< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

45/03/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الفقه المعاصر/ التأمین/

بیان الموضوع

سيكون حديثنا و مناقشتنا حول «التأمين» الذي يعدّ من القضايا المبتلی‌بها في المجتمع الحالي. و هناك أنواع من التأمين مثل: الطبّي، التقاعدي، العمر، الزلزلة و الشخص الثالث و غيرها. في التأمين للشخص الثالث فأنت الشخص الأوّل الذي يعقد عقداً مع شركة التأمين التي هي الشخص الثاني علی أنّه إذا تعرّضتَ لتصادم، فإنّ التأمين سوف يدفع خسارة الشخص الثالث (المتضرّر). هل یکون أصل عقد التأمين شرعیّاً؟ في بعض الحالات یُجبرون الناس إلى القيام بنوع من التأمين، هل هذا شرعيّ أم لا؟ يجب علينا أن ندرس هذه القضايا؛ بعض العلماء یجعل التأمين مشروعاً و البعض غير مشروع؛ لکونه غرریّاً أو رباً.

التأمین عقد عقلائي

و ما تجب دراسته في هذا البحث، هو أنّ التأمین هل هو عقد مفید عقلائي؟ فعندما يكون الشيء عقلائيّاً، أمكن البحث في جزئیّاته في أنّ ما هي حیثیّته الشرعیّة؟

ثمّ إنّه لا شكّ في أنّ التأمين عقد مفيد عقلائي. لقد حدثت حوادث لبعض الأشخاص الذين لم يكن لديهم تأمين فدمّرت حياتهم كلّها لتصادم فإنّهم إذا کانوا مع التأمین فإنّ التأمين سوف يعوّض الضرر. و في بعض التصادمات يكون مقدار الضرر كثيراً لدرجة أنّه إذا باع المقصّر أمواله كلّها، فلا يستطيع تعويض الضرر؛ فتمتلئ السجون من هؤلاء المدينين و تتدّمر حياتهم الشريفة. يمكن للناس تأمين أنفسهم بقلیل من الفلوس حتّى لا يواجهوا أيّ مشكلة إذا حدثت لهم حادثة.

یجب الالتفات إلى أنّ فائدة التأمين وحدها لا تكفي؛ لأنّه قد يكون هناك شيء مفيد من وجهة نظر العقلاء، لكنه محرّم. یمکن أن يحبّ بعض الناس الربا و يعتبره جیّداً و مفيداً و لکن عند الشارع أنّه محرّم. ثمّ إنّ للاکتساب و العمل طرقاً محلّلةً؛ كالبيع و المضاربة و نحوها، يمكن القيام بها و یجب ترك غیرها من الطرق المحرّمة. إنّ التأمين من العقود النافعة التي يجب تمييز حلاله من حرامه، فلذلك تجب دراسة أنواع التأمين.

هناك مسألة أخرى تجب الدراسة فیها و هي أنّه هل یجوز للحكومة إجبار الناس على انعقاد التأمين. قد لا يرغب الإنسان في التأمين على نفسه، لكنّ الحكومة تجبره.

فوائد التأمین:

الکرامة الإنسانيّة

یجب الالتفات في مسألة فائدة التأمین إلی «کرامة الإنسان». قد یمکن أن یصیر بعض الأشخاص الشریفة و المحترمة ذلیلاً حقیراً فقیراً، مع ما علی الحکومة من حبسه و الإنفاق له؛ لأنّه لا یقدر علی إعطاء الخسارات و الذي یتبع شرافته فهو الذي أعطی لنفسه التأمین حتّی یحفظ شرافته و معیشته في الحوادث الطارئة غیر المترقّبة.

إطمئنان النفس و الأمان

مع التأمین یحصل الاطمئنان و الأمان في المجتم ینام الذي أمّن نفسه، باللیل مطمئنّاً و لا یقلق من وقوع حادث إذا ذهب بسیّارته ولده. إذا کان بیته قد أمّن فیطمئنّ نفسه بعد الزلزلة من أنّه یقدر علی بناء بیته مرّةً أخری.

مساعدة الآخرین

الفائدة الأخری للتأمین هي المساعدة و التعاطف مع الآخرین. في بعض الأحیان یراعي الإنسان مصلحته الشخصیّة و يؤمّن نفسه لينعَم بالاطمئنان و الراحة، لكن الحیثیّة الأخری للتأمين هي أنّ هناك أشخاصاً أخرى في المجتمع سینعمون مع التأمین بالاطمئنان و الحياة و الكرامة. قد لا يتعرّض الإنسان لتصادم أو مرض، لكن قسط التأمين الذي يدفعه يمكن أن يجبر مشكلة من تعرّض لحادث أو مرض. في عقد التأمين، لا ينبغي أن ينظر إلى الفوائد الشخصيّة فحسب، بل ينبغي أيضاً أن یُنظر إلی کونه مفیداً للآخرين.

هل بُعد النظر في حياة الإنسان أمر مرغوب فيه للإنسان للتفكير في مستقبله و التخطيط له أو يجب أن نفكّر فقط في يومنا و لا نهتمّ بشأن الغد؟ في الأساس، يفكّر الأناسيّ أيضاً في مستقبلهم، فهل هذا أمر جيّد من وجهة نظر الإسلام؟ قال الإمام الحسن المجتبي (عليه‌ السلام): «اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً و اعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً».[1] خطّط لدنیاك كما لو كنت تريد البقاء و اعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً.

ثمّ إنّ من هو حيّ دائماً يفكّر في مستقبله. فالمؤمن يخطّط لغده و یجعل مقداراً لمستقبله. قُم بجميع الواجبات الدينيّة للآخرة و ليس عليك أيّ ديون؛ لذلك يجب على الإنسان أن يفكّر في المستقبل و يفكّر أیضاً في أنّه یمکن أن لا یکون في الغد حیّاً.

وقد تبيّن إلى الآن أنّ التأمين مفيد بشكل عام؛ نعم یمکن أن یكون بعض أنواعها ذا مشکل و غير مفيدة. فالمجتمع الإسلاميّ المؤمّن يعيش أفضل من المجتمع الذي لا تأمين له.

تاریخ التأمین

قيل إنّ التأمين كان قبل ولادة المسيح بستّ مائة سنة و قال بعض کان مرتبطاً بما قبل المسيح بأربعة آلاف سنة. الآن في جميع أطراف العالم، قد قبلها عقلاء العالم. في الماضي، كان بعض التجّار يعقدون عقداً على أنّه إذا صارت بضاعة أحدهم تالفةً أو وردت علیها خسارة، يجب على الآخرين تعويضها. التأمين هو أمر معقول موجود منذ الماضي.

قضايا فقهيّة مماثلة للتأمین

علينا أن نرى هل لدينا مسألة مماثلة في الفقه التي قیل فیها أنّ بعض الناس يدفعون تضمین الآخر أم لا؟ و من الموارد المشابهة «ضمان العاقلة». جاء في بحث الدیات أنّه إذا ارتكب الإنسان جنایةً عمداً فهو ضامن جبر التضمین. و إذا کان التضمین الوارد نتيجةً لشبه الخطأ، فإنّه يبقى جبر التضمین علی عاتق عامل الجنایة. و إذا كان العمل جنایةً من غیر عمد مثل أن یرتکب قتلاً خطئیّاً فالضمان و جبر التضمین علی عاتق العاقلة. قال الشهید الثاني رحمه‌الله: «(و هم[2] : من تقرّب) إلى القاتل (بالأب) كالأخوة و الأعمام و أولادهما (و إن لم يكونوا وارثين في الحال) و قيل: من يرث دية القاتل لو قتل و لا يلزم من لا يرث ديته شيئاً مطلقاً».[3]

و من االموارد الأخرى المشابهة، هو ضمان الجریرة، سنتحدّث عنه في المستقبل.


[2] أي العاقلة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo