« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

46/08/05

بسم الله الرحمن الرحیم

لزوم تدارك انخفاض القیمة/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /فقه النقد

 

الموضوع: فقه النقد/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /لزوم تدارك انخفاض القیمة

 

خلاصة الجلسة السابقة:

کان الکلام في الفقه المعاصر حول انخفاق قیمة النقد. من المباحث المهمّة في الفقه المعاصر دراسةُ انخفاض قیمة النقد و السؤال عن أنّه هل یجوز تدارك انخفاض قیمة النقد أم لا؟ الموضوع المطروح في هذا الصدد، دراسة ماهیة النقد من وجهة نظر کونه مثلیّاً أو قیمیّاً. المسألة هي أنّ النقد هل یُجعل في المثلیّات أو القیمیّات؟

في الفقه قاعدة کادت أن تکون مجمعاً علیها و هي أنّ: «ضمان المثليّ بالمثل و ضمان القيميّ بالقيمة»، أي إذا كان النقد مثليّاً، يتمّ تداركه بمثله و إذا كان قيميّاً، يجب دفع قيمته. الآن، السؤال هو: هل يُعدّ النقد من المثليّات أم من القيميّات؟ على سبيل المثال، القمح و الشعير یعدّان من المثليّات بينما الغنم و البقر و الجمل و البيت تعدّ من القيميّات.

في هذا المجال توجد أربعة آراء أصلیّة:

    1. النقد مثلي

کثیر من العلماء یعتقدون بمثلیّة النقد و یقولون إنّ خمسة آلاف تومان یومیّاً هي نفس خمسة آلاف تومان سابقاً و لا فرق بینهما من حیث الشکل و الماهیة.

    2. النقد قیمي

هناك بعض آخر یعتقدون بأنّ النقد یجب أن یقاس بقیمتة الحقیقیّة. علی سبیل المثال إنّ عشرة آلاف تومان قبل خمسین عاماً لا تعادل العشرة حالیّاً، بل یجب محاسبة قیمته الحقیقیّة.

    3. النقد قیميّ و مثلي

بعض الفقهاء یعتقدون بأنّ النقود تُعتبر في الظروف الزمنیّة القصیرة من المثلیّات و لا یعتني العرف بالتغیّر القلیل في قیمتها و لکن إذا مرّت فترة کثیرة صار النقد قیمیّاً لأجل اختلاف قیمته الیومیّة مع قیمته السابقة.

    4. النقد لا قیميّ و لا مثلي

هناك بعض آخر یعتقدون بأنّ المثليّ و القیميّ یتعلّقان بأشیاء ذوات القیمة أصالةً کالقمح و الشعیر المحتاج إلیهما، بینما أنّ النقد مجرّد وسیلة للتبادل و لا قیمة له ذاتیّة بل یعتبر وسیلةً لشراء السلع فحسب.

دراسة لزوم تدارك انخفاض قیمة النقد

أيّ رأي قبلناه من الآراء السابقة، يجب أن نقول بلزوم تدارك انخفاض قيمة النقد. إذا اعتبرنا النقد مثلیّاً، یُسأل: هل العشرة آلاف تومان منذ خمسين عاماً تساوي العشرة آلاف تومان اليوم؟ العرف العامّ لا يقبل مثل ذلك، لأنّ قيمة النقد قد تغيّرت بشكل كبير. لذلك، حتّى إذا اعتبرنا النقد مثليّاً، فإنّ اختلاف قيمته مع مرور الوقت يجعل من المستحيل عملاً أن نعتبره مثليّاً تماماً.

إن اعتبرنا النقد قیمیّاً، تجب محاسبة قیمته الحقیقیّة. على سبيل المثال، إذا كان بإمكاننا شراء كميّة معيّنة من الأرز أو الذهب بعشرة آلاف تومان في الماضي، فيجب اليوم أن نحاسب معادل تلك الكميّة من الأرز أو الذهب في الحسابات. ثمّ إنّ لهذا الرأي الذي قال به عدّة من العلماء منهم آيةالله معرفت، أصحاباً کثیرةً من بین الفقهاء.

أمّا الرأيان الأخيران، فتدارك انخفاض القیمة فيهما أمر واضح. يبدو أنّ هذين الرأيين الأخيرين هما الأفضل.

مع ذلك، حتّى في فرض قبولنا بأنّ النقد قیمي، يبقى السؤال حول الأساس الذي يُحاسب عليه قيمة النقد؟ قد جاء في كتاب المكاسب هذا النقاش حول دفع قیمة المال المغصوب و أنّه هل یجب تحدید القیمة وفقاً لیوم الغصب (یوم القبض) أو وفقاً لیوم الدفع (یوم الأداء) أو وفقاً لأعلی القیمة من بین قیمة القبض و الدفع (أعلی القیم)؟

و بالتالي، حتّى إذا قلنا بقیمیّة النقد فإنّ هناك اختلافاً حول طریقة تحدید القیمة. بعض الفقهاء يرون أنّه یجب لحاظ سعر يوم الدفع، بينما يرى آخرون أنّه یجب لحاظ سعر يوم الغصب أو حتّى أعلى السعر بين سعر یوم الغصب و یوم الدفع.

في النهاية، بأيّ رأي نأخذ من هذه الأربعة يمكننا الوصول إلى استنتاج أنّ تدارك انخفاض قيمة النقد هو أمر يستحقّ النظر و الدراسة. و لكن اختيار أيّ نظر من هذه النظريّات له تبعات فقهيّة خاصّة به يجب الالتفات إلیها.

على أيّ حال، هذه هي الآراء المختلفة التي تمّ طرحها. و ما يهمّنا في النهاية هو تحديد المثل و القيمة الحقيقيّة. على سبيل المثال، المبلغ الذي كان يعادل عشرة آلاف تومان قبل خمسين عاماً، لا يعادل نفس القيمة في الظروف الزمنیّة الحاليّة. بناءاً علی هذا يجب الالتفات إلی المثل و القيمة الحقيقيّة وفقاً للظروف الحاليّة.

هذا الموضوع مؤیّد عند العقل و المنطق أیضاً. على سبيل المثال، إذا غصب شخص مالَ الآخر ثمّ تلف المال في یده ففي البداية يكون الغاصب ملزماً بإعادة نفس المال. كما ورد في القرآن الكريم: ﴿فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ﴾؛[1] و جاء أيضاً في الروايات: «عَلَی الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّیَهُ»؛[2] فالواجب الأوّل هو إعادة العين نفسها و إذا لم یتمکّن من إعادة العين فيجب المثل و إذا فقد المثل جاء دور القیمة. هذا الترتيب منطقيّ تماماً و مقبول عند العقلاء.

لكن هناك نقطة مهمّة في هذا المجال؛ و هي أنّ السيرة العقلائية الموجودة في هذا المجال التي لم یردع عنها الشارع، ليست دليلاً لفظيّاً، بل هي دليل لبّي. لذلك، لا یکون إطلاقها كالإجماع أو سائر الأدلّة اللفظيّة، بل الحجّة هو القدر المتيقّن منها. بعبارة أخری: السيرة العقلائيّة تكون معتبرةً عندما لا يكون هناك فرق كبير في القيمة. أمّا إذا كان الفارق كبيراً لدرجة أنّ مثل هذا النقد لم يعدّ ذا قيمة لصاحبه، فلا يمكن الاستناد حينئذٍ إلى السيرة العقلائيّة.

یعتقد آية الله المكارم الشيرازيّ (حفظه الله) أنّه يجب الرجوع إلى العرف لمعرفة أنّه هل یتحقّق أداء الدین بهذا المبلغ أم لا؟

على سبيل المثال، إفترض أنّ بنّاءاً قد قام منذ عشر سنوات ببناء منزل لشخص و كان أجره اليوميّ في ذلك الوقت عشرة آلاف تومان، لكن الآن قد ارتفع أجره اليوميّ إلى خمسمائة ألف تومان. إذا أردنا الدفع وفقاً للقيمة السابقة، لم یتحقّق أداء الدین في الحقيقة. و هذه الحالة تنطبق أيضاً على المهر. إذا كان شخص قد حدّد مبلغ ألف تومان بعنوان المهر قبل خمسين عاماً، فإنّ دفع نفس المبلغ الآن لا یسمّی أداءاً للدين.

یعتقد آية الله المكارم الشيرازيّ (حفظه الله) أنّه في حال وجود فرق كبير في القيمة، يجب التدارك وفقاً للقيمة الجديدة. و لكن في الفروق القلیلة، يكفي المبلغ الأصلي.

الإشکال الذي نوجّهه إلى آيةالله المكارم الشيرازيّ هو أنّه يرى أنّ الأصل هو إعادة نفس النقد، إلّا إذا كان الفارق كبيراً. فهو يقبل الفارق الكبير، لكنّه لا يقبل الفارق القلیل. لدی آية الله السيستانيّ (حفظه الله) أيضاً رأي مشابه، حيث يعتبر الفروق الكبيرة موجبةً للزوم التدارك و لا یحکم بلزوم التدارك في الفارق القلیل. نحن نعتقد بوجوب محاسبة الفرق حتّی في فترات قصيرة، حيث كان الفارق ملحوظاً عند العقلاء و لا يقتصر الأمر على الفروق الكبيرة فقط؛ لذلك نجعل الأصل علی التدارك إلّا ما خرج بالدلیل، بينما أنّ الرأي المعاكس یجعل الأصل هو عدم لزوم التدارك.


logo