بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی
45/10/07
بسم الله الرحمن الرحیم
إشکال کون التأمین غرریّاً/ ماهیّة التأمین/التأمین
الموضوع: التأمین/ ماهیّة التأمین/ إشکال کون التأمین غرریّاً
خلاصة الجلسة السابقة: کان بحثنا في الفقه المعاصر حول «عقد التأمین» و أنّه هل التأمین عقد شرعاً أم لا؟ قد ذکرنا في هذا الصدد مطالب.
إشکال کون التأمین غرریّاً
من الإشکالات الواردة علی التأمین هو أنّ التأمین عقد غرريّ و قد نُهي عنه. «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّىاللهُعَلَيْهِوَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ»[1] و في التأمین غرر و جهالة من جانب المستأمن و المؤمّن کلیهما. تذهب إلی شرکة التأمین و تعطي مقداراً من الفلوس حتّی تؤمّن سیّارتك لتدراك الشرکة الخسارة الواردة علی سیّارتك و لكن يمكن أن لا تقع أيّ حادثة في مدّة زمن تعهّد عقد التأمین. و من جانب آخر یمکن أن تقع الحادثة في سنة واحدة مرّاتٍ و یلزم علی الشرکة تدارك خساراتٍ کثیرة. ما یأخذه المستأمن في مقابل المبلغ الذي قد أعطاه؟ یمکن أن یأخذ ملائین ریالاً ریالٍ أو لا یأخذ ریالاً واحداً. و من جانب آخر یأخذ المؤمّن مبلغاً و لا یُعلم أنّ التصادم سیقع في المستقبل أم لا؟ و إن وقع التصادم فکم مبلغ الخسارة؟ الخطر الموجود هنا لیس قلیلاً بل یکون کثیراً؛ یمکن أن لا یُعطی ریالٌ و یمکن أن یُعطی الملیارد.
هنا نکتة: هل نحن مضطرّون إلی التأمین؟ إن لم یکن التأمین فإذاً لا نتمکّن من الحیاة أو یمکن أن نعیش مع المراقبة؟ إنّ الناس محتاجون إلی السیّارة و لکن لا یکون امتلاکها اضطراریّاً، بل یمکن الإیاب و الذهاب مع الوسائل النقلیّة العمومیّة. لیست هناك ضرورة حتّی تکون رافعةً للتکلیف و الغرر. قد عاش الناس في الأیّام الماضیة بدون التأمین الصحّي و إن جعل التأمین الصحّيُ الحیاةَ أسهل.
دراسة الروایة و قاعدة نفي الغرر
یلزم لوضوح البحث أن یُدارَس من أین جاءت قاعدة نفي الضرر؟ ما روایتها؟ کیف سندها و دلالتها؟
قد نقلت روایتان:
1- «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّىاللهُعَلَيْهِوَآلِهِوسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ».[2]
2- «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّىاللهُعَلَيْهِوَآلِهِوسَلَّمَ عَنْ الْغَرَرِ».[3]
هنا سؤال و هو أنّ النبيّ (صلّىاللّهعليهوآله) نهی عن البیع الغرريّ أم عن کلّ غرر؟ إن نهی عن البیع الغرريّ اختصّت الروایة بالبیع و البیع الغرريّ باطل فقط لا العقود الأخری. و إن نُهي عن الغرر فلا یجوز وجود الغرر في کلّ عقد.
دراسة سندیّة:
روایة بیع الغرر
قد اعتقد آیةالله الخوئي (رحمهالله) بأنّ روایة النهي عن البیع الغرريّ لا تکون معتبرةً سنداً و لکنّ المشهور قد عملوا بها.[4]
هنا اتّجاهان؛ قد جعل مشهور الفقهاء عمل الأصحاب جابراً لضعف السند و لکن بعضهم کالمحقّق الخوئي (رحمهالله) لم یقبل هذا.
إن أردنا أن نتمسّك بالروایة فلیُعمل بمتن الروایة و إن لم تُقبل الروایة فالمرجع هو العقل و بناء العقلاء.
ثمّ إنّ المحقّق النائینيّ (رحمهالله) قد قبل سند الروایة و قال إنّ الخاصّة و العامّة قد قبلوا الروایة؛ فلیُعمل بها و إن کانت ضعیفةً سنداً.[5]
لکنّ الإمام الخمینيّ (رحمهالله) قائل بأنّ الروایة لا تکون مرسلة ًخلافاً لبعض و اعتقد أنّ للروایة أسناداً کثیرةً و تکون مسندةً لا مرسلةً و الأسناد موجودة في وسائل الشیعة[6] و مستدرکها.[7]
برأینا یجب تلقّي هذه الروایة بالقبول؛ إذ السند علی مرأی الإمام الخمینيّ (رحمهالله) صحیح و من جانب آخر لو کان السند ضعیفاً فعمل المشهور یجبر ضعفها؛ مضافاً إلی أنّ الروایة مطابقة لحکم العقل و یقول عقلاء العالم لا یجوز البیع إذا کان فیه غرر و جهالة.
بناءاً علی هذه القرائة من الروایة، یوجد الغرر في عقود مثل المساقاة و الشرکة و الجعالة و ... و لکن لا یجوز أن یکون في البیع غرر. و التعدّي من البیع إلی العقود الأخری یحتاج إلی الدلیل. في عقد المضاربة غرر و جهل؛ إذ لا أعلم ماذا یحدث، یمکن حدوث الإعسار. في المزارعة أیضاً یوجد الغرر حیث إنّه لا یُعلم ماذا یحدث بالمحصول. في المصالحة إذا لم یعلم الطرفان وجود الدین أو مقداره ثمّ یعلم أحد الطرفین أنّ مقدار الدین یختلف کثیراً مع المقدار المصالحعلیه فلا یمکنه فعل شيء.
روایة الغرر
إن صحّت القرائة الثانیة للروایة فالنهي عن الغرر لا یکون مختصّاً بالبیع بل یبطل کلّ عقد فیه غرر. لیست هذه الروایة موجودةً في الکتب الروائیّة.
قال المحقّق الخوئي (رحمهالله) في مورد هذه العبارة: «فلم توجد لا في كتبنا و لا في كتب العامّة. و قد تتبّعنا و فحصنا عنها في مظانّها فلم نعثر عليها، فلا أساس لهذه المرسلة التي تفرّد بنقلها الصدوق. و معه لا يحتمل استناد المشهور إليها ليدّعى الانجبار».[8]
إشکالان علی المحقّق الخوئي:
الإشکال الأوّل
إنّه لم ینقل الشیخ الصدوق (رحمهالله) هذه الروایة.
الإشکال الثاني
نقلت هذه الروایة في کتبنا الفقهیّة.[9]
قال المحقّق النائینيّ (رحمهالله): «فقد ذكره العلّامة مرسلاً و هو متفرّد بنقله و يحتمل قويّاً وقوع السقط في نسخته بإسقاط كلمة البيع فلا اعتماد به»[10]
إشکال في کلام المحقّق النائیني
إنّه لیس العلّامة متفرّداً بنقلها؛ بل ذکرها کثیر من الفقهاء.
دراسة الدلالة
ثمّ إنّا قبلنا في بحث السند أنّ العبارة الأولی، من الروایة. إذا کان قوله «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّىاللهُعَلَيْهِوَآلِهِوسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ»[11] روایةً فما معناها و دلالتها؟ النهي في الروایة تکلیفيّ أم وضعي؟ و بعبارة أخری یحرم بیع الغرر أم یبطل؟ قد نُهي عن البیع وقت النداء لصلاة الجمعة في قوله- تعالی: ﴿إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَ ذَرُوا الْبَيعَ﴾[12] فهل یحرم البیع الواقع وقت صلاة الجمعة أم یبطل؟ إنّ النظر إلی الأجنبیّة عند المعاملة حرام و لکن لیس البیع باطلاً. إذا کانت في معاملة جهالة و لکنّ الطرفین یعتمد بعضهما علی بعض فهل توجب الجهالة بطلان المعاملة؟ إستفادتنا من الروایة أنّ النهي عن بیع الغرر یکون نهیاً تکلیفیّاً و وضعیّاً معاً. قد نهی رسول الله صلّیاللهعلیهوآله عن بیع الغرر في الاجتماع بعنوان القاعدة و القانون. و إذا لم یکن هناك هذا القانون ازدادت حینئذٍ قضایا کثیرة قضائیّة أمام الحاکم. یمکن أن یجعل بعضٌ النهيَ هنا حکماً تکلیفیّاً فقط، لا وضعیّاً.
معرفة معنی الغرر
ما معنی الغرر؟
من معاني الغرر، «الخطر». قال في لسان العرب: «الغَرَرُ الخَطَرُ. وَ نَهَى رَسُولُ اللَّه صَلَّىاللَّهُعَلَيْهِوآلِهِوَسَلَّمَ عَنِ بَيْعِ الغَرَرِ».[13] إذا ذکرت الروایة في کتب اللغة یشعر ذلك بأنّ الروایة مورد التفات من جانب الناس. المعنی الآخر للغرر هو «الجهالة». الخطر یرجع إلی الجهالة أیضاً حیث إنّ الإنسان لا یعلم ماذا یحدث.
تعدّي الغرر من البیع إلی سائر العقود
هل یختصّ الغرر بالبیع أم یشمل جمیع العقود؟ قال بعض: صحیح أنّه أستعمل لفظ البیع في الروایة و لکن لا خصوصیّة في البیع، بل الجهالة ستوجِد مشکلةً حیث وجدت. ذکر البیع من جهة بیان مورد الغالب في ذاك الزمان. إذا وجدت الجهالة في العقود ازدادت الخصومات و الشکایات فإذاً یجب أن یذکر جمیع الشرائط ابتداءاً حتّی لا تقع أيّ خصومة.
برأینا إنّ هذا المرأی لیس صحیحاً و الروایة خاصّة بالبیع؛ إذ کما قلنا إنّ الشارع قد أیّد عقوداً أخری کالمضاربة و المساقاة و المزارعة و الشرکة و نحوها مع أنّ الجهالة موجودة فیها و لکن لا توجب البطلان. في عقد المضاربة جهالة و خطر جدّي؛ إذ یمکن أن یتضرّر العامل من دون إفراط و تفریط أو یسرق الأموال. إنّ الثمار في معاملة السلف لم تنضج بعدُ و تکون صغیرةً و لکنّ الروایة قد أیّدتها مع أنّه لا یُعلم أنّ الثمار هل ینمو في المستقبل حتّی یتمکّن من بیعها أم لا؟