< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

45/06/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التأمین/ ماهيّة التأمین/ کون التأمین ضماناً

خلاصة الجلسة السابقة: کان بحثنا في الفقه المعاصر حول «عقد التأمین» و أنّه ینطبق مع أيّ عقد من العقود الشرعي؟ من المباحث التي قد دورست هو أنّ عقد التأمین هل ینطبق علی عقد الضمان؟ قیل: الضمان قد یکون بمعنی «ما في الذمّة»؛ أي یجب أن یکون شيء في ذمّة الإنسان فیصیر ضامناً لآخر؛ مثل ما أنّك تسقرض مبلغاً و یصیر آخر ضامناً لتأدیته. قد جعل بعض الفقهاء الضمان منحصراً في «ما في الذمّة» و لکن بعضهم یرون- و نحن نقول بهذا الرأي- أنّ الضمان لیس منحصراً في «ما في الذمّة»، بل الأعیان الخارجيّة أیضاً قابلة للتضمین و قد ذهب إلی هذا الرأي المحقّق الحلّي (رحمه‌الله) في الشرائع حیث قال: «و في ضمان الأعيان المضمونة كالغصب و المقبوض بالبيع الفاسد تردّد و الأشبه الجواز»[1] و لکنّ المحقّق صاحب الجواهر قد خالف هذا الرأي.[2]

الأعیان الخارجيّة قد تکون أموالاً و قد تکون أنفساً؛ مثل أن یصیر شخص مسجوناً ثمّ ضمنتَ له حتّی یطلّقوه ثمّ أنت الذي تولّیتَ تسلیمه إن أرادوا رجوعه. و من هنا قال المحقّق الحلّيّ (رحمه‌الله) في تعریف الضمان: «الضمان و هو عقد شرّع للتعهّد بمال أو نفس».[3]

ثمّ إن قبل هذا الرأي بأنّ الضمان له معنی واسع بحیث یشمل «ما في الذمّة» و الأعیان الخارجيّة أیضاً فهو ینطبق علی عقد التأمین.

من مصادیق الضمان علی الأعیان الخارجيّة، الضمان الحاصل من المال المغصوب أو المقبوض بالعقد الفاسد. علی سبیل المثال أن تحتمل أنّ البائع للسلعة لیس بمالك؛ ثم تقول: بعت هذه السلعة في صورة ضمان شخص بأن لو کان في البین کید فسیضمن هذا الشخص. هذا الضمان بالنسبة إلی العین الخارجيّة لا الذمّة.

ثمّ إنّ آیةالله السبحاني (سلّمه‌الله) قد قبل الضمان في الأعیان الخارجيّة و مثّل له بالغصب و العاریة.[4] من استعار شيئاً فهو لیس بضامن في صورة عدم التفریط و الإفراط. و لکن ّ المعیر یمکن له أن یأخذ ضامناً یجبر الخسارة إن حدث حادث بأيّ سبب من الأسباب و یقال لهذا العمل، العاریة المضمونة.

قد قبل المحقّق الخوئيّ (رحمه‌الله) هذا الرأي أيضاً حیث قال: «و قد يكون هذا المعنى هو التعهّد بالمال و كون مسئوليّته عليه من دون انتقاله- بالفعل- إلى ذمّته، كما هو الحال في موارد ضمان العارية مع الشرط أو كون العين المستعارة ذهباً أو فضّةً، فإنّ ضمانها ليس بالمعنى المصطلح جزماً؛ إذ لا ينتقل شيء بالعارية إلى ذمّة المستعير، فإنّ العين لا تقبل الانتقال إلى الذمّة و هو غير مشغول الذمّة ببدلها قبل تلفها، فليس ضمانها إلّا بمعنى كون مسئوليّتها في عهدته بحيث يكون هو المتعهّد بردّها و لو مثلاً أو قيمةً عند تلفها. و نتيجة ذلك إلزام المستعير بردّها عيناً أو مثلاً أو قيمةً. و بهذا المعنى يستعمل الضمان في موارد كثيرة كقولهم: على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي و أنّ الغاصب ضامن، فإنّه لا يراد به إلّا التعهّد و كونه هو المسؤول عن المال و إلّا فهو غير مشغول الذمّة ببدله فعلاً».[5]

من الدلائل التي ذكرها المحقّق الخوئيّ (رحمه‌الله) في صحّة ضمان العین هي جملة «علی اليد ما أخذت حتّی تؤدّي» و أنّ المأخوذ هو العین الخارجیّة فإن کان العین موجودةً فهي المردودة و إن کانت تالفةً فالمردود هو المثل أو القیمة و هذه الجملة مأخوذة من قوله (علیه‌السلام): «لِلْيَدِ مَا أَخَذَت».[6]

الجملة الأخرى التي تدلّ على ضمان العین هي «إنّ الغاصب ضامن»؛ لأنّ الغاصب يغصب العین الخارجيّة؛ ففي الشريعة، تُستخدم كلمة «ضمان» أیضاً للأعیان الخارجيّة و هذه الجملة مأخوذة أیضاً من روایة تقول عن السارق: «يُسْتَسْعَى حَتَّى يُؤَدِّيَ‌ آخِرَ دِرْهَمٍ‌ سَرَقَه».[7]

و بقبول ضمان الأعیان، يطبّق آيةالله السبحانيّ (سلّمه‌الله) التأمين عليه.

هنا إشکال

یوجد في الفقه «ضمان ما لم یجب»؛ أي لیس علیك شيء و لکن اضمن. و هذا العنوان لیس معقولاً؛ لأنّه لیس شيء بعدُ علی الذمّة حتّی تصیر أنت ضامناً له؛ مثل المستقرض حیث وقع علی ذمّته شيء فیضمن له آخر و لکن إذا لم یکن هناك قرض فلأيّ شيء یصیر ضامناً؟ مثال آخر: ذهب رجل لخطبة امرأة و لکن بسبب قلّة دخله لا تستجیب المرأة فیضمن الرجل حینئذٍ من یستطیع دفع نفقة المرأة.

هناك ثلاثة فروض حول ضمان النفقة: ضمان النفقة الماضية و ضمان النفقة الحالية و ضمان النفقة المستقبلة. و لا بأس في ضمان النفقة الماضية؛ لأنّ دفعها علی الزوج و جاز لمن أراد أن يضمن له دفعها. لكن في النفقة الحالية مثلاً في أوّل الصباح يضمن أحد أنّ الرجل سيدفع نفقة الزوجة في هذا اليوم و قد تصیر المرأة ناشزةً في منتصف النهار ففي هذه الحالة لیست نفقتها واجبةً. و یقال لهذا الفرض عن ضمان النفقة، هو «ضمان ما لم یجب». أمّا بالنسبة إلی النفقة للأيّام القادمة، حيث أنّها لم تجب علی ذمّة الزوج بعدُ، فهو ضمان ما لم یجب و لیس صحیحاً.

و فيما يتعلّق بالتأمين فلم تحدث حتّى الآن حادثة للسّيارة ليضمن فيها أحد الضرر فیصیر حینئذٍ مصداقاً لــ «ضمان ما لم یجب» حیث یضمن المؤمّن للحادثة التي یمکن أن تقع. و إذا لم یکن ضمان ما لم یجب صحیحاً فالتأمین أیضاً غیر صحیح.

إجابة الإشکال

قال السيّد اليزديّ (رحمه‌الله): «و لا دليل على عدم صحّة ضمان ما لم يجب من نصّ أو إجماع و إن اشتهر في الألسن»[8] و ربّ شهرة لا أصل لها، نعم ذاك كلام مشهور و لکن لا حقیقة له. ثمّ قال (رحمه‌الله) في استدامة کلامه: «يجوز عندهم بلا خلاف بينهم ضمان درك الثمن للمشتري إذا ظهر كون المبيع مستحقّاً للغير أو ظهر بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحّته إذا كان ذلك بعد قبض الثمن كما قيّد به الأكثر أو مطلقاً كما أطلق آخر و هو الأقوى».[9]

يقدّم البائع ضامناً أنّه إذا كانت السلعة مملوكةً لشخص آخر أو إذا كان البيع غير صحيح لسبب ما، فإنّ الضامن سوف يعطي حقّ المشتري. هذا ضمان ما لم یجب؛ لأنّ بطلان البيع لم يعرف بعدُ و لكنّه ممكن.

قال الشهيد الأوّل (رحمه‌الله): «و لو ضمن درك ما يحدثه من بناء أو غرس فالأقوى جوازه».[10]

هناك بستانيّ جيّد ليست لديه أرض فيخبر صاحبَ الأرض أنّه سيغرس شجرةً في أرضه و عندما تثمر يتقاسمان الربح. يخشى البستانيّ أن يعمل بجدّ و لكن سيتبيّن أنّ المالك شخص آخر؛ لذلك يطلب من الطرف الآخر ضامناً بحيث إذا كان مالك الأرض شخصاً آخر فهو يقوم بدفع أجرة البستاني. لا توجد مشكلة مع مثل هذا الضمان المسمّی «بضمان ما لم یجب».

قال السیّد الیزديّ (رحمه‌الله): «يجوز ضمان النفقة الماضية للزوجة؛ لأنّها دين على الزوج. و كذا نفقة اليوم الحاضر لها إذا كانت ممكنةً في صبيحته، لوجوبها عليه حينئذٍ و إن لم تكن مستقرّةً؛ لاحتمال نشوزها في أثناء النهار، بناءً على سقوطها بذلك. و أمّا النفقة المستقبلة فلا يجوز ضمانها عندهم، لأنّه من ضمان ما لم يجب و لكن لا يبعد صحتّه، لكفاية وجود المقتضي و هو الزوجيّة».[11]

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo