< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/03/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التوریة

قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «إنّها ظاهرة الدلالة في جواز التورية مطلقاً[1] ؛ فإنّ دفع عبد الأعلى عن إطلاق كلمة زعمت- التي بمعنى قلت و تستعمل في حقّ و باطل- ليس من الإصلاح الذي يجوّز الكذب أو ما بحكمه. و لهذا لا يجوز الكذب في نظيره».[2]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

و منها: عَنْهُ[3] عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ[4] عَنِ النَّوْفَلِيِّ[5] عَنِ السَّكُونِيِّ[6] عَنْ جَعْفَرٍ (ع) عَنْ أَبِيهِ (ع) عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) عَنْ عَلِيٍّ (ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «إحْلِفْ‌ بِاللَّهِ‌ كَاذِباً وَ نَجِّ أَخَاكَ مِنَ‌ الْقَتْلِ»‌. [7]

أقول: مع الدقّة في مجموع الروایات یعلم بعدم الخصوصیّة للقتل؛ بل یجوز الحلف کاذباً لحفظ الأموال و الأعراض- کحفظ النفوس- سواء کان بالنسبة إلی نفسه أو غیره.

الدلیل علی جواز التوریة في الیمین: الروایتان

الأولی: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[8] عَنْ أَبِيهِ[9] عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى[10] قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ[11] (ع) عَنِ الرَّجُلِ يَحْلِفُ وَ ضَمِيرُهُ عَلَى غَيْرِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ؟ قَالَ (ع): «الْيَمِينُ عَلَى الضَّمِيرِ». [12]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [13]

أقول: یجوز لعدم تحقّق الحلف الشرعيّ مع عدم الإرادة الجدّیّة. و لا بدّ من الفرق بین هذه الروایة و سائر الروایات بأنّه یجوز الحلف کاذباً لحفظ النفوس أو الأعراض أو الأموال، لنفسه أو لغیره؛ بل مع وجود المصلحة المهمّة العقلائیّة.

قال الشیخ البحراني: «إنّ الظاهر عندي أنّه أريد بذلك جواز التورية و إن كان في غير مقام الظلم». [14]

الثانیة: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[15] عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ[16] عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ[17] قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ وَ سُئِلَ عَمَّا يَجُوزُ وَ عَمَّا لَا يَجُوزُ مِنَ النِّيَّةِ عَلَى الْإِضْمَارِ فِي الْيَمِينِ فَقَالَ (ع): «قَدْ يَجُوزُ فِي مَوْضِعٍ وَ لَا يَجُوزُ فِي آخَرَ فَأَمَّا مَا يَجُوزُ فَإِذَا كَانَ مَظْلُوماً فَمَا حَلَفَ بِهِ وَ نَوَى الْيَمِينَ فَعَلَى نِيَّتِهِ وَ أَمَّا إِذَا كَانَ ظَالِماً فَالْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمَظْلُومِ». [18]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [19]

أقول: تدلّ هذه الروایة علی جواز الحلف کاذباً فیما إذا صدق الظلم، سواء کان في الأموال أو الأعراض أو النفوس، سواء کان الظلم لنفسه أو لغیره، کما في سائر الروایات. و هذه الروایات معتبرة یصحّ الاستدلال بها مع الجمع بینها، کما سبق.

قال الشیخ البحراني: «الظاهر أنّ المراد منه أنّ التورية إنّما تصحّ في حال كونه مظلوماً و أراد الحلف للنجاة من الظالم؛ كما هو محلّ البحث في المقام و أمّا لو كان ظالماً و أراد الحلف لإثبات ما يدّعيه ظلماً؛ فإنّ التورية لا ينفع هنا و لا تدفع عنه ضرر اليمين دنيا و آخرةً؛ بل تصير يميناً كاذبةً بالنظر إلى نيّة المظلوم». [20]

أقول: کلامه (ع) متین.

نکتة مهمّة

قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «هي[21] بأجمعها ظاهرة في جواز الحلف الكاذب لدفع الضرر البدنيّ أو المالي عن نفسه أو عن أخيه على وجه الإطلاق و ليست مقيّدةً بعدم التمكّن من التورية و هي تدلّ بطريق الأولويّة على جواز الكذب بغير حلف لدفع الضرر». [22]

أقول: لا بدّ من إضافة الضرر العرضي، إذ کما یجب حفظ الدماء یجب حفظ الأموال و الأعراض و یناسب ذکر المصلحة المهمّة العقلائیّة.

القول الثالث: وجوب التوریة. [23]

أقول: لا دلیل علی الوجوب، کما سبق مفصّلاً؛ بل غایة ما تدلّ علیه الروایات هو جوازها في غیر الحلف و ترجّحها في الحلف؛ لعدم تحقّق الإرادة الجدّیّة الموجب لعدم تحقّق الحلف الشرعي.

القول الرابع: وجوب التوریة إذا اقتضت المصلحة الکذب. [24]

أقول: إنّه یمکن الجمع بین القول الرابع و الثالث و الأوّل.

القول الخامس: جواز التوریة ما لم يكن ظالماً مع وجود المصلحة في التوریة. [25]

أقول: هذا هو المختار و الدلیل علیه هو الجمع بین الروایات، مع حکم العقل و العقلاء بذلك.

قال الشهید الثاني (رحمة الله): «قیل: تجوز التورية مطلقاً ما لم يكن ظالماً؛ و هذا هو الأظهر؛ لكن ينبغي قصره على وجه المصلحة». [26]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

فلذا[27] قال فخر المحقّقین (رحمة الله): «الحالف إمّا أن يكون ظالماً في يمينه أو مظلوماً أو لا ظالماً و لا مظلوماً و الأوّل: لا يصحّ منه التورية، فيكون النيّة نيّة غريمه الذي أحلفه. و الثاني: يصحّ منه التورية و يكون النيّة نيّته. و الثالث: و هو أن لا يكون ظالماً و لا مظلوماً كأن يحلف على فعل شي‌ء أو تركه ممّا يتعلّق بنفسه و له حقيقة و يريد به المجاز المرجوح، الأقرب جواز التورية؛ لأنّ القصد معتبر في اليمين و لم يقصد حقيقة اللفظ، فلا يتناوله اليمين و إنّما قصد غيره، فتعيّن ما قصده و يحتمل العدم؛ لأنّ اللفظ إذا أطلق يحمل على حقيقته و المجاز خلاف الأصل و التحقيق أنّه يدان بنيّته». [28]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین؛ لعدم تحقّق الإرادة الجدّیّة الموجب لعدم تحقّق الحلف الشرعي. هذا کلّه في مقام الحلف کاذباً. و أمّا قبح الکذب و حرمته فموجود، مع تحقّق شرائطها و التوریة من الکذب عندنا و جوازها مربوط بتحقّق شرائط جواز الکذب و عدمه و قد سبق الدلیل علی ذلك.


[1] في الاختیار و الضرورة.
[3] محمّد بن الحسن الصفّار: إماميّ ثقة.
[4] القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[5] الحسین بن یزید: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[6] إسماعیل بن أبي زیاد: عامّيّ ثقة.
[7] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج8، ص300.. (هذه الروایة مسندة، موثّقة علی الأقوی)
[8] عليّ بن إبراهیم بن هاشم: إماميّ ثقة.
[9] إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[10] البجلي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[11] الإمام الرضا (ع).
[12] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج7، ص444.. (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی)
[15] عليّ بن إبراهیم بن هاشم: إماميّ ثقة.
[16] هارون بن مسلم بن سعدان: إماميّ ثقة.
[17] مختلف فیه و هو عامّيّ بتري، ثقة ظاهراً.
[21] الأخبار.
[25] مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج9، ص207.. (الأظهر، في الکذب بلا حلف، في الحلف الکاذب)
[27] لقید ما لم یکن ظالماً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo