< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/03/30

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التوریة

الإشکال في القول الثاني

إذا كان ملاك الكذب و الصدق هو مطابقة ظاهر الكلام للواقع و عدمها، فالمبالغة تكون على قسمين: قسم منها صادق و قسم منها‌ كاذب، فلو مدح رجلاً بالسخاء و قال: فلان مهزول الفصيل أو جبان الکلب، فلو کان سخیّاً، فالکلام صادق و إلّا فکاذب؛ نعم لو كان الملاك موجوداً و لكنّه بالغ في بيان ذلك الملاك، فلو كانت هناك قرينة على المبالغة، فلا تکون کذباً و أمّا إذا لم تكن هناك قرينة، فبيان الملاك على وجه المبالغة من غير قرينة، إغواء و إضلال و إراءة الشي‌ء على خلاف واقعة[1] . نعم ربّما تكون القرينة موجودةً دائماً، كما في التعبير بالسبع و سبعين و الألف عند القيام بالعمل مكرّراً. [2]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین.

القول الثالث: المبالغة کذب مجاز. [3]

أقول: لا دلیل علیه، بل لا بدّ من التفصیل، کما سیأتي.

الدلیل علی جواز المبالغة: السیرة

لا دليل على خروج المبالغة عن الكذب سوى السيرة القطعيّة على المبالغة بين المسلمين، بل المعصومين من غير نكير، بل ربما يعدّون المبالغة من البلاغة.[4] و لكنّ السيرة دليل جوازها لا خروجها عن اسم الكذب عرفاً، خصوصاً بالنسبة إلى أصل الزيادة، فإنّه و إن كان أصل الدعوى في محلّه صدقاً واقعاً إلّا أنّ الزيادة و إن كان في محلّه إلّا أنّه كذب ظاهراً، إلّا أنّه لا ينافي جوازها؛ بل و لا عدّها في البلاغة؛ كسائر المجازات العقليّة اللغويّة المتأخّر عنها القرائن الصارفة. [5]

أقول: وجود السیرة القطعیّة علی المبالغة بین المسلمین مسلّم و لکنّ القدر المتیقّن منها هو فیما لو فهم العرف منها المبالغة، لا الإخبار الدقیق لوجود القرائن علی ذلك. و فهم العرف شاهد و دلیل و السیرة دلیل لبّيّ یقتصر علی القدر المتیقّن منه. و لذا لا بدّ من التفصیل الآتي في القول الرابع.

القول الرابع: التفصیل.

إذا كانت المبالغة بالزيادة على الواقع، كانت كذباً حقيقةً. و إن قامت قرينة خارجيّة على إرادة الواقع و كون استعمال اللفظ فيه لأجل المبالغة فقط، لما كان كذباً. [6] [7] [8]

أقول: هذا هو الحق. و الدلیل علیه فهم العرف من الکذب، مع السیرة علی ذلك و عدم وجود اصطلاح خاصّ للشارع في تعریف الکذب؛ فما فهم العرف المبالغة من الکلام، فلیس بکذب. و إن فهم العرف الإخبار الدقیق عن الواقع بذکر العدد و الأرقام، فهو کذب.

قال الشیخ حسن کاشف الغطاء (رحمة الله): «المبالغة من الكذب إلّا إذا ظهرت قرينتها لدى المخاطب و كان الشي‌ء من شأنه المبالغة». [9]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «إنّ المبالغات إنّما تتّصف بالصدق و الكذب إذا أريد بها الإخبار عن واقع و لو كان لازماً لها دون ما أريد بها إنشاء المدح و الذم؛ فإنّها لا تتّصف بهما بالغةً ما بلغت. و فهم المعنى التصديقيّ عن الإنشاء ليس بمخبر به، نظير إنشاء البيع الذي ينتقل الذهن منه إلى كون البائع سلطاناً عليه و إنشاء الزواج الدالّ على كون المرأة خليّةً، فلا تتّصف لأجله بهما. و أمّا قضيّة جواز مدح من يستحقّ الذمّ أو العكس، فهي أمر آخر».[10]

أقول: إنّ المبالغات قد تتّصف بالکذب إذا کانت فوق حدّ المتعارف. و فهم العرف شاهد علی ذلك. و هکذا في المدح و الذمّ المبالغة الکثیرة فوق المتعارف قد توجب الإضلال و انعقاد النکاح و المعاملات المشحونة بالغشّ و الخلاف. و قد توجب المفاسد الکثیرة. و لذا نقول فهم العرف معیار و فوق حدّ المتعارف تدخل في الکذب الحرام.

و قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «إذا كانت المبالغة بالزيادة على الواقع، كانت كذباً حقيقةً، كما إذا أعطى زيداً درهماً، فيقول: أعطيته عشرة دراهم و من هذا القبيل تأدية المعنى بلفظ واحد موضوع للكثرة و المبالغة؛ كإطلاق الضرّاب على الضارب؛ فإنّه إخبار عن الكثرة بالهيئة. نعم لو قامت قرينة خارجيّة على إرادة الواقع و كون استعمال اللفظ فيه لأجل المبالغة فقط، لما كان كذباً. و مثله ما هو متعارف بين المتحاورين من استعمال بعض الفصول من الإعداد في مقام‌ التکثیر و الاهتمام.

و من ذلك قوله- تعالى: ﴿... إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّٰهُ لَهُمْ ... ﴾[11] فإنّ الغرض من الآية هو نفي الغفران رأساً. و تجوز المبالغة أيضاً بالتشبيه و الإستعارة؛ کتشبيه الوجه الحسن بفلقة[12] القمر و كالكناية عن الجود بكثرة الرماد و لا يعدّ شي‌ء منها كذباً و كيف و القرآن الكريم و خطب الأئمّة (علیهم السلام) و كلمات الفصحاء مشحونة[13] بذلك؛ بل ربما تكون هذه الخصوصيّات و أمثالها موجبةً لقوّة الكلام و وصوله إلى حدّ الإعجاز أو ما يقرب منه». [14]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین؛ لکن لا بدّ من التفات أمر و هو أنّ المبالغة لها مراتب قد تکون بحیث توجب الإضلال في المرافعات و المعاملات و الزواج و غیرها، فتحرم ذلك قطعاً.

دلیل خروج المبالغة عن الکذب

الوجه في خروج المبالغة بأقسامها عن الكذب هو أنّ المتكلّم إنّما قصد الإخبار عن لبّ الواقع فقط إلّا أنّه بالغ في كيفيّة الأداء، فتخرج عن الكذب موضوعاً؛ نعم إذا انتفى ما هو ملاك المبالغة من وجه الشبه و نحوه، كان الكلام كاذباً. [15]

أقول: لا بدّ من الملاحظة السابقة و أنّ المبالغة لها مراتب بعض مراتبها جائز و بعضها حرام و فهم العرف شاهد. و ترتّب المفاسد- مثل الغشّ في المعاملات- یوجب الحرمة و القدر المتیقّن من الکذب حرام و المشکوك جائز في مقام المبالغة و فهم العرف و السیرة دلیل علی ذلك.


[1] الصحیح: واقعه.
[3] . التعلیقة علی المکاسب، اللاری، السید عبدالحسین، ج1، ص195.
[4] من هنا إلی آخر، إستشکال علی کلام الشیخ الأنصاريّ (رحمة الله) (إنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ المبالغة في الإدّعاء و إن بلغت ما بلغت، ليست من الكذب‌).
[5] . التعلیقة علی المکاسب، اللاری، السید عبدالحسین، ج1، ص195.
[12] أي: پاره، نیمه.
[13] أي: ممتلأ (مملو، پر).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo