< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

45/08/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التأمین/ ماهیّة التأمین/ الطریق الثاني لتصحیح التأمین

خلاصة الجلسة السابقة: کان بحثنا في الفقه المعاصر حول «عقد التأمین» و أنّه یکون من العقود التوقیفیّة الشرعیّة أم لا؟ و قد حصل لنا هذا الإنتاج من أنّ عقد التأمین شبیه بعقد الضمان. و قد ذُکر أیضاً بحث آخر و هو أنّه إن لم یندرج التأمین تحت أيّ عقد من العقود الشرعیّة فهل یکون هناك طریق آخر لتصحیحه؟ و قد قلنا إنّ لدینا آیاتٍ و روایاتٍ مبنيّةً علی أنّه یمکن القول بأنّ العقود الجدیدة صحیحة و ذلك مشروط بقبولها من جانب العرف و العقلاء مع کونها غیر مخالفة لنهي الشارع.

قال الله- تعالی: ﴿يا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَينَكُمْ بِالْبَاطِلِ[1] إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾[2] ؛ فإنّ قوله ﴿لَا تَأْكُلُوا﴾ بمعنی «لا تتصرّفوا» من غیر حق. بیع الدار لیس بأکل بل المقصود هنا الاستعمال الغالب. تکون الباء في قوله ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ سببيّةً؛ أي لا یکن التصرّف في الأموال بسبب باطل. و قوله- تعالی: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾ یُفهِم أنّ التجارة إذا کانت مع التراضي فلا إشکال فیها و هي حقّ لا باطل؛ فإنّ قوله ﴿تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾ یشمل قطعاً البیع و الصلح و المضاربة و ... إذا کانت مع التراضي.

ثمّ إنّ إطلاق قوله- تعالی: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾ المقابل لقوله ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ یقتضي شموله لکلّ تجارة. تستفاد من هذه الآیة، العلّیّة؛ أي: إنّ قوله- تعالی: ﴿تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾ علّة لصحّة جمیع العقود إذا کانت تجارةً عن تراض. نعم في بعض الموارد مثل النکاح و الوصیّة و الوقف و غیرها شبهة و هي أنّها هل تکون هذه الموارد داخلةً في مصادیق التجارة أم لا؟ هل تکون وصیّة من أوصی في ثلث ماله مع التراضي، داخلةً في التجارة مع التراضي؟ هل یکون نکاح من تزوّج مع التراضي تجارةً؟

قال الإمام الخمینيّ (رحمه‌الله): «و من هنا يمكن التوسعة في السبب الحقّ لكلّ ما هو سبب حقّ لدى العقلاء لتحصيل المال، كسائر المعاوضات العقلائيّة غير البيع».[3]

إذا استفدنا الحلیّة من قوله ﴿تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾ فالتأمین أیضاً داخل في التجارة. یمکن أن یوسّع في العلّة المستنبطة من الآیة لأنّ «العلّة تعمّم و تخصّص».

لا تختصّ التجارة بالبیع بل تشمل الصلح و الإجارة و ... حتّی الحیازة مثل أن یِحیي أحد أرضاً میتةً. الصید أیضاً من ﴿تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾ و قد وسّعها بعض بحیث تشمل النکاح أیضاً؛ إذ التراضي مهمّ و إن لم یکن اسمه تجارةً و لکن هناك منافع للطرفین.

ثمّ قال (رحمه‌الله) أخیراً: «و بالجملة: استفادة صحّة جميع المعاملات بالمعنى الأخصّ كالبيع و الصلح و الإجارة و نحوها منها بلا إشكال و استفادة صحّة نحو الوصيّة و الوقف و الحيازة محتملة».[4]

نوع الاستثناء الموجود في الآیة

الاستثناء الموجود في الآیة من أيّ قسم من أقسام الاستثناء؟ هل یکون متّصلاً أم منقطعاً؟ هل تکون «تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ» من الباطل ثمّ أخرجت منه أو لم تکن من الباطل؟ مثال الاستثناء المتّصل مثل القول بأن «جاء القوم إلّا زیداً» حیث إنّ زیداً جزء القوم و متصّل به و لکن قوله «جاء القوم إلّا حماراً» فالاستثناء فیه منقطع لأنّ الحمار لیس جزءاً للقوم. و في هذه الآیة قوله «تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ» لیست جزءًا للباطل منذ البدایة و الاستثناء منقط و الاستثناء في الآیة سواء أ جعلناه منقطعاً أم متّصلاً، فنتیجته سواء.

هل الأصل في الاستثناء أن یکون متّصلاً أم منقطعاً؟ قال بعض إنّ الأصل أن یستخدم المتکلّم الاستثناء المتّصل و قال بعض إنّ استخدام الاستثناء المنقطع مطابق للبلاغة أیضاً.

ما معنی قول القائل «جاء القوم إلّا حماراً»؟ الاستفادة الأولی أنّه جاء القوم حتّی نسائهم و صبیانهم و الاستفادة الأخری أن جاء القوم و لکن لم یأتوا بمراکبهم و بعبارة أخری جاءوا من دون مراکبهم.

المثال الآخر: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾[5] ، فإنّ الاستثناء الموجود في هذه الآیة منقطع؛ إذ لیس الإبلیس من الملائکة، بل کان من الجنّ و کان یعبد مع الملائکة و لکن أبی من أمر الله- تعالی- لاستکباره.

المثال الآخر: ﴿لَا يسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَ لَا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً﴾[6] فإنّه لیس في الجنّة لغو و لا تأثیم حتّی یخرج منه شيء؛ فالاستثناء هنا منقطع.

یُعلم من هذه الأمثلة القرآنیّة أنّ الاستثناء المنقطع لیس خلاف الأصل و الاستثناء في آیة ﴿يا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَينَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾[7] منقطع و لا بأس به. قد یستخدم الاستثناء المنقطع في الکلام البلیغ أیضاً.

هنا إشکال: إن کان المراد من العقود في قوله- تعالی: ﴿يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾[8] العقود الشرعيّة فهو تحصیل للحاصل و إن کان المراد

منها «العقود العقلائيّة و العرفیّة» فهو معنی صحیح؛ کما علیه الشیخ الأعظم (رحمه‌الله)[9] ؛ فالمراد من التجارة و التراضي في قوله- تعالی: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾ التجارة العرفيّة و التراضي العرفي؛ لأنّه إن کان المراد التجارة الشرعیّة، لزم الدور و تحصیل للحاصل. فالآیة تقول إنّ تجاراتکم و تراضیاتکم العرفیّة، صحیحة و لا بأس بها؛ التأمین أیضاً مصداق لــ «تجارةً عن تراضٍ» و لکن قد رأی صاحب الجواهر أنّ المراد من العقود و التجارة الموجودة في الآیات، العقود و التجارات الشرعيّة.[10]


[1] و من غیر طریق شرعي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo