بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی
45/10/14
بسم الله الرحمن الرحیم
إشکال کون التأمین غرریّاً/ ماهیّة التأمین/التأمین
الموضوع: التأمین/ ماهیّة التأمین/ إشکال کون التأمین غرریّاً
خلاصة الجلسة السابقة: کان بحثنا في الفقه المعاصر حول «عقد التأمین» و أنّه هل یکون في التأمین إشکال الغرریّة؟ قلنا إنّ الروایة التي ثبت أنّها صدرت عن النبيّ (صلّیاللهعلیهوآله) هو ما روي أنّه «نَهَى رَسُولُ اللهِ (صَلَّىاللهُعَلَيْهِوَآلِهِوسَلَّمَ) عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ»[1] . یکون الکلام في أنّ النهي یختصّ بالبیع أم الغرر منهيّ في جمیع المعاملات و لا یجوز أن یوجد غرر مطلقاً؟ هل یکون الغرر مبطلاً في المعاملات مطلقاً أو یکون له مراتب لا إشکال فیها؟ فإذاً نحتاج إلی أن ندارس روایات المسألة و موارد أخری حتّی یظهر أنّه ما مقدار الغرر الذي أجازه الشارع المقدّس و ما مقدار الذي لم یجزه.
المورد الأوّل: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[2] عَنْ أَبِيهِ[3] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ[4] عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ[5] عَنِ الْحَلَبِيِّ[6] قَالَ: «سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیهالسلام) عَنْ شِرَاءِ النَّخْلِ وَ الْكَرْمِ وَ الثِّمَارِ ثَلَاثَ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعَ سِنِينَ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ يَقُولُ إِنْ لَمْ يُخْرِجْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَخْرَجَ فِي قَابِلٍ وَ إِنِ اشْتَرَيْتَهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تَشْتَرِهِ حَتَّى يَبْلُغَ فَإِنِ اشْتَرَيْتَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ فَلَا بَأْسَ وَ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الثَّمَرَةَ الْمُسَمَّاةَ مِنْ أَرْضٍ فَهَلَكَ ثَمَرَةُ تِلْكَ الْأَرْضِ كُلُّهَا فَقَالَ قَدِ اخْتَصَمُوا فِي ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّىاللهُعَلَيْهِوَآلِهِوسَلَّمَ) فَكَانُوا يَذْكُرُونَ ذَلِكَ فَلَمَّا رَآهُمْ لَا يَدَعُونَ الْخُصُومَةَ نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ الْبَيْعِ حَتَّى تَبْلُغَ الثَّمَرَةُ وَ لَمْ يُحَرِّمْهُ وَ لَكِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ خُصُومَتِهِمْ«.[7]
سند هذه الروایة صحیح؛ إذ جمیع رواتها من ثقات الإمامیّة.
في هذه المعاملة غرر؛ إذا لا یُعلم مقدار التمر و أنّ هذه السنة من السنین التي یعطي النخل تمراً کثیراً أو سیعطي قلیلاً؟ غیر معلوم. هذه المعاملة غرریّة و قد جوّزها الإمام (علیهالسلام)؛ إذا المعاملة تکون لعدّة سنوات و في النهایة یعطي النخل تمره في بعض هذه السنین و یُجعل الثمن مقابل مقدار من التمر. إن کانت مدّة المعاملة سنةً واحدةً فلیست صحیحةً؛ إذ یمکن أن یُعطي النقود و لکن في هذه السنة لا نصیب له.
یستفاد من هذه الروایة أنّ مقداراً من الغرر لیس مضرّاً، بل الغرر التامّ هو الذي یوجد الإشکال؛ فلا إشکال في بعض مراتب الغرر و لبعض مراتبه الأخری إشکال. و أیضاً یستفاد من الروایة أنّ الغرر لیس منهیّاً مطلقاً، بل قد نُهي عنه؛ لأنّه یوجب الخصومة.
المورد الثاني: الصلح في الدعاوي الاحتماليّة
قال أحد لك إنّ لي علیك دیناً و لکن لا تتذکّر ما هو مقداره و هو أیضاً لا یعلم. ثمّ أنت تصالحه بمقدار من الفلوس و یرضی هو أیضاً. الغرر في هذا الصلح موجود و لکن لا إشکال في المصالحة.
المورد الثالث: استرداد الآبق و عقد الجعالة
هرب عبد شخص أو ولده من منزله أو فقد ماله؛ فلذلك أعلن بأنّ من وجد ضالّتي کافأته بمبلغ معیّن. ثمّ إنّ من أراد العثور علیها لا یعرف في مکان و أيّ بلد یبحث عنها و أيّ مدّة یجب أن یبحث، یمکن أن یجدها هذا الیوم أو بعد شهر أو یسعی عدّة شهور و لکن لا یجدها؛ ففي هذا العقد غرر کثیر و لکنّ الشارع المقدّس قد أیّده. إن وجد الضالّة استحقّ الأجرة و إلّا فلا شيء له.
المورد الرابع: الضمان
یستقرض أحد مبلغاً کثیراً و یعتمد علیه صدیقه فیضمن له أداءه من دون علم بالمبلغ. قد صحّح الفقهاء و القانون مثل هذا الضمان. جاء في القانون المدني: «لا یشترط علم الضامن بمقدار الدین الذي یضمنه و لا بأوصافه و شرائطه؛ فلذلك إذا ضمن أحد دین الآخر من دون علم بمقداره فالضمان صحیح».[8] هذا الضمان غرر تماماً؛ إذ یمکن أن لا یؤدّي المستقرض دینه أو یموت فلم یؤدّه ورثته.
قیل في معنی الغرر معنیان:
الجهالة؛ أعني یکون الشيء مجهولاً غیر معلوم في المستقبل، یمکن أن نموت و یمکن أن نبقی و نستفید.
2- «الغَرَرُ الخَطَرُ»[9] هذا المعنی أدق.
الجهالة نوعان: بعضها یؤدّي إلی الخطر و الإبادة للإنسان و بعضها لا یبید الإنسان، بل یکون عقلائیّاً صحیحاً و یراد الاستنتاج منها. في التأمین تعطي مبلغاً لشرکة التأمین و تؤمّن سیّارتك لمدّة سنة واحدة فإنّ هناك جهالةً؛ إذ یمکن أن تقع حادثة و تأخذ خسارةً کثیرةً و یمکن أن لا تقع حادثة فلم تأخذ الخسارة. في هذا العمل جهالة و لیس فیه خطر.
المورد الخامس: بیع الحیوان الهارب
لا یجوز في الشریعة بیع الحیوان الذي هرب و لم یبق منه أثر و لکن ورد في الروایة أنّه یجوز بیعه مع الضمّ. علی سبیل المثال یبیع ذلك الفرس الهارب بضمّ هذا الغنم بهذا المبلغ. في هذه المعاملة غرر أیضاً و لکنّ الشارع قد أیّدها.
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى[10] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ[11] عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى[12] عَنْ سَمَاعَةَ[13] قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ وَ هُوَ آبِقٌ مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ لَا يَصْلُحُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مَعَهُ شَيْئاً آخَرَ فَيَقُولَ أَشْتَرِي مِنْكَ هَذَا الشَّيْءَ وَ عَبْدَكَ بِكَذَا وَ كَذَا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْعَبْدِ كَانَ ثَمَنُهُ الَّذِي نَقَدَ فِي الشَّيْءِ.[14]
هذه الروایة موثّقة. تدلّ علی أنّه لا یجوز الغرر التامّ في المعاملة و لکن مقدار من الغرر فلا بأس به.
ثمّ إنّه من خلال هذه الموارد و الروایات یثبت أنّه لا بأس بوجود مقدار من الغرر في المعاملة؛ لکنّ الشیخ الأنصاريّ (رحمهالله) قد خالف مع هذا المرأی حیث قال: «لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضمّ معلوم ٍإليه و عدمه؛ لأنّ ضمّ المعلوم إليه لا يخرجه عن الجهالة فيكون المجموع مجهولاً؛ إذ لا يُعنى بالمجهول ما كان كلّ جزءٍ جزءٍ منه مجهولاً. و يتفرّع على ذلك: أنّه لا يجوز بيع سمك الآجام و لو كان مملوكاً؛ لجهالته و إن ضمّ إليه القصب أو غيره. و لا اللبن في الضرع و لو ضمّ إليه ما يحلب منه أو غيره».[15]
فلندارس مرأی الشیخ الأنصاريّ (رحمهالله) في الجلسة الآتیة إن شاء الله- تعالی.