< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

45/05/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التأمین/ ماهيّة التأمین/ کون التأمین ضماناً

خلاصة الجلسة السابقة: کان البحث في الفقه المعاصر حول «عقد التأمین» و أنّه ینطبق مع أيّ عقد من العقود الشرعیّة؟ یکون البحث في یومنا هذا حول تطبیقه علی عقد الضمان.

کون التأمین ضماناً

هل یمکن تطبیق عقد الضمان علی التأمین؟

معنی عقد الضمان

قال الشهید الأوّل (رحمه‌الله) في معنی الضمان: «هو التعهّد بالمال من البريء»[1] ؛ علی سبیل المثال یرید أحد من أصدقائك أن یستقرض و أنت تضمن له مع ما لم یکن علیك دین له.

یکون الضمان إمّا بمعنی «نقل الذمّة» أو بمعنی «ضمّ الذمّة إلی الذمّة». علی سبیل المثال إذا ضمنتَ لأحد في البنك، أمکن أن یقول لك متصدّي البنك إنّا نعرفك لأداء الدین و لا نلتفت إلی المستقرض فإن لم یدفع دینه عند حلول موقعه فإنّا نطالب منك، یقال في هذه الصورة «نقل الذمّة»؛ أي تنتقل ذمّة المدین إلی الضامن. و الحالة الثانیة أنّه یُطالب الدین في صورة عدم الدفع من المدین و إن لم یدفعه فمن الضامن، یقال في هذه الصورة «ضمّ الذمّة إلی الذمّة» حیث یکون المستقرض و الضامن کلاهما مدینین.

ثمّ إنّ الخاصّة و العامّة قد ذهبوا إلی صحّة «نقل الذمّة» و لکن في صحّة «ضمّ الذمّة إلی الذمّة» خلاف؛ قد ذهب إلیها بعض و قال بعض آخر: لا یمکن أن تکون الذمّة الواحدة علی شخصین بحیث یکون الدین کلّه علی ذمّة المدین مرّةً و أخری علی ذمّة الضامن کلتیهما، بل إن کان المستقرض مدیناً فلا دین علی الضامن و إن کان الضامن مدیناً فلا دین علی المستقرض. نعم یمکن أن یکون الدین نصفه علی المستقرض و نصفه الآخر علی الضامن.

و برأینا أنّه لا إشکال في ضمّ الذمّة إلی الذمّة و یمکن أن یختار أيّ حالة من حالات الضمان علی أساس ما وقع فيما بین المدین و الضامن.

قال آیة‌الله المکارم (سلّمه‌الله): «ینتقل دین المدین بعد الضمان إلی ذمّة الضامن و تبرأ ذمّة المدین. و إن طلب المدین الضمان من الضامن فللضامن أن یرجع علی المدین بعد أداءه الدین إلی الدائن. هناك نوع آخر للضمان و هو أنّ شخصاًمّا یضمن للآخر و هو یرید أنّ للدائن أن یرجع علیه إذا قصّر المدین المضمون له في أداء دینه أو لم یقدر علیه و هذا الضمان أیضاً صحیح. و غالب الضمانات في البنوك أو الضمانات للاستقراضات فهي من هذا القبیل (یقال للأوّل نقل الذمّة و للثاني ضمّ الذمّة إلی الذمّة و کلاهما صحیحان)».[2]

تشابه التأمین مع الضمان

لا یدین المؤمّن للمستأمن شيئاً و لکنّه متعهّد بالنسبة إلیه؛ یتعهّد أن یتدارك الخسارة إن وقعت. و هذا التعهّد مطابق لتعریف الضمان من أنّه (هو التعهّد بالمال من البريء). إنّ في تضمین الضامن راحةً لبالك و للبنك و هکذا في التأمین فإنّ للمستأمن أیضاً راحة البال مع تعهّد المؤمّن. قال الفقهاء إنّ أشبه عقد بالتأمین هو عقد الضمان؛ لا یکون عینه، بل یشبهه.

نوع الضمان في التأمین

التأمین من أيّ الضمانین؟ أ من «نقل الذمّة» أم «ضمّ الذمّة إلی الذمّة»؟

قال الإمام الخمینيّ (رحمه‌الله): «و يحتمل أن يكون ضماناً بعوض»[3] ؛ أي یأخذ الضامن بإزاء ضمانه عوضاً فإنّ شرکة التأمین تضمن الخسارة المحتملة عوض أخذ مبلغ من المستأمن.

هذا المرأی قد ذهب إلیه الشیخ حسین الحلّيّ (رحمه‌الله).[4]

هناك إشکال علی کون التأمین ضماناً

الضمان علی کلّيّ الذمّة لا العین الخارجيّة. إذا استقرض أحد، فقد وقع مبلغ معیّن علی ذمّته و الضامن ینقل هذه الذمّة إلی ذمّة نفسه أو یضمّ ذمّته إلی ذمّته. إنّ الضمان في کلتا الصورتین علی کلّيّ الذمّة و لیس في البین عین خارجیّة و لکن ما یکون في التأمین موجوداً هو العین لا الذمّة. یتعهّد المؤمّن المثل أو القیمة للمستأمن إذا بِیدت سیّارته أو وقعت خسارة علیها- مثلاً.

یجب أن یُنظَر في أنّه هل یمکن أن یکون الضمان علی العین؟ علی سبیل المثال إنّي أرید أن أسافر فأعیر مقادیر کثیرةً من الذهب من أحد حتّی یستعملها. و حیث إنّ مقدار الذهب کثیر بدرجة إن أنکره المستعیر ففیه خسارة عظیمة؛ فمن أجل ذلك یجب أن یضمن أحد علی أنّه إن تلف المال فهو الذي یتدارك الخسارة. یقال لمثل هذا الفعل، العاریة المضمونة. قد أعار بعض النالأجل المراسمات- الوسائل المحتاج إلیها من بعض و لکنهّم أخذوا شيئاً بعنوان الضمان حتّی أنّها إن عابت الوسیلة المستعارة، أعطی المستعیر خسارتها.

ثمّ إنّ العاریة المضمونة إن قبلت، قبل الضمان علی العین الخارجیّة؛ فالتأمین شبیه بالضمان.

هکذا تکون الکفالة و هي مثل أنّ هناك أحداً إذا أرادوا أن یحبسوه، کفل له شخص آخر بأنّه سیعود متی أرادوا رجوعه إلی المحبس و إن لم یرجع حبسوا الکفیل و هذه الکفالة هو الضمان علی العین الخارجیّة.

فعلی هذا یجب أن تزاد علی تعریف الضمان «النفس» و «العین» فنقول: إنّ الضمان: «هو التعهّد بالمال أو النفس من البريء»؛ کما یوجد أیضاً الضمان علی العین الخارجیّة في الضمان الحاصل علی العقد الفاسد فإنّ المحقّق الحلّيّ (رحمه‌الله) قال: «و في ضمان الأعيان المضمونة كالغصب و المقبوض بالبيع الفاسد تردّد و الأشبه الجواز».[5]

ثمّ إنّ صاحب الجواهر (رحمه‌الله) لم یقبل هذا المرأي و أشکل علیه حیث قال: «و فيه أنّه لا عموم يقتضي شرعيّة الضمان على الوجه المزبور، حتّى‌ قوله «الزعيم غارم» الذي هو ليس من أخبارنا، بل هو من قول الناس الذين هم مخالفونا كما سمعته في الخبر السابق الظاهر في الإنكار عليهم. و عموم ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾[6] إنّما يقتضي وجوب الوفاء بكلّ عقد على حسب مقتضاه و قد عرفت أنّ الضمان عندنا من النواقل و أنّ شرطه ثبوت المال في الذمّة و الأعيان المضمونة إنّما يجب ردّها و هو ليس بمال في الذمّة. و الغاصب- مثلاً- مخاطب‌ به إجماعاً؛ فيكون الضمان هنا ضمّ ذمّة إلى ذمّة أخرى و هو ليس من أصولنا».[7]

ثمّ إنّه بناءًا علی مرأی صاحب الجواهر فلا شرعيّة لضمان العین الخارجيّة، بل الصحیح هو ضمان الذمّة فقط. ثمّ إنّ هناك قاعدةً في الفقه و هو أنّ «الزعیم غارم». للزعیم معانٍ متعدّدة کــ «الرئیس» و منها «الضامن». یقال لــ «الرئیس» الزعیم؛ إذ یجب علیه أن یضمن الدنیا و الآخرة لمن تحت یده. إنّ معنی القاعدة الفقهیّة المذکورة هو أنّ تدارك الخسارة علی عهدة الضامن. و قد قبل العامّة هذه القاعدة علی أساس روایة قد نقلوها. و أمّا صاحب الجواهر لم یقبله لعدم کونها مرویّةً في روایاتنا، بل هي مرويّة في روایات العامّة. و من جانب آخر فإنّ مقتضی عموم الأمر بوفاء العهد المذکور في القرآن هو أنّه یجب انعقاد العقد علی حسب شرائطه و لا یجوز التجاوز عنها؛ أي إذا کان الضمان في الذمّة فلا یجوز التسرّي منها إلی العین الخارجیّة. ثمّ ذهب صاحب الجواهر إلی قبول نقل الذمّة دون «ضمّ الذمّة إلی الذمّة».


[1] اللمعة الدمشقيّة، الشهيد الأوّل، المجلّد1، الصفحة122.
[2] توضیح المسائل، للمکارم الشیرازي، الناصر، الصفحة381، المسألة 1977.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo