< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

44/03/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/الأمر

هنا قولان:

القول الأوّل: مشترك (معنوي) بين الوجوب و الندب (إنّه حقيقة في مطلق الطلب الجامع بين الوجوبيّ و الاستحبابي) [1] [2] [3] [4]

قال السیّد المرتضی (رحمه الله): «إنّ الأمر إذا صدر من حكيم نأمن‌ أن يريد القبيح أو المباح، فلا بدّ من القطع‌ على أنّ للمأمور به مدخلاً في استحقاق المدح و الثواب، إلّا أنّ هذا القدر غير كافٍ في أنّه ندب و لا كافٍ في أنّه‌ واجب، فيحتاج إلى دلالة إمّا على أنّ تركه قبيح، فيعلم أنّه واجب أو أنّه ليس بقبيح، فيعلم أنّه ندب». [5]

أقول: هذا هو الحقّ و ستأتي الأدلّة علی ذلك؛ مثل: کلمات اللغویّین. و عدم الدلیل علی النقل و الاستعمال في مطلق الرجحان بکثیر في العرف و الروایات و الآیات و کثرة المستحبّات و قلّة الواجبات و غالبها بلفظ الأمر أو صیغته و کون إثبات التکلیف یحتاج إلی دلیل معتبر و جریان البرائة عند الشكّ في التکلیف و غیرها من الأدلّة.

و قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «لا يخفى عليك أنّ ما يتبادر من لفظ الأمر و ينسبق إلى الذهن منه ليس إلّا الإرادة المبرزة و الشوق المظهر، و أمّا هذه الإرادة إلزامية أو غيرها فلا يفهم من اللفظ، بل لا بدّ لها من ظهور أو قرينة أو دالّ آخر يدلّ عليه. و الشاهد على ذلك صحّة السؤال عن ذلك، و عدم قبحه، مضافا إلى عدم صحّة سلب الأمر عن الأوامر الاستحبابية، مثل أن يقال: «ما أمر النبيّ بصلاة الليل» ضرورة أنّ القائل بهذا القول يعدّ من منكري الضرورة، و هذا بخلاف سلب الإلزام عنها بقولنا: «ما ألزم النبيّ بصلاة الليل» فإنّ صحّته ممّا لا إشكال فيه. فانقدح ممّا ذكر أنّ لفظ الأمر حقيقة في القدر المشترك بين الطلب الوجوبيّ و الندبي».[6]

أدلّة القول الأوّل

الدلیل الأوّل

إنّا قد بيّنّا أنّ الأمر إنّما يكون أمرا؛ لأنّ الآمر أراد المأمور به، و إرادة الحكيم له‌ تقتضي‌ ما ذكرناه‌ من الصّفة الزّائدة على حسنه، و هذه الصّفة الزّائدة على الحسن قد تثبت‌ في النّدب و الواجب، فلا بدّ من دلالة زائدة تدلّ على حكم الترك، فيبنى على ذلك الوجوب أو الندب.

الدلیل الثاني

قال المحقّق العراقيّ (رحمه الله): «إنّه حقيقة في مطلق الطلب الجامع بين الوجوبيّ و الاستحبابي ... لصدق الأمر حقيقةً على الطلب الصّادر من العالي إذا كان طلبه استحبابيّا حيث يقال له: انه امر و بالفارسية «فرمان» من دون احتياج في صحّة إطلاق الأمر عليه إلى رعاية عناية في البين، حيث ان ذلك كاشف عن كونه حقيقة في مطلق الطلب و إلّا لكان يحتاج في صدق الأمر و صحّة إطلاقه على الطلب الاستحبابي إلى رعاية عناية في البين، كما هو واضح». [7]

الدلیل الثالث: صحّة التقسيم[8] إلى الوجوب و الاستحباب [9]

إشکال في الدلیل الثالث

تقسيمه إلى الإيجاب و الاستحباب إنّما يكون قرينةً على إرادة المعنى الأعمّ منه[10] في مقام تقسيمه[11] [فالتقسيم إلى الوجوب و الاستحباب لا يدل على أزيد من إرادة جامع الطلب من المقسم، أعني الأمر، و أمّا كون هذه الإرادة بنحو الحقيقة- كما هو المدّعى- فلا دلالة للتقسيم المذكور عليه أصلاً، لكون الاستعمال أعمّ من الحقيقة][12] . [13]

أقول: صحّة التقسیم عند العرف بلا قرینة تدلّ علی کون القسمین داخلین في المقسم. و ذلك یعلم بعد مراجعة کلمات اللغویّین.

القول الثاني: الوجوب (لفظ الأمر حقیقة في الوجوب) [14] [15] [16] [17] [18] [19] [20] [21] [22] [23] [24] [25] [26] [27] [28] [29] [30] [31] [32] [33] [34] [35] [36] [37] [38]

قال الشیخ المفید (رحمه الله): «و الأمر المطلق يقتضي الوجوب‌ و لا يعلم أنّه ندب إلّا بدليل». [39]

قال المحقّق النراقيّ (رحمه الله): «على التقدير كون الأمر هو نفس الطلب بالطلب المستفاد منهما، فلو كانا حقيقتين في الوجوب- كما هو الحقّ- انحصر الأمر في الإيجاب أو ما يفيده، و المأمور به في الواجب، فلا يكون المندوب مأمورا به» (التصرّف). [40]

و قال المحقّق الرشتيّ (رحمه الله): «الأظهر عندي هو أنّ مادّة الأمر دالّة على الوجوب»، (التصرّف).[41]

و قال المحقّق الإیروانيّ (رحمه الله): «كلّ أمر فهو إيجابي، و لا أمر استحبابي يرخّص العقل في مخالفته و ترك امتثاله. و إنّما الاستحباب وعد ساذج بالثواب بلا طلب من المولى و إلّا وجب امتثاله؛ فإنّ العقل لا يرخّص في مخالفة طلب المولى، فكلّ ما هو طلب المولى واجب الامتثال، و كلّ ما لا يجب امتثاله ليس طلبا للمولى. فتقسيم الطلب إلى إيجابي و استحبابي باطل، بل الطلب من المولى ليس له إلّا قسم واحد و هو إيجابي لا محالة». [42]

قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «الأقوى دلالته على الوجوب، لكن لا بنحو يكون الوجوب مأخوذا في معناه وضعا، بحيث لو استعمل في الندب كان مجازا، بل بحكم العقل، بمعنى أنّ الطلب الصادر من العالي بحكم العقل بوجوب امتثاله و عدم جواز مخالفته بمقتضى قانون العبودية.

و ظهر بما ذكرناه بطلان القول بدلالة الامر على الوجوب وضعا كما هو المشهور، و ذلك لما ذكرناه في بحث الوضع من أنّه عبارة عن التعهّد، و ما ذكرناه في بحث الانشاء من أنّه عبارة عن ابراز الاعتبار النفساني، فلا يدلّ على الوجوب وضعا، و انّما يدلّ عليه بحكم العقل على ما ذكرناه.

و كذا ظهر بطلان القول بدلالته على الوجوب اطلاقا، باعتبار أنّ الندب يحتاج الى بيان الترخيص في الترك، فالإطلاق يعيّن الوجوب.

فانّه متوقّف على كون الامر موضوعا للجامع بين الوجوب و الندب كي يكون الإطلاق معيّنا للوجوب، و قد ذكرنا أنّه موضوع لابراز الامر النفساني لا للوجوب و لا للجامع بينه و بين الندب.

هذا، مضافا الى أنّه لا فرق بين الوجوب و الندب من هذه الجهة، فانّه لو فرض كون الامر موضوعا للجامع بينهما، فكما أنّ الندب يحتاج الى البيان و الإطلاق غير واف به، كذلك الوجوب يحتاج الى بيان عدم الترخيص في الترك، و الإطلاق يعيّنه‌[43] »، (إنتهی ملخّصاً). [44]

 


[8] . تقسیم الأمر.
[10] . الوجوب.
[11] . تقسيم الامر إلى الامر الوجوبى و الامر الاستحبابى‌.
[12] . الزیادة منّا.
[15] . تمهید القواعد الاصولیة و العربیة، العاملی، زین الدین، ج1، ص122.
[18] . ضوابط الاصول، القزوینی، ابراهیم، ج1، ص54.
[19] . اشارات الاصول، الکرباسی، محمد ابراهیم، ج1، ص81.
[43] . أمّا ما ذكره سيّدنا الاستاذ العلامة من أنّ دلالة الامر على الوجوب انّما هي بحكم العقل، ففي غاية المتانة، فانّه لو صدر الطلب من العالي كان العبد مستحقّا للعقاب بمخالفته بحكم العقل، الّا فيما ثبت فيه الترخيص من المولى.و أمّا ما ذكره دام ظلّه من أنّ الوضع عبارة عن التعهّد و الانشاء عبارة عن الابراز، فقد تقدّم الكلام فيه مرارا و لا نعيد، و لا ينقضي تعجّبي باستدلاله دام ظلّه بما ذكره في معنى الانشاء، فانّه غير مربوط بالمقام، فانّ كون الانشاء بمعنى الابراز لا ينافي كون الامر موضوعا للوجوب أو للجامع بينه و بين الندب، فلاحظ.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo