< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

44/03/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الفقه المعاصر/ المسائل المستحدثة في الأطعمة و الأشربة/ أهمّيّة بحث الأطعمة و الأشربة

قد أردنا أن نبیّن المسائل المستحدثة في باب الأطعمة و الأشربة. هذا البحث من المباحث المبتلیبها و یجب الالتفات إلیه. المأکولات و المشروبات ذوات أهمّيّة في الإسلام جدّاً. من الاحتیاجات الأصليّة لکلّ إنسان هي المأکولات و المشروبات التي فیها الحلال و الحرام. علینا أن ننتفع من حلالها و نجتنب عن حرامها. طریقنا في البحث أنّنا نجعل کتاب «تحریر الوسیلة» للإمام الخمينيّ& متناً أصلیّاً و سنبحث عن مطالب کتاب الأطعمة و الأشربة منه و سنُدارس مصادیقها المستحدثة؛ مثلاً: هل یحلّ الجیلاتین[1] أم یحرم؟ إن کان الجیلاتین من الخنزیر فهل یُستحال أم لا؟ هل تحلّ المحصولات المحوّلة وراثیّاً[2] أم تحرم؟

المدخل:

لأجل الورود في البحث نحتاج إلی نکتتین:

النکتة الأولی: أهمّيّة الأطعمة و الأشربة

یمکن أن یظنّ بعض أنّ هذا البحث لیس بحثاً ذا أهمّيّة کثیرة، لکنّ الأمر لیس کذلكريال بل له أهمّيّة کثیرة. یقول الله- تعالی- في القرآن الکریم: ﴿فَلْينْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾[3] علی الإنسان أن یلتفت إلی الطعام الذي یطعمه. قد بیّنوا لهذا الإلتفات معاني ثلاثةً:

المعنی الأوّل: قد یحصل هذا الإلتفات بدقّة الإنسان في أنّ کیف وجدت هذه الأطعمة من الخبز و الأرز و أنواع الفواکه و غیرها؟ و کیف نُمین؟ و لیُلتفت إلی تکامل هذه النعم من منظر التوحید. هناك ربّ و خالق قد أسبغ نعمه مع هذا التغایر و التنوّع علی الإنسان.

المعنی الثاني:

لا یجوز للإنسان أن ینتفع من المأکول و المشروب الذي اکتسبه من أيّ طریق. بل یجب أن یلتفت إلی أنّه من الحلال أو من الحرام؟ أعطي خمسه أم لا؟ زکّي أم لا؟

المعنی الثالث:

«عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ‌ زَيْدٍ الشَّحَّامِ‌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى‌ طَعامِهِ‌﴾ قَالَ قُلْتُ مَا طَعَامُهُ قَالَ عِلْمُهُ الَّذِي يَأْخُذُهُ عَمَّنْ يَأْخُذُهُ»[4]

علی الإنسان أن یلتفت بالدقّة إلی أنّه ممّن تعلّم؛ لا یجوز له أن یتعلّم من کلّ أحد. قد یقال حول المتون الدرسیّة للقدماء مثل کفایة المحقّق الخراسانيّ& أو الرسائل و مکاسب الشیخ الأنصاريّ& هل یجب أن نغیّر هذه المتون أم لا؟ یجب الالتفات إلی أنّ هذا العلم غیر علم الریاضيّات و الکیمیاء[5] و نحوهما؛ هذا العلم مرتبط بالله و هو علم قیل فیه «الْعِلْمُ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ»[6] یقذف الله- تعالی- هذا النور في قلوبکم ببرکة العبادات و الصلاة لوقتها و صلاة اللیل و أنتم مشتغلون بالتحصیل أیضاً و إن شاء الله- تعالی- تصلوا إلی درجة الاجتهاد.

إن کنّا أناسيّ بلا قیود، لا یحصل لنا نور الإیمان. إنّما یلتفت إلی کتب بعض الأکابر بهذا الدلیل. قد ألّف کثیر الکتب و لکن في بعضها نور. المکانة العلميّة للشیخ الأنصاري& في موضعها و لکن مکانته المعنويّة ذات أهمّيّة أکثر. عند مطالعة المطالب یجب أن یلتفت- مضافاً إلی قیمتها العلميّة- إلی الذي قال هذه المطالب. إنّ آیةالله الخوئيّ& قد یسهر اللیلة إلی الصبح و هو في العبادة. لا نقول أنّ المؤلّف یکون مهمّاً فقط بل المحتوی أیضاً مهم. إن لم تکن للمؤلّف شخصيّة معنويّة فلیست لکتابه قیمة کثیرة؛ هناك کتب قويّة من وجهة العلميّة و لکن حیث لم یکن مؤلّفه ذا شخصیّة معنويّة خاصّة،لم یلتفت إلیها. إذا کان هناك أستاذ لا یکون مقبولاً عندکم من وجهة المعنويّة و الثوريّة فلا تحضروا مجلس درسه؛ إذ کلماته و سلوکه و عمله و مواضعه السیاسیّة موثّرة فیکم من حیث لا تشعرون. یجب علیکم أن تختاروا مجلس درس من هو مقبول لدیکم من وجهة المعنويّة و العلميّة و السیاسیّة.

عندنا هذه المعاني الثلاثة للآیة صحیحة؛ یجب علی الإنسان أن یجد الله- تعالی- مع التفکّر في طعامه و یلتفت أیضاً إلی حرمته و حلّیّته و أیضاً إلی العلم الذي یتعلّمه ممّن یتعلّمه.

یقول الله- تعالی- في القرآن: ﴿يا أَيهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيبَاتِ وَ اعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾[7] علی ضوء هذه الآیة یکون العمل الصالح حاصلاً من اللقمة الحلال. إن لم یکن هناك عمل صالح بل کلّ الأعمال من الخطیئة و المعصية فقد صار ﴿كُلُوا مِنَ الطَّيبَاتِ﴾ ذا مشکلة. إذا صارت الأموال و العوائد[8] ملوّثةً، فلو یرید الإنسان أن یصیر صالحاً لوسوسه الشیطان. لو دخل في بطن الإنسان لقمة حرام فلا یکون معمولاً أن یقدر علی العمل الصالح. قد نحسب أنّنا نحسن صنعاً و لکنّا مخطئون.

یقول الله- تعالی- في آیة أخری: ﴿يا أَيهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيباً وَ لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾[9] یا أیّها الناس! کونوا إثر[10] المال الحلال؛ إذ لا قیمة للحرام. إجتنبوا المشتبه من المال و حصّلوا الحلال فقط. إن التأکید في تحصیل الحلال فهو لأجل تأثیره في النسل. علینا نحن الآباء أن نعطي أولادنا الحلال ثمّ نرید منهم أن لا یتّبعوا خطوات الشیطان. مَن أکل الحلال فهو لا یتّبع وسوسة الشیطان. إذا أکلتم الحلال فأنتم قادرون علی مبارزة الشیطان و أن لا یؤثّر علیکم. قد صعب علی الأفراد حین یأخذون الرشوة في الدفعة الأولی، لکن سیسهل علیهم في الدفعات الأخری؛ إذ قد أکلوا المال الحرام في الدفعة الأولی.

قد جاءت في روایة: «يَا أَحْمَدُ إِنَّ الْعِبَادَةَ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا طَلَبُ الْحَلَالِ فَإِنْ أُطِيبَ مَطْعَمُكَ وَ مَشْرَبُكَ فَأَنْتَ فِي حِفْظِي وَ كَنَفِي»[11] ؛ نحن نظنّ أنّ العبادة هي الصلاة و الصوم و الدعاء فقط، لکنّ الله- تعالی- یقول لرسوله|: إنّ التسعة من أجزائها طلب الحلال. ویلنا إن لم نستطع الالتفات في حلال مالنا و حرامه.

قد اعتقد بعض الفقهاء أنّه یجب إعطاء سهم الإمام من أفقر الفقراء؛ أي إنّك إن وجدت أفقر منك فیجب علیك الإعطاء منه، لکن بعض الفقهاء لم یقبلوا هذا الرأي. إن أعطیت من سهم الإمام× فابدأ في المرحلة الأولی بإعطاء أفقر الناس فإذا أمّن فانتقل إلی المرحلة الثانیة. هذا المرأی و لو أنّ له أدلّةً قويّةً و لکنّا لا نقول به؛ إذ هو صعب. من الحسن أن ندقّق النظر في استفادة سهم الإمام المعطی ‌منّا.

في استدامة الروایة، یقول الله- تعالی: إن طلبتم الحلال فأنتم في حفظي و کنفي. إن کنتم تعتقدون بالله- تعالی- و رسوله| فالطریق الصحیح هو تحصیل المال الحلال لا تحصیله من أيّ طریق اتفق؛ فإنّ هذا الطریق لا یوصل الإنسان إلی مقصده.

روایة أخری: «قال رسول الله|: من أكل الحلال قام على رأسه ملك يستغفر له حتّى يفرغ من أكله»[12] .

قال| أیضاً: «إذا وقعت اللقمة من حرام في جوف العبد لعنه كلّ ملك في السماوات و في الارض. و ما دامت اللقمة في جوفه لا ينظر الله إليه. و من أكل اللقمة من الحرام فقد باء بغضب من الله، فإن تاب تاب الله عليه و إن مات فالنار أولى به»[13] .

قد جاءت في روایة أخری: «عن النبيّ| قال: من أكل لقمة حرام لم تقبل له صلاة أربعين ليلةً، و لم تستجب له دعوة أربعين صباحاً، و كلّ لحم ينبته الحرام فالنار أولى به وإ نّ اللقمة الواحدة تنبت اللحم»[14] .

یقول صاحب الجواهر& في أهمّیّة الأطعمة و الأشربة: «الأطعمة و الأشربة التي هي من المهمّات للإنسان باعتبار كونه جسداً لا يمكن استغناؤه عنهما، قال الله- تعالى: ﴿و ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ﴾[15] »[16] .

فالحاصل من المقدّمة الأولی هو أنّ مسألة الأطعمة و الأشربة تکون ذات أهمّيّة کثیرة و حیاة الإنسان و سعادته رهین هذه المسألة.

النکتة الثانیة: قیمة استطلاع الموضوع[17] في الفقه

لدینا عنوانان «الأحکام» و «الموضوعات». عبارة «الدم نجس» حکم. الحکم یمکن أن یکون وضعیّاً کما یمکن أن یکون تکلیفیّاً. عبارة «ما الدم؟» ترتبط بالموضوعات. من المسائل أنّ تشخیص موضوعات الأحکام علی الفقیه أو المکلّف أو الحِذاق و الخبیر[18] ؟ یمکن أن یکون تشخیص الموضوع علی المجتهد و قد یُحتاج إلی تشخیص المکلّف. في بعض الموارد لا یتمکّن المجتهد و لا المکلّف من تشخیص الموضوع، بل الحِذاق یشخّص الموضوع.

أنواع الموضوعات:

لتبیین البحث نقول: إنّ للموضوعات أنواعاً:

النوع الأوّل: وجوب الصلاة أو الصوم حکم شرعيّ و من مخترعات الشارع و هو الذي بیّن أجزائها و شرائطها. في هذا المثال لا یتمکّن المقلّد و الحِذاق من تشخیص موضوع الصلاة أو الصوم، بل الفقیه یجب أن یعیّن أيّ شيء یصدق علیه الصلاة؟

النوع الثاني: قد جاء في بعض الموارد موضوع في لسان الشارع، لکنّه موضوع عرفيّ و الشارع قد بیّن قیوداً له أیضاً. ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيامٍ أُخَرَ﴾[19] أي: إن کنتم علی سفر في شهر رمضان فلا تصوموا و اقضوه في یوم آخر.

جاء حکم السفر في الدلیل لکنّ السفر لیس من المخترعات الشرعيّة بل من المقیَّدات الشرعیّة (أي: الموضوعات الشرعیّة التي قد بیّن الشارع قیوداً لها). في هذا المثال إنّ المجتهد هو الذي یعیّن الموضوع لا العرف و لا الحِذاق، هذا الفقیه هو الذي یجب علیه تشخیص القیود و الشرائط للسفر.

النوع الثالث: المسائل العرفيّة التي لا تکون من المخترعات و لا المقیَّدات الشرعیّة، بل تکون من العرفيّات الخالصة. اعتبر الشارع الدم نجساً و ما رآه العرف دماً فهو نجس. في هذا المثال یکون تعیین الموضوع و تطبیقه علی عهدة المکلّف.

النوع الرابع: بعض الموضوعات یکون عرفیّاً و تعیینه علی عهدة المکلّف. رؤیة الهلال أمر عرفيّ لکن تعیینه علی عهدة المجتهد. رؤیة الهلال أمر عرفيّ و اذا رأوا الهلال یجب علیهم الصیام و إذا رأوه في آخر الشهر یجب علیهم الإفطار. في رؤیة الهلال قد وقع السؤال و هو أنّه هل تصدق الرؤیة إذا کانت بالعین المسلّحة؟ هذا الذي یجب أن یقوله الفقیه. هل یجب أن یری جمیع الناس الهلال أو إن یُر في البلد الآخر فهو حجّة علی سائر الناس؟ هذا الذي یجب تعیینه علی الفقیه.


[1] أي: ژلاتین.
[2] أي: محصولات تراریخته.
[5] . أي: شیمی.
[8] أي: در آمدها.
[10] أي: به دنبال.
[17] أي: موضوع شناسی.
[18] أي: کارشناس.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo