47/03/28
بسم الله الرحمن الرحیم
دراسة الأقوال/التکسّب بالواجبات /المکاسب المحرّمة
الموضوع: المکاسب المحرّمة/التکسّب بالواجبات / دراسة الأقوال
ملخص الجلسة الماضية:
نُوقش في الجلسة الماضية، بناءً على قول الشيخ الأنصاري (أعلى الله مقامه الشريف) في «المكاسب المحرمة» أنّ أحد الموارد التي يحرم التکسّب بها هو أخذ الأجرة (الدخل) على فعل الواجبات. و قد أفاد (رحمه الله) بأنّه إذا كان عملٌما واجباً على الإنسان، فإنّ أخذ الأجرة مقابل أدائه ليس جائزاً بل هو حرام؛ لأنّ الله سبحانه قد ألزم الإنسان بوظيفة فأخذ الأجر على أداء الوظيفة الشرعيّة ممنوع. و تُعرف هذه القاعدة الفقهيّة باسم «حرمة أخذ الأجرة على الواجبات». و في هذا الدرس، سيتمّ بحث شروط صحّة الإجارة و التمييز بين معاملة السفيه و المعاملة السفهية و كذلك الشروط المتعلقة بأجرة الواجبات.
شروط صحّة الإجارة
لغرض دراسة جواز أو حرمة أخذ الأجرة على الواجبات، تُطرح مسألتان أساسيّتان:
متى تصحّ الإجارة (عقد الأجرة) و متى تكون باطلةً؟
1 . عدم أكل المال بالباطل و الابتعاد عن المعاملة السفهيّة: يجب أن لا يكون المال المدفوع مقابل الإجارة من قبيل أكل المال بالباطل، أي يجب أن يكون في مقابل عمل مشروع و معقول.
2 . يجب أن لا تكون المعاملة سَفَهيّةً: أي يجب أن لا يعدّها العرف العقلاء غير عقلائيّة أو جنونية. يجب أن يرى العرف المعاملة معقولةً و لا يقول إنّ هذا الفعل سَفَه أو لا فائدة منه.
التمييز بين معاملة السفيه و المعاملة السفهيّة:
معاملة السفيه:
هي المعاملة التي يجريها شخص غير عاقل (السفيه). هذه المعاملة تكون باطلةً لفقدان العقل (الذي هو أحد شروط صحّة المعاملة) و لا يرتاب فقيه في بطلانها. حتى لو كانت الشروط الظاهريّة للمعاملة صحيحةً فإنّ المعاملة تكون باطلةً لعدم وجود العقل لدى الشخص.
المعاملة السفهيّة:
هي المعاملة التي يعدّها العرف غير عقلانيّة و لكن يقوم بها شخص عاقل.
مثال: هناك شخص يدفع عشرة ملايين تومان مقابل سلعة قيمتها عشرة آلاف تومان، لأنّه يرغب في ذلك أو لديه دافع (مثل مساعدة فقير أو إرضاء شخص معين).
يعتقد الفقهاء أنّ المعاملة السفهيّة ليست باطلةً؛ لأنّ الشخص عاقل و له الحقّ في التصرّف في ماله. قد تبدو هذه المعاملة غير عقلانيّة في نظر العرف و لكنّها ليست حراماً و لا باطلةً.
أدلّة الجواز:
يمكن للشخص العاقل أن ينفق ماله بأيّ طريقة يشاء، بشرط ألّا يلحق ضرراً بالآخرين أو لا یصیر مصداقاً لأكل المال بالباطل. قد تكون هناك دوافع مثل مساعدة المحتاجين أو إرضاء شخص معيّن و هي دوافع لا يذمّها العرف. لم یجعل الشارع منعاً في هذه الحالات و يكون خيار التصرّف في المال في فترة الحياة بيد صاحبه (على عكس سلب المال بعد الوفاة الذي تكون فيه قيود).
الفرق الجوهري:
معاملة السفيه: باطلة بسبب فقدان العقل.
معاملة السَّفهِيَّة: صحيحة لکون الشخص عاقلاً، حتّى لو اعتبرها العرف غير عقلانيّة؛ إذ لا يوجد هنا ضرر أو غرر (خداع).
تطبيق المعاملة السَّفهِيَّة في أجرة الواجبات
في مسألة دفع الأجرة للقيام بالواجبات إذا دفع شخص لآخر مالاً مقابل قيامه بواجباته (مثل الصلاة أو تنظيف المنزل)، یمکن أن تبدو هذه المعاملة «سَفَهِيَّةً» من منظور العرف.
مثال: يقول شخص لآخر: «أعطيك مليون تومان فاذهب و صلِّ» أو «نظّف منزلك». قد يُنظر إلى هذا العمل على أنّه غير عقلانيّ عرفاً و لكن بما أنّ المعاملة السَّفهِيَّة ليست باطلةً فإنّ الإجارة في مثل هذه الحالات تكون صحيحةً.
التحليل: دفع المال لتشجيع شخص على القيام بواجب (كالصلاة أو التنظيف) إذا كان هذا الفعل عقلائياً غیر مندرج تحت أكل المال بالباطل أو إلحاق الضرر)، يكون جائزاً و صحيحاً.
الشرطُ المأخوذ في کلام الشيخ الأعظم الأنصاري (رحمهالله) و هو لزوم رجوع المنفعة للباذل (دافع المال) و الإشكالات الواردة عليه:
ذهب الشيخ الأنصاري (رحمه الله) إلى أنّ الإجارة لا تكون صحيحةً إلا إذا عادت منفعته (ماديّة أو معنويّة) إلى الباذل (أي دافع الأجرة).
مثال: إذا دفع شخصٌ مالاً مقابل أداء واجب (كالتنظيف أو الصلاة)، يجب أن تعود منفعةٌ إلی ذاك الشخص نفسه (الدافع).
إشکال علی الشیخ الأعظم
و قد رَدَّ هذا الشرطَ السیّد اليزدي[1] و الإيرواني[2] و بعضُ آخر[3] من العلماء، حيث ذهبوا إلى عدم لزوم عودة المنفعة إلى الباذل (دافع المال).
«إن أراد أنّ محلّ الكلام مختصّ بذلك فهو كما ترى؛ إذ لا مانع من أن يكون أعمّ و يكون الوجه في عدم الجواز في صورة عدم المنفعة للمستأجر متعدّداً مع أنّ مثل فعل الشخص صلاة الظهر عن نفسه أيضاً يمكن أن يكون متعلّقاً لغرض المستأجر إذ لا أقلّ من أن يكون قصده أن يكون اللّٰه مطاعاً و لا يجب في متعلّق الإجارة إلا كونه متعلقاً لغرض العقلاء و إن لم يعد منه نفع إلى المستأجر أ لا ترى أنّه يصحّ الاستيجار لكنس باب دار زيد لمجرّد الصداقة بينه و بين المستأجر و هكذا».[4]
دلیل الإشکال
قد ترجع المنفعة إلى الأجير (آخذ الأجرة) أو شخص ثالث أو المجتمع، و هذا القدر كافٍ.
مثال: إذا دفع شخصٌ مالاً لآخر لتنظيف بيته (بیت الأجیر) أو لصلاته (صلاة الأجیر) فإنّ المنفعة تعود إمّا إليه أو إلى المجتمع و لیست عائدةً إلى الباذل نفسه (دافع المال) و هذا جائز.
قد لا تكون هناك أيّة منفعة بل الدافع مجرد دافع شخصي (كالرغبة أو المساعدة) و هذا أيضاً لا إشكال فيه.
النتيجة: لا يلزم شرطُ عودة المنفعة إلى الباذل (دافع المال) فإنّ الإجارة تكون صحيحةً متى كانت عقلائيّةً و لم تكن مصداقاً للإسراف أو أكل المال بالباطل.
مسألة المباشرة في الواجبات:
الواجبات التي تُشترط فيها المباشرة
تكون المباشرة (الإتيان بالعمل من قِبَل الشخص نفسه) في بعض الواجبات، مثل صلاة الظهر شرطاً أساسيّاً، و لا يجوز تفويضها إلى الغير و لو مع دفع المال.
مثال: لا يجوز إعطاء شخص مائة مليار تومان ليصلّي صلاة ظهر شخص آخر؛ لأنّه يشترط فيها المباشرة و لا تجوز فيها النيابة.
و في مثل هذه الحالات، تكون الإجارة باطلةً و يصبح أخذ الأجرة (الأجر) على إتيان هذا الواجب حراماً.
الواجبات التي لا تُشترط فيها المباشرة
لا إشكال في أخذ الأجرة في الواجبات التي تجوز فيها النيابة (مثل الحجّ النيابي أو الواجبات الكفائيّة)، و لكن هذه الموارد خارجة عن نطاق بحثنا.
البحث الأصلي (محور النقاش)
إن بحثنا يتركّز حول الواجبات التي تجب على الأجير نفسه، ويأخذ الأجرة مقابل إتيان ذلك الواجب بعينه.
مثال: هناك شخص تجب عليه صلاة معيّنة، فيأخذ أجرة على أداء تلك الصلاة نفسها. هل هذا جائز؟
إمكان قصد القربة في الواجبات التعبديّة:
شبهة عدم قصد القربة:
في الواجبات التعبديّة (مثل الصلاة)، يعتقد البعض أنّ أخذ الأجرة يُفسد قصد القربة؛ و ذلك لأنّ الشخص يقوم بالعمل من أجل المال و ليس طاعةً لله تعالى.
حاصل الشبهة: إذا لم يوجد قصد القربة، فإنّ العمل (مثل الصلاة) باطل و بالتالي تكون الإجارة أيضاً باطلةً.
الرأي المقابل
يعتقد بعض الفقهاء أنّه يجوز للشخص أن يقصد القربة و في نفس الوقت يأخذ الأجرة.
التوضيح: يمكن للشخص المتديّن أن يقول: «أنا أصلي لله تعالى، سواء أعطيتموني مالاً أم لم تعطوني. و الآن بما أنّكم تدفعون مالاً، أقبل هذا المال، لكن إخلاصي ثابت».
مثال: إذا كان الشخص متديّناً و سيصلّي على أيّة حال، فإن استلام المال لا يمنع قصد القربة لديه.
الحاصل: إذا كان الشخص قاصداً للقربة ظاهراً و أتى بالعمل على وجه صحيح، فإنّ الإجارة صحيحة.
الواجبات المتعلّقة بالغیر (النیابيّة)
النقطة الأخرى هي أنّه لا إشکال في الواجبات المتعلّقة بالغیر مثل الحج النيابي، أن يستأجر الإنسان للقيام بها. فمثلاً، إذا مات شخص و لم يؤدِّ الحج فأنت تقوم بالحجّ النيابي عنه، فهذا هو «ما وجب على الغیر» خارج عن محلّ الکلام.
و الکلام حول الواجب على الأجير نفسه و هو يريد أن يأخذ أجرة أداء هذا العمل الواجب، و إلّا فمسألة صلاة الاستئجار و الحجّ النيابيّ تخرج عن نطاق الکلام؛ لأنّه ليس مِن «ما وجب على الشخص (الأجير)» بل كان واجباً على الغیر و هذا الشخص قد أصبح نائباً. هو ينوب عن الغیر. هذا مِن «ما وجب على الغیر» و ليس مِن «ما وجب على الأجیر».
فالحاصل: أنّ بحثنا هو في «ما وجب على الأجیر»؛ أي أن الواجب كان ثابتاً في الأصل على الأجیر نفسه، و الآن يريد أن يأخذ أجرةً زائدةً على ذلك لأداء هذا الواجب. فهل هذا جائز أم لا؟
الالتزام المالي الملزَم به في عقد الإيجار:
الإجارة بوصفها عقداً لازماً
الإجارة خلافاً للهبة (التي هي من العقود الجائزة) عقد لازم؛ فإذا كانت الإجارة صحيحةً:
يُلزَمُ دافعُ المالِ بدفع الأُجرة.
و يستحقّ الأجير مطالبة الأجرة.
مثال: إذا قال شخص: «أعطيك مليون تومان فاذهب و صلِّ» وقام الأجير بأداء الصلاة، فيجب على دافع المال أن يدفع الأُجرة. أمّا إذا كانت الإجارة باطلةً فلا ينشأ أي التزام.
دراسة صحّة الإجارة
السؤال هو: هل إجارة للقيام بواجب (كالصلاة) صحيحة؟ فإذا كانت صحيحةً، كان الالتزام المالي مُلزِماً. و إذا كانت باطلةً فلا يوجد أيّ تعهد.
أقول الفقهاء حول الحرمة أو جواز الأجرة علی الواجبات:
القول الأوّل: الحرمة مطلقاً
ذهب بعض الفقهاء إلی حرمة الأجرة علی الواجبات مطلقاً، سواء كانت تعبديّةً (كالصلاة) أو توصليّةً (كإزالة النجاسة) أو عينيّةً أو تخييريّةً أو كفائيّةً.[5] [6]
الدلیل: الواجب هو التكليف الشرعي، و لا يجوز أخذ المال مقابل أداء التكليف.
مثال ذلك: لا يجوز أخذ الأجرة على دفن الميّت (و هو واجب كفائي)؛ لأنّ أصل العمل واجب.
التفريق بين أصل العمل الواجب وخصوصيّاته
إنّ بعض الفقهاء الذين يقولون بحرمة أخذ الأجرة على الواجبات، ذهبوا إلی التفريق بين أصل العمل الواجب و بين خصوصيّاته:
أصل العمل الواجب: مثل أصل غسل الميّت و تكفينه و دفنه؛ فإنّ أخذ الأجرة على أصل هذه الأعمال حرام.
الخصوصيات و المستحبّات: مثل الدفن في مكان معيّن أو قراءة أذكار خاصّة أثناء الدفن فإنّ أخذ الأجرة تجوز على هذه الخصوصيات أو المستحبّات.
هناك توضيح: لا يجوز أخذ المال مقابل أداء الواجب الأصلي، و لكن يجوز أخذه مقابل الخصوصيّات أو المستحبّات المتعلّقة به.