لماذا وقعت هذه المسألة و یجازی علیها فاعلها؛ أمّا الدفع في الاصطلاح هو بمعنی أن یحتكّ بالجرم و التخلّف و الانحراف قبل وقوعه في الاجتماع.

یقول بعض القضاة المحترمین عند ما نتحدّث معهم: لم یقع الجرم حتّی الآن و لا نتمکّن من الاحتکاك به و إن کان لوقوعه مجال و عن قریب یمکن أن یرتکبه. النظریّة الأولی هي أن نجیز وقوع الجرم في الخارج ثمّ نحتكّ به و النظریّة الثانیة هي أن لا نجیز تمهید تحقّق الجرم. نحن نتبع[7] أن نجیب عن هذا الاستفتاء و السؤال بأنّه هل من الواجبات و الوظائف علی المسلم أن لا یجیز تحقّق الجرم في الاجتماع و یهدم العلل و الأسباب و التمهید و لوازم وقوع الجرم لئلاّ یتلوّث الإجتماع أو لا تکون علیه هذه الوظیفة و یمکن له أن یجیز وقوع الجرم في الاجتماع ثم یکون موظّفاً بالاحتکاك بالجرم.

النظر الصحیح أنّه یجب علینا في المفاسد الأخلاقیّة و الرذائل الأخلاقیّة و المسائل الجنسیّة و الثقافیّة و الجرائم الاقتصادیّة و السیاسیّة أن نبصّر الناس لئلاّ یخوضوا في الجرائم السیاسیّة و لا یمیلوا إلیها، وجب علینا أن ننبّههم و علّموا لئلّا یردوا فی الجرائم و الانحرافات الاقتصادیّة و الاجتماعیّة.

المسألة الأخری أنّه علی من إزالة تمهید الجرم و الفساد؟ هل علی الجمهوریّة الإسلامیّة أن یبید مجال هذه الإنحرافات؟ هذا بحث یبتلی به الاجتماع و قابل للبحث من جهات متعدّدة و یمکن أن تذکر له حیثیّة استنباطیّة و الفقهیّة و الأخلاقیّة و من حیثیّة الحقوقیّة قابل للتحقیق أیضاً بأنّه کیف تحتكّ قوانین الجمهوریّة الإسلامیّة بالجرم و الانحرافات؟

مسألة علم الإجرام و الوقایة من الجرم، من المسائل المستحدثة قد یعبّر بعض عنه بالفقه الحکومتيّ أو الفقه المعاصر أو الفقه المضاف؛ مثل: فقه الاقتصاد، فقه الطبّ، فقه البورصة و فقه المصرف و ... . هذا البحث الآتي من الفقه المضاف الذي یمکن جعله تحت عنوان فقه علم الإجرام و فقه الوقایة من الجرم.

النکتة المهمّة القابلة للذکر هي لزوم بحث جامع کامل؛ لأنّ الفضلاء و العلماء ما یکون لدیهم فرصة رأوا فیها کلّ الأبحاث و الأبواب الفقهیّة و حقّق الأستاذ و التلمیذ في المسائل بصورة اجتهادیّة مدّة خمسین سنةً؛ بل الآن یجب علی الطلّاب و الفضلاء أن یعثروا[8] في درس خارج الفقه و الأصول علی قوّة استنباطیّة و بالاستعانة من هذه القوّة یستطیعون الاجتهاد في کلّ مسألة من الأبواب الفقهیّة.

إنّ من یعلم کیف تصل أیدیه إلی الأدلّة و یحقّق ذلك المسألة و یستفید من أيّ منابع حتّی وصل بالاجتهاد في تلك المسألة، انفتح له الطریق و یمکن له أن یجیب عن کلّ مسألة ملقاة إلیه مع اتّجاه الاستنباطيّ و الاجتهادي.

 

حینما نقول إنّ الإسلام یتکفّل بإجابة المسائل کلّها و دین الإسلام یکون أکمل الأدیان و الرسول- صلی‌ الله‌ علیه ‌و آله- خاتم الأنبیاء، وجب أن یکون هذا الدین مجیباً لمسائل الحیاة البشریّة کلّها و علیکم أن تجیبوا عن کلّ مسألة یسألونها عنکم بأحسن وجه؛ فلذا نتکلّم في بدایة بحثنا عن أسلوبنا في المقام و من الضروريّ وجوب التدقیق علی الکلّ لیدرکوا کیف و بأيّ أسلوب یمکن الإجابة عن المسائل بطریق اجتهاديّ و استنباطيّ من المنابع الدینیّة بنحو متقن.

الالتفات إلی منابع الاستنباط

المدرك الأوّل هو القرآن الکریم:

الأحکام المستفادة من منطوق آیات القرآن و مفهومها

المدرك الأوّل في استنباط الأحکام هو القرآن. إنّ بعض الناس یزعمون أنّ القرآن یبیّن مسائل محدودةً من الأحکام الشرعیّة بینما أنّ الصحیح لدینا و إن کان عدم بیان المسائل کلّها فیه و لکن تبیّن فیه أحکام کثیرة. قد تکون هذه المسائل في منطوق القرآن و قد تکون في مفاهیمه. نحن نتمکّن أن نستفید من مفهوم الشرط و الغایة و غیره الذي نتعلّمه في أصول الفقه و من الممکن أن تصل أیدینا إلی أحکام من مفاهیم القرآن أیضاً.

الالتفات إلی لوازم آیات القرآن

هکذا لوازم الآیات تکون قابلةً للاستفادة أیضاً؛ مثل: مقدّمة الواجب بمعنی أن یکون للمولی مطلوب و الإتیان بمقدّمات مطلوبه واجب. کما تکون للواجب مقدّمات، فللحرام مقدّمات أیضاً و یجب علینا أن نرفع أیدینا عن مقدّمات الحرام في الاجتماع؛ یجب علی الاجتماع أن یزیل مصعد[9] الوصول إلی الحرام؛ مصاعد التي کان الصعود علیها یوصل الإنسان إلی الحرام.

کما تکون للإتیان بالواجب المطلوب عند المولی مقدّمات، یجب تحصیلها لأجل الوصول إلی مطلوبه، فللحرام أیضاً مقدّمات یجب أن ینسدّ أمامها و أن یمنع من تحقّق هذه المحرّمات في الاجتماع.

و العقل معتبر في جنب الکتاب و السنّة و لنلتفت إلی المصلحة و المفسدة و نبارز مع المفاسد القطعیّة و نتبع المصالح القطعیّة و نعملها.

المدرك الثاني السنّة:

الروایات المعتبرة و الخبر المتواتر و الخبر المستفیض أیضاً تکون من المنابع الأصلیّة في استنباط الأحکام الشرعیّة.

المدرك الثالث العقل:

المستقلّات العقلیّة- التي یعیّنها العقل لنا بأنّ هذا الفعل یجب أن یفعل أو یترك- هي ثالثة المآخذ للاستنباط. یحکم العقل علی أساس المصالح الاجتماعیّة و المصالح القطعیّة؛ مثلاً: يحكم العقل بأنّ الشیء الفلانيّ ظلم و یجب أن یبارز معه أو عدل و یجب أن یوجد. العدل له مقدّمات یجب أن توجد في الاجتماع؛ للظلم مقدّمات أیضاً یجب أن تنهدم في الاجتماع.

المدرك الرابع الإجماع و معقده

الإجماع یکون دلیلاً لبّیّاً و لیس بدلیل لفظيّ و له معقد، معقد الإجماع یکون موضعاً اتّفق الفقهاء علیه و ما کانوا مختلفین فیه، ذلك المعقد له لوازم و إذا حقّق مطلوب المولی بعنوان الاجماع و معقده، یجب أن تمهّد المقدّمات و ترفع الموانع و ننهدم الأضداد في الاجتماع.

المدرك الخامس بناء العقلاء

بناء العقلاء أي «بناء العقلاء بما هم عقلاء». إن کان العقلاء یعملون عملاً لأجل الشهوة أو اتّباع الهوی أو مقاصدهم السیاسیّة، لیس عملهم معتبراً عندنا؛ لکن إن کان بناؤهم من جهة کونهم عقلاء بما هم عقلاء – لا بما هم الشهویّون و لا بما هم الاقتصادیّون و لا بما هم السیاسیّون و لا بما أنّهم یعملون أعمالاً لأجل وصولهم إلی الرئاسة و أهوائهم – و کان هذا البناء موجوداً في زمن الشارع و أمضاه أو لم یردع عنه أو سکت عنه أو لم یتحقّق بناء من العقلاء خارجاً في زمن الشارع قطّ؛ مثل: «البورصة[10] » و ... فهذا البناء منهم یکون معتبراً.

حیث إنّ الإسلام یکون خاتم الأدیان و أکملها، یجیب من جمیع المسائل و الأحکام طوال التاریخ؛ فلهذا قد بیّن الحکم الکلّيّ للمسائل المستحدثة من قبل الشارع حتّی یمکن الاستنباط في الأحکام الجزئیّة بعد العثور علی الأحکام الکلّیّة.

سوف نبحث حول الجزئیّات و الشرائط المربوطة بکلّ واحد من هذه الخمسة و أنّ کلّ واحد منها مع أیّ شرط یکون دلیلاً علی الحکم الشرعيّ و في أيّ مورد من الموارد لا یکون حجّةً، لکن في الجملة نستفید من هذه المنابع الخمسة في الاستنباطات الشرعیّة.

لکلّ واحد من هذه المنابع مفهوم و منطوق، مقدّمات و لوازم و اللوازم لها أنواع مختلفة؛ مثل: اللوازم البیّنّة بالمعنی الأعم و البینّة بالمعنی الأخص و اللوازم غیر البیّنة. للمقدّمات أیضاً أنواع مختلفة، العقلیّة و الشرعیّة و العرفیّة و الثقافیّة و الاجتماعیّة، لمطلوب المولی لوازم و مقدّمات.

بیّن لنا الشارع المطلوب في القرآن، لکن ما هي مقدّماته و لوازمه؟ ما هي لوازمه البیّنة بالمعنی الأعمّ و البیّنة بالمعنی الأخصّ و اللوازم غیر البیّنة؟ یجب وصولنا إلی واحد واحد من هذه الموارد، لکلام الشارع أيّ دلالة من المطابقیّة و التضمّنیّة و الالتزامیّة؟ یجب أن ینظر في مقام الاستنباط إلی جمیع الجوانب و المجتهد من إذا أراد تبیین معنی آیة من الآیات، التفت إلی مفهوم کلام الشارع ثمّ إلی لوازمه القریبة و البعیدة و البیّنة و غیر البیّنة و أضداده. و من المسائل المهمّة في الاستنباط معرفة أضداد مطلوب المولی، کما تجب مقدّماته و معرفة هذه المقدّمات، کذلك تجب معرفة أضداده؛ مثلاً: إن تحقّق في الاجتماع هذا الضدّ لم یتحقّق مطلوب المولی، علینا أن لا نجیز تحقّق أضداد مطلوب المولی.

بناءً علی هذا إن أردنا تحقّق مطلوب المولی في الخارج، وجب دراسة[11] تمام جوانب الآیة الشریفة و الروایة و معقد الاجماع و السیرة العقلائیّة و الدلیل العقليّ علی طبق نظر المجتهد. و بعد دراسة تمام الجوانب، لنقل إنّه تلزم أن تکون هذه الأفعال موجودةً حتّی یوجد مطلوب المولی في الخارج؛ مثلاً: إنّ من اقتفی العدل فلیعلم أنّه لا یتحقّق العدل في الخارج جزافاً و لزمت دراسة أنواع الظلم و لزمت المبارزة معه حتّی یتحقّق العدل في الخارج. لتحقّق العدل مقدّمات و أضداد و لوازم، تدارس هذه اللوازم و الملزومات بالدقّة و لا ینظر إلی المسألة من بعد واحد بل یدارس تمام الجوانب.

نحن نحقّق في البحث عن الوقایة من الجرم الجوانب المختلفة في کلّ مسألة و نستفید من المنابع المختلفة للأحکام. نستند إبتداءً بآیات القرآن. ما معنی التقوی في القرآن؟ التقوی یکون مأخوذاً من «وقی» بمعنی وقایة النفس عن ارتکاب الإثم. قبل الانغماس في الإثم و الجرم یجب أن نمهّد الجنّة؛ فلهذا لزم ضرورةً تمهید الإصلاح في جمیع الأبعاد. یجب إصلاح نظام الاقتصاديّ و الاجتماعيّ و السیاسيّ و سائر النظامات من جمیع أبعادها حتّی یتحقّق الاجتماع النموذجيّ و الصالح الذي یکون أسوةً للجوامع الإسلامیّة، بل لکلّ البلاد و الجوامع و الثقافات العالمیّة حیث أنّه بالعقل و التفکّر و الدقّة یمهّد لمطلوب المولی مقدّماته و ینهدم تمام أضداده حتّی حصل التمهید و ربّي الشابّ المتدیّن و الانقلابي.

في رأینا أنّا نحتاج أن نتحقّق هذا البحث في الإجتماع الإسلاميّ لتقلّل الاحتکاکات القضائیّة أو تزال. تقلّل أیضاً المراجعات إلی المحکمة الابتدائیّة أو تزال. علینا أن نعمل هذا. عملوا هذا الفعل في الجوامع العالمیّة علی أساس قوانینهم و قواعدهم و علینا أن نعمل أیضاً علی أساس قوانیننا حتّی صلح الناس و صاروا عالمین بالقانون و عملوا علی طبقه و لم یوجد في الاجتماع تمهید مجال الفساد و الثبور.

 


[1] أي: پرداختن.
[2] أي: کلانتری.
[3] أي: برخورد کنند.
[4] أي: بررسی می‌شود.
[5] أي: زمینه.
[6] أي: محیط.
[7] أي: دنبال می کنیم.
[8] أي: دست یابند.
[9] أي: پله.
[10] أي: بورس.
[11] أي: بررسی.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo