47/04/13
بسم الله الرحمن الرحیم
إشکال الاستئجار لمالکین/التكسب بالواجبات /المكاسب المحرمة
الموضوع: المكاسب المحرمة/التكسب بالواجبات /إشکال الاستئجار لمالکین
خلاصة الجلسة الماضية: النقاش الفقهي الجاري يدور حول مسألة جواز أخذ الأجرة في مقابل إتيان الواجبات الشرعيّة.
إشكال الاستئجار لمالكين:
إنّ الله سبحانه و تعالى هو مالكنا و مالك عملنا. فعندما يصدر أمراً شرعياً، نكون نحن مُستأجَرين لله. فعلى سبيل المثال، عند قراءة صلاتي الظهر و العصر، نكون مُستأجَرين لله لمدة نصف ساعة و يجب تخصيص هذا الوقت له.
فإذا استؤجر شخص لإقامة صلاتي الظهر و العصر من قِبَل شخص آخر و دفع له أجراً، فهذا يعني أنّه قد صار مُستأجَراً لله و في نفس الوقت مُستأجَراً لذلك الشخص الآخر. لا يمكن لعمل واحد أن يكون له مالكان اثنان؛ أن يكون مالكه الله و مالكه ذلك الشخص المعيّن. و هذا هو إشكال کاشف الغطاء (رحمهالله) حیث قال:
«ما يجب على الإنسان فعله وجوباً مطلقاً أو مشروطاً بغير العوض و قد تحقّق شرطه لتعلق ملك أو حقٍّ مخلوقيٍّ أو خالقي تحرم الأجرة و أمّا ما كان واجباً مشروطاً فليس بواجب قبل حصول الشرط فتعلق الإجارة به قبله لا مانع منه.»[1]
ردّ السيّد محمّد كاظم اليزدي: الطولیّة في المالکیّة
يردّ السيّد محمّد كاظم اليزدي (رحمهالله) على هذا الإشكال بقوله:
«إنّ السرّ في عدم المنافاة إنّما هو كون ملكيّة المستأجر في طول طلب الشارع و استحقاقه فإنّه إنّما استأجره للعمل الواجب عليه من اللّٰه بأن يأتي به للّه و إلّا فلو فرض كونهما في عرض واحد لا يجوز الاستيجار و إذا كان الواجب تعبّديّا و كان العمل ممّا يعود نفعه إلى المستأجر فلو أمر الشارع بإتيان الصّلاة بداعي أمره و استأجره شخص على أن يأتي بها له لا للّه لم يصحّ ذلك و إن كان استحقاق اللّٰه تعالى من باب الطّلب و استحقاق ذلك الشخص من باب الملكيّة لعدم إمكان إتيان الواحد بداعيين في عرض واحد و كونه عائدا إليهما».[2]
مالكيّة الله- سبحانه و تعالى- و مالكيّة الإنسان (الشخص الدافع للأجرة) هما مالكيتان متتاليتان بالطوليّة، و ليستا مالكيّتين متعارضتين بالعَرْضِيّة.
أيْ، إنّ الدافع (الشخص الذي يدفع الأجرة) لا يقول: قم بهذا العمل بدلاً عن الله؛ بل يقول: «أَدِّ العمل الذي طلبه الله منك على أتمّ وجه، و أنا سأدفع لك مقابله مالاً». و عليه، فلا يحصل تعارض؛ لأنّ عمل الشخص يقع في سياق إطاعة الله و إنجاز نفس الطلب الإلهي.
تبيين الإمام الخميني: أولويّة التصرّف مقابل المِلكيّة
يشرّح المرحوم الإمام الخميني (قدّس سرّه) مسألة الطوليّة و يقول بتَفْرِقة مهمّة بين «المِلكيّة» و «أولوية التصرّف»:
«إنّ الطوليّة المدعاة في المقام عكس الطوليّة في المثالين، فإنّ فيهما يقال: إنّ الناس مملوكان للّه- تعالى- مع أملاكهم و العبد و ملكه لمولاه. و في المقام يقال: إنّ أمر اللّه- تعالى- أوجب ملكيّته- تعالى- للعمل و المستأجر ملك ما ملك اللّه، فاللّه- تعالى- ملك ذات العمل و المستأجر ملك المملوك له- تعالى- و هو بوصف مملوكيّته في طول الذات.
و أنت خبير بأنّ هذا النحو من الطوليّة لا يصحّح اعتبار الملكيّة بل ينافيه و يناقضه. فهل يصحّ القول بأنّ الثواب ملك لزيد و بما أنّه ملك لزيد ملك لعمرو و هل هذا إلّا التناقض في الاعتبار لدى العقلاء و العرف؟ و المسألة عرفية لا عقليّة لا بدّ في حلّها من المراجعة إلى الاعتبارات العقلائيّة، لا الدقائق العقليّة، مع أنّ مثل هذه الطوليّة لا يدفع به التنافي في العقليّات أيضاً، فهل يمكن تحريم شيء و إيجابه بوصف كونه محرّماً عقلاً؟
مضافاً إلى أنّ الطوليّة في المثالين أيضاً ممّا لا أصل لها، فإنّ ملكيّته- تعالى- للأشياء بهذا المعنى الاعتباري المبحوث عنه في مثل المقام غير ثابتة، بل لا معنى لها. فهل ترى من نفسك أنّه- تعالى- ملك الأشياء بهذا المعنى المعروف؟ مع أنّ لازمه أنّه لو وهب بتوسط نبيّ من أنبيائه شيئاً من عبده سقطت ملكيّته و انتقلت إلى العبد، فلو كان سبيل ملكيّته للأشياء ما لدى العقلاء لا بدّ من الالتزام بآثارها و هو كما ترى.
و الظاهر أنّ أولويّة التصرّف و السلطان على التصرّفات الثابتة للّه- تعالى- عقلاً و للنبيّ (صلّی الله علیه و آله) و الأئمّة (علیهم السلام) بجعله- تعالى-، أوجبت توهم كونهم مالكين للأشياء تلك المالكيّة الاعتباريّة. و السلطنة على سلب الملكيّة و إقرارها غير الملكيّة.»[3]
توضيح الطولية
الطولية تعني أنّ مجموعة من الأولويّات أو المِلكيّات تقع في مسار تسلسلي و لا تتنافى فيما بينها. كمثل أولوية تصرّف الله، ثم النبي، ثم الإمام بالنسبة للمؤمنين و أموالهم. فكلّ هؤلاء متسلسلون في الأولوية بالتصرّف.
الفرق بين المِلكيّة و أولوية التصرّف
يؤكّد الإمام الخميني (قدّس سرّه) أنّه في علاقة الإنسان بالله و الأنبياء والأولياء، لا يُطرح مفهوم المِلكيّة بالمعنى الفقهي الدقيق، بل يُطرح مفهوم أولوية التصرّف.
1. المِلكيّة (بالمعنى الكامل): تتضمّن عقداً إيجابياً (هذا المال لي) وعقداً سلبياً (ليس بمال لغيري).
2. أولوية التصرّف: تتضمّن عقداً إيجابياً (الله، النبي و الإمام لهم أولوية التصرّف علينا)، لكنّها تفتقد العقدَ السلبي. أي أنّ أولوية تصرّفهم لا تمنع من تصرّف الإنسان نفسه.
و في بحث الواجبات أيضاً، فإنّ الله له أولوية التصرّف في عملنا، و لكن هذا لا يعني أنّنا فقدنا مِلكيّتنا تماماً. هذا التعبير أدقّ من تعبير المِلكيّة الذي استخدمه المرحوم السيد الكاظم اليزدي.
الردّ على الإشكال بناءً على الوكالة و الوصاية (إشكال الإيرواني)
یمثّل بعض الفقهاء، مثل المرحوم الإيرواني[4] ، بمثال: بأنّه إذا وكّل شخصٌ أو أوصى لعدّة أشخاص ببيع منزل واحد، و بما أنّه يمكن لكلّ واحد منهم إتمام البيع، فإنّ هذا يدلّ على إمكانيّة أن تكون المِلكيّة (أو السلطة) في طول بعضها البعض.
لكنّ الإمام الخميني (قدّس سرّه) يردّ هذا الاستدلال؛ لأنّه إذا باع أحد الوكلاء المنزل، فإنّ الوكيل الآخر يفقد القدرة على التصرّف فيه. و هذا دلیل علی أنّ القوة الموجودة هنا هي أولوية التصرّف و ليست المِلكيّة. فلو كانت مِلكيّةً، لكان يجب أن يتمكّن كلاهما من إحداث مِلكيّة بشكل مستقل دون أن يحصل تنافٍ بين تصرّفهما. قال ما نصّه:
«إنّ الفارق لدى العرف و العقلاء أوضح من أن يخفى، فإنّ الملكيّة نحو إضافة لازمها اختصاص المال بالمالك أو نحو اختصاص له به و كون شيء بكلّيته ملكاً مختصّاً بأكثر من واحد تناقض في الاعتبار. و أمّا استقلال التصرّف اللازم للوصيّة ليس إلّا نفوذ تصرّفه بلا احتياج إلى ضمّ نظر آخر و إجازته، فلو باع أحد الوصيين أو الوكيلين جميع دار من رجل و باع الآخر جميعها من آخر، فهل يمكن القول بصحّتهما و عدم تعارضهما؟ فلو لا التنافي بين الملكيتين المستقلّتين على شيء واحد لم يقع التعارض بينهما، فلا بدّ من القول بوقوعهما صحيحين و كلّ منهما صار مالكاً لجميعه و هو كما ترى واضح الفساد. و ليس ذلك إلّا لوضوح التنافي المذكور لدى العرف و العقلاء، فقياس ملك التصرّف مع ملك العين مع الفارق و السند حكم العرف.»[5]
خلاصة النقاش حول جواز أخذ الأُجرة على الواجبات
النتيجة النهائية: هي أنّ استئجار شخص لأداء عمل واجب هو صحيح و جائز، سواء تمّ طرح المسألة بـ «المِلكيّة الطوليّة» أو بـ «أولوية التصرّف الطوليّة».
تقویة العمل: المال الذي يُدفع يقع في طول العمل الواجب، و يكون في سياق التقوية و التأييد لهذا العمل، و ليس مقابلاً له بشكل مستقل.
قصد القربة: إذا استؤجر شخص لأداء صلاة الظهر و العصر و أخذ مالاً، فإنّ نيّته (قصد القربة و الإخلاص) تظلّ خالصةً لله تعالى. و حتّى لو قام الشخص بالعمل بدافع ماليّ بسبب الكسل أو الضعف، فما دام يقصد الإخلاص عند أدائه للعمل، فإنّ عمله يكون صحيحاً و مقبولاً عند الله.
عدم البطلان: في هذه الحالة، لا يبطل العمل، بل يتحقّق أداء الواجب (كالصلاة) و یأخذ الأجیر أجره المالي. و ينطبق هذا الحكم أيضاً على تشجيع الأبناء على الصلاة أو ترغیب المتردّدين على أداء الواجبات.