< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/03/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التوریة

الإشکال في کلام الشهید الثاني (الإشکال في وجوب التوریة في الیمین الکاذبة في المورد الأخیر)

قال الشیخ البحراني: «إنّا نمنع ما ذكره من قبح اليمين في هذه الحال بعد إذن الشارع بها و هو قد اعترف أيضاً بذلك بعد هذا الكلام، فقال: لأنّ اليمين الكاذبة عند الضرورة مأذون فيها شرعاً؛ كمطلق الكذب النافع و حينئذٍ، فأيّ وجه للقبح بعد الإذن الشرعيّ فيها.

و كيف يكون قبيحاً مع كونه واجباً، كما صرّح به هو و غيره في المقام و إلّا لزم اجتماع القبح و الحسن و الضرر و النفع في شي‌ء واحد، فيلزم الذمّ و المدح و الثواب و العقاب في شي‌ء واحد و هو محال. و كون الكذب قبيحاً في حدّ ذاته لا يستلزم كونه هنا قبيحاً بعد ما عرفت.

و من الأخبار التي تدلّ على ما ذكرنا هنا من أرجحيّة اليمين الكاذبة‌ و مشروعيّتها ما رواه‌ عن أبي الصباح الكنانيّ قال: «وَ اللَّهِ لَقَدْ قَالَ لِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّد (ع): «... ثُمَّ قَالَ مَا صَنَعْتُمْ‌ مِنْ‌ شَيْ‌ءٍ أَوْ حَلَفْتُمْ‌ عَلَيْهِ‌ مِنْ‌ يَمِينٍ فِي تَقِيَّةٍ، فَأَنْتُمْ مِنْهُ فِي سَعَةٍ».[1]

و «قال أبو عبد الله (ع): «التَّقِيَّةُ فِي‌ كُلِ‌ ضَرُورَةٍ وَ صَاحِبُهَا أَعْلَمُ بِهَا حِينَ تَنْزِلُ بِه‌». [2] [3]

و روى عَنْ جَعْفَرٍ (ع) عَنْ أَبِيهِ (ع) عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) عَنْ عَلِيٍّ (ع) قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «إحْلِفْ‌ بِاللَّهِ‌ كَاذِباً وَ نَجِّ أَخَاكَ مِنَ‌ الْقَتْلِ»‌.[4]

و روى في الفقيه بسنده إلى ابن بكير عن زرارة قال: «قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَر[5] (ع) نَمُرُّ بِالْمَالِ عَلَى الْعُشَّارِ فَيَطْلُبُونَ‌ مِنَّا أَنْ‌ نَحْلِفَ‌ لَهُمْ‌ وَ يُخَلُّونَ‌ سَبِيلَنَا وَ لَا يَرْضَوْنَ‌ مِنَّا إِلَّا بِذَلِكَ. قَالَ: فَاحْلِفْ لَهُمْ فَهُوَ أَحَلُّ[6] مِنَ التَّمْرِ وَ الزُّبْدِ[7] ». [8]

و روى[9] فيه أيضاً بِإِسْنَادِهِ[10] عَنِ الْحَلَبِيِّ[11] ‌أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنِ الرَّجُلِ يَحْلِفُ لِصَاحِبِ الْعُشُورِ يُحْرِزُ بِذلك مَالَهُ.‌ قَالَ (ع): «نَعَمْ». [12]

و ما رواه‌ في الكافي عن محمّد بن مسعود الطائي: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ[13] (ع) إِنَّ أُمِّي تَصَدَّقَتْ عَلَيَّ بِدَارٍ لَهَا أَوْ قَالَ بِنَصِيبٍ لَهَا فِي دَارٍ، فَقَالَتْ لِيَ: اسْتَوْثِقْ لِنَفْسِكَ، فَكَتَبْتُ عَلَيْهَا أَنِّي اشْتَرَيْتُ وَ أَنَّهَا قَدْ بَاعَتْنِي وَ قَبَضَتِ الثَّمَنَ، فَلَمَّا مَاتَتْ قَالَ الْوَرَثَةُ: احْلِفْ‌ أَنَّكَ اشْتَرَيْتَ‌ وَ نَقَدْتَ‌ الثَّمَنَ،‌ فَإِنْ حَلَفْتُ لَهُمْ أَخَذْتُهُ وَ إِنْ لَمْ أَحْلِفْ لَهُمْ لَمْ يُعْطُونِي شَيْئاً. قَالَ فَقَالَ (ع): «فَاحْلِفْ لَهُمْ وَ خُذْ مَا جَعَلَتْهُ لَكَ[14] ». [15]

أقول: کلامه (رحمة الله) في کمال المتانة. و مع هذه الروایات فالتوریة لیست واجبةً أصلاً. و غایة ما یستفاد عن بعض الروایات رجحانها لمن عرفها، لعدم تحقّق الحلف الحقیقيّ المتوقّف علی الإرادة الجدّیّة. و لا یخفی أنّ هذه الروایات وردت في مورد الأموال و لا بدّ من التسرّي إلی الأعراض و النفوس بطریق أولی بالأولویّة القطعیّة؛ لأنّ حفظها أولی من حفظ الأموال قطعاً.

القول الثاني: عدم وجوب التوریة (جواز التوریة) [16] [17] [18] [19] [20] [21] [22] [23] [24] [25] [26] [27] [28] [29] [30] [31] [32] [33] [34] [35]

أقول: هو الحق؛ لما ذکرنا سابقاً و ما سیأتي من الأدلّة أیضاً. و في فرض دفع الضرر یجوز الکذب و التوریة و لا تجب التوریة؛ لإطلاق الروایات المجوّزة للکذب. و في مقام الحلف ترجّح التوریة؛ لعدم تحقّق الحلف الحقیقي، لا لأنّ التوریة لیست بکذب، کما سبق مفصّلاً. و جواز الکذب لدفع الضرر و إن لم یکن اضطرار في البین، سواء کان الضرر لنفسه أو لماله أو عرضه، أو کان الضرر لشخص آخر یجوز دفعه عنه. و قد یجب ذلك، کما في الودیعة. و إلی القول الثاني ذهب أکثر المتأخّرین.

الدلیلان علی القول الثاني

الدلیل الأوّل: الأصل[36] [37]

أقول: فإنّ الأصل عدم وجوب التوریة.

الدلیل الثاني: إطلاق الروایات[38] [39]

إطلاقات أدلّة الترخيص الواردة في مقام البيان و الامتنان و التسهيل و اعتبار التورية ينافي ذلك كلّه؛ خصوصاً بالنسبة إلى السواد سيّما في حال الاضطرار الذي قلّ من يلتفت إليها في تلك الحالة. [40]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

و قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «مقتضى إطلاق الروايات جواز الحلف کاذباً و جواز الكذب في كلّ ضرورة و إكراه؛ سواء تمكّن من التورية أم لا». [41]

أقول: لایحتاج إلی الضرورة و الإکراه؛ بل یکفي لدفع الضرر عن نفسه أو غیره، سواء کان الضرر بالنسبة إلی النفوس أو الأعراض أو الأموال، کما فی الروایتین

فمنها: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى[42] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ[43] عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ[44] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى الْكَاهِلِيِّ[45] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ[46] عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى مَوْلَى آلِ سَامٍ[47] قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع) بِحَدِيثٍ فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَ لَيْسَ زَعَمْتَ لِيَ السَّاعَةَ كَذَا وَ كَذَا؟ فَقَالَ (ع): «لَا» فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيَّ فَقُلْتُ: بَلَى وَ اللَّهِ زَعَمْتَ. فَقَالَ (ع): «لَا وَ اللَّهِ مَا زَعَمْتُهُ». قَالَ: فَعَظُمَ عَلَيَّ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ بَلَى وَ اللَّهِ قَدْ قُلْتَهُ قَالَ (ع): «نَعَمْ قَدْ قُلْتُهُ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ كُلَّ زَعْمٍ فِي الْقُرْآنِ كَذِبٌ؟[48] ». [49]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [50]

أقول: الروایة ضعیفة سنداً؛ فلا یصحّ الاستدلال بها.


[1] .الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج7، ص442.. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى [العطّار: إماميّ ثقة] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ [بن عیسی الأشعري: إماميّ ثقة] عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ [الأنباري: إماميّ ثقة] عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ [إماميّ ثقة] عَنْ أَبِي الصَّبَّاح [إبراهیم بن نعیم أبو الصباح الکناني: إماميّ ثقة]). (هذه الروایة مسندة و صحیحة)
[2] .من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج3، ص363. (مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ [الکلیني: إماميّ ثقة] عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ [بن هاشم: إماميّ ثقة] عَنْ أَبِيهِ [إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی] عَنْ حَمَّادٍ [بن عیسی الجهني: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع] عَنْ رِبْعِيٍّ [بن عبد الله بن الجارود: إماميّ ثقة] عَنْ زُرَارَة [بن أعین الشیباني: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع). (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی).
[4] .تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج8، ص300. : مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ [بن عليّ الطوسي: إماميّ ثقة] بِإِسْنَادِهِ عَنِ الصَّفَّارِ [محمّد بن الحسن: إماميّ ثقة] عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ [القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی] عَنِ النَّوْفَلِيِّ [الحسین بن یزید: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی] عَنِ السَّكُونِيِّ [إسماعیل بن أبي زیاد: عامّيّ ثقة). (هذه الروایة مسندة، موثّقة علی الأقوی).
[5] . الإمام الباقر(ع).
[6] . لعلّ الصحیح: أحلی.
[7] أي: سرشیر.
[8] .من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج3، ص363.. : مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ [بن بابویه القمّي: إماميّ ثقة] بِإِسْنَادِهِ [أبي (عليّ بن الحسین بن بابویه: إماميّ ثقة) عن عبد الله بن جعفر الحمیريّ (إماميّ ثقة) عن أحمد بن محمّد بن عیسی (الأشعري: إماميّ ثقة) عن الحسن بن عليّ بن فضّال (التیمي: فطحيّ رجع عنها عند موته ثقة، من أصحاب الإجماع علی قول)] عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ [عبد الله بن بکیر بن أعین: فطحيّ ثقة من أصحاب الإجماع] عَنْ زُرَارَة [بن أعین الشیباني: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع]. (هذه الروایة مسندة و موثّقة)
[9] محمّد بن عليّ بن الحسین بن بابویه القمّي: إماميّ ثقة.
[10] الطریق الأوّل: أبي [عليّ بن الحسین بن بابویه: إماميّ ثقة] عن سعد بن عبد الله [القمّي: إماميّ ثقة] عن یعقوب بن یزید [الأنباري: إماميّ ثقة] عن محمّد بن أبي عمیر (زیاد: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع) عن حمّاد (بن عثمان الناب: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع. الطریق الثاني: أبي [عليّ بن الحسین بن بابویه: إماميّ ثقة] عن الحمیريّ [عبد الله بن جعفر الحمیري (إماميّ ثقة) عن یعقوب بن یزید [الأنباري: إماميّ ثقة] عن محمّد بن أبي عمیر (زیاد: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع) عن حمّاد (بن عثمان الناب: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع].
[11] هذا العنوان مشترك بین عبید الله بن عليّ الحلبي: إماميّ ثقة و محمّد عليّ أبي شعبة الحلبي: إماميّ ثقة.
[12] .من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج3، ص365. (هذه الروایة مسندة و صحیحة).
[13] الإمام الکاظم (ع).
[14] .الكافي - ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج7، ص33.. (أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ [أحمد بن إدریس القمّي: إماميّ ثقة] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ [القمّي: إماميّ ثقة] عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى [البجلي: إماميّ ثقة] [في المطبوعة زیادة: عَنْ مُحَمَّدِ بْن‌ مُسْلِمٍ و هو الإشتباه؛ لأنّ محمّد بن مسلم لم یرو عن محمّد بن مسعود قطّ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ الطَّائِي‌ [إماميّ ثقة]). (هذه الروایة مسندة و صحیحة)
[25] .حاشیه المکاسب، ایروانی نجفی، میرزاعلی، ج1، ص41.. (جواز الحلف کاذباً و جواز الكذب)
[33] . رساله آموزشی، الخامنئه ای، السید علی، ج2، 82 . (في الکذب بلا حلف).
[35] .المواهب في تحرير احکام المکاسب، السبحاني، الشيخ جعفر، ج1، ص706.. (الظاهر، في الکذب بلا حلف). (الظاهر، في الکذب بلا حلف)
[42] العطّار: إماميّ ثقة.
[43] أحمد بن محمّد بن عیسی الأشعري: إماميّ ثقة.
[44] الأنباري: إماميّ ثقة.
[45] إماميّ ثقة.
[46] مهمل.
[47] عبد الله بن أعین مولی آل سام: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً.
[48] .الزعم مثلّثة، القول الحقّ و الباطل و أكثر ما يقال فيما يشكّ فيه لمّا عبّر عبد الأعلى عمّا قال له الإمام (ع) بالزعم أنكره، ثمّ لمّا عبّر عنه بالقول صدّقه، ثمّ ذكر أنّ الوجه في ذلك أنّ كلّ زعم جاء في القرآن جاء في الكذب‌. الوافي، الفيض الكاشاني، ج5، ص935.
[49] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص342.. (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود محمّد بن مالك في سندها و هو مهمل)

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo