< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

42/03/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التوریة

کما قال السیّد الخوانساريّ )رحمة الله): «إنّ ظاهر المتن[1] أنّه مع كون الحالف يحسن التورية ورّى وجوباً، فإن كان المدرك الأخبار المذكورة، فلا إشارة فيها إلى التورية؛ بل يظهر من قصّة عمّار و ابتلائه بالمشركين و الحكاية لرسول اللّٰه (ص)[2] [3] [4] عدم لزوم التورية». [5]

بعض مصادیق التوریة الواجبة في الیمین الکاذبة

المصداق الأوّل

من كان عنده وديعة لمؤمن، فطالبه بها ظالم، فلينكرها. و إن استحلفه على ذلك، فليحلف و يورّي في نفسه ما يخرجه عن كونه كاذباً و ليس عليه كفّارة؛ بل له فيه أجر كبير. و إن لم يكن ممّن يحسن التورية و كانت نيّته حفظ الأمانة، لم يكن عليه شي‌ء أيضاً. [6] [7] [8]

أقول: هذه العبارة لا تدلّ علی وجوب التوریة في الیمین الکاذبة؛ بل غایة ما تدلّ علیه، رجحان التوریة عند الاضطرار إلی الحلف. و یشعر بذلك قوله (رحمة الله) «و إن لم يكن ممّن يحسن التورية... لم يكن عليه شي‌ء أیضاً» لأنّ التوریة لو کانت واجبةً، لوجب تعلیمه و تعلّمه و لا دلیل علیه. و بذلك یعلم أنّ التوریة لیست واجبةً أصلاً، بل في مقام الاضطرار إلی الحلف لو یحسن التوریة یرجّح التوریة، لخروج الحلف عن حقیقته، حیث قلنا إنّه یلزم في تحقق الحلف أمور: منها الإرادة الجدّیّة و بعد فقدان ذلك لا یتحقّق الحلف أصلاً.

دلیل المصداق الأوّل

إنّ حفظ الوديعة لمّا كان واجباً و توقّف على اليمين، وجبت[9] من باب المقدّمة. و إنّما تجب التورية عليه إذا عرفها و إلّا وجب الحلف أيضاً بغير تورية؛ لأنّه و إن كان قبيحاً إلّا أنّ إذهاب حقّ الآدميّ أشدّ قبحاً من حقّ اللّه- تعالى- في اليمين الكاذبة، فيجب ارتكاب أخفّ الضررين و لأنّ اليمين الكاذبة عند الضرورة مأذون فيه شرعاً؛ كمطلق الكذب النافع، بخلاف مال الغير، فإنّه لا يباح إذهابه بغير إذنه مع إمكان حفظه بوجه. و متى ترك الحلف حيث يتوقّف حفظ المال عليه، فأخذه الظالم، ضمنه للتفريط. [10]

أقول: لا دلیل علی وجوب التوریة، بل مخیّر بین التوریة و الحلف کاذباً للضرورة و الاضطرار و لکنّ التوریة لها رجحان؛ لأنّها توجب عدم تحقّق الحلف؛ لأنّ من شروط تحقّق الحلف وجود الإرادة الجدّیّة و التوریة توجب عدم الإرادة الجدّیّة بالنسبة إلی الحلف.

المصداق الثاني

من كان عليه دين لا يجد إلى قضائه سبيلاً؛ لإعساره، فقدّمه صاحب الدين إلى حاكم يعلم أنّه متى أقرّ عنده، حبسه، فأضرّ به و بأهله، جاز له جحده و الحلف عليه بعد أن ينوي قضاءه عند التمكّن منه و يورّي في يمينه و لا إثم عليه في يمينه و لا كفّارة. و إن لم ينو قضاءه، كان مأثوماً. [11] [12] [13] [14] [15]

أقول: إنّ رجحان التوریة لأنّ من شروط الحلف تحقّق الإرادة الجدّیّة و مع التوریة لا تتحقّق الحلف الحقیقي. و لذا لا إثم علیه في یمینه و لا کفّارة. و بقرینة قوله (رحمة الله) «و إن لم ينو قضاءه، كان مأثوماً» یعلم أنّ نیّة الأداء عند التمکّن واجب. و أمّا التوریة، فلیست واجبةً حتّی یکون مأثوماً لو تخلّف عنها.

و لکن لم یشترط المحقّق الحلّيّ (رحمة الله) الإعسار و قال: «كذا[16] لو خشي الحبس بدين يدّعى عليه فأنكره». [17] [18]

المصداق الثالث

إذا وهب الإنسان لبعض ولده شيئاً و كتب له بذلك كتاب ابتياع، ذكر فيه أنّه قبض الثمن ثمّ مات و طالبه الورثة بالثمن أو اليمين باللّه- تعالى- أنّه سلّم الثمن على الكمال، جاز له أن يحلف أنّه قد سلّم الثمن و يورّي في نفسه ما يخرج به عن الكذب عند اللّه- تعالى- و ليس عليه في ذلك شي‌ء على حال. [19]

أقول: إنّ قوله (رحمة الله) «و ليس عليه في ذلك شي‌ء على حال» یشعر بأنّ الحلف له جائز، سواء ورّی في نفسه بما یخرج عن الکذب أو لا. و رجحان التوریة، لعدم تحقّق الحلف؛ لأنّ من شروط الحلف الحقیقيّ الإرادة الجدّیّة و بالتوریة تنتفي الإرادة الجدّیّة.

 


[2] مَا رَوَاهُ الْخَاصَّةُ وَ الْعَامَّةُ أَنّ أُنَاساً مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فُتِنُوا فَارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِيهِ وَ كَانَ فِيهِمْ مَنْ أُكْرِهَ فَأَجْرَى كَلِمَةَ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ بِقَلْبِهِ مُصِرّاً عَلَى الْإِيمَانِ مِنْهُمْ عَمَّارٌ وَ أَبَوَاهُ يَاسِرٌ وَ سُمَيَّةُ وَ صُهَيْبٌ وَ بِلَالٌ وَ خَبَّابٌ وَ سَالِمٌ عُذِّبُوا وَ أَمَّا سُمَيَّةُ فَقَدْ رُبِطَتْ بَيْنَ بَعِيرَيْنِ وَ وُجِئَتْ [وجأه باليد و السكّين: ضربه] فِي قُبُلِهَا بِحَرْبَةٍ وَ قَالُوا: إِنَّكِ أَسْلَمْتِ مِنْ أَجْلِ الرِّجَالِ فَقُتِلَتْ وَ قُتِلَ يَاسِرٌ وَ هُمَا أَوَّلُ قَتِيلَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ. وَ أَمَّا عَمَّارٌ فَقَدْ أَعْطَاهُمْ مَا أَرَادُوا بِلِسَانِهِ مُكْرَهاً، فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ عَمَّاراً كَفَرَ. فَقَالَ: كَلَّا، إِنَّ عَمَّاراً مُلِئَ إِيمَاناً مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ وَ اخْتَلَطَ الْإِيمَانُ بِلَحْمِهِ وَ دَمِهِ، فَأَتَى عَمَّارٌ رَسُولَ اللَّهِ (ص) وَ هُوَ يَبْكِي، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ يَقُولُ: «مَا لَكَ! إِنْ عَادُوا لَكَ فَعُدْ لَهُمْ بِمَا قُلْتَ».
[9] الحلف التوریة.
[16] أي: جاز له إنکاره و الحلف عليه بشرط أن ینوي قضائه عند التمکّن منه. و إن لم ینو قضائه عند التمکّن، کان مأثوماً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo