< قائمة الدروس

درس حدیث استاد محسن فقیهی

45/04/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: جنود العقل و الجهل/ الإیمان/ التوکّل علی الله/ مراتب التوکّل

 

خلاصة الجلسة السابقة: کان البحث حول مراتب و درجات التوکّل. التوکّل علی الله من الأوامر الإلهيّة.

مراتب و درجات التوکّل في علم الأخلاق

قال المحقّق النراقي (رحمه‌الله): للتوكّل في الضعف و القوّة ثلاث درجات:

الأولى أن يكون حاله في حقّ اللّه و الثقة بعنايته و كفالته؛ كحاله بالثقة بالوكيل. و هذه أضعف الدرجات و يكثر وقوعها و يدوم مدّةً مديدةً و لا ينافي أصل التدبير و الاختيار، بل ربّما زاول كثيراً من التدبيرات بسعيه و اختياره. نعم ينافي بعض التدبيرات، كالتوكّل على وكيله في الخصومة، فإنّه يترك تدبيره من غير جهة الوكيل و لكن لا يترك الذي أشار إليه وكيله و لا التدبير الذي عرفه من عادته و سنّته، دون تصريح إشارته.

الثانية أن تكون حاله مع اللّه كحال الطفل مع أمّه، فإنّه لا يعرف غيرها و لا يفزع إلّا إليها و لا يعتمد إلّا عليها. فإن رآها تعلّق في كلّ حال بذيلها و إن ورد عليه أمر في غيبتها كان أوّل سابق لسانه يا أمّاه! و الفرق بين هذا و سابقه أنّ هذا متوكّل قد فنى في موكّله عن توكّله؛ أي ليس يلتفت قلبه إلى التوكّل، بل التفاته إنمّا هو إلى المتوكّل عليه فقط، فلا مجال في قلبه لغير المتوكّل عليه. و أمّا الأوّل فتوكّل بالكسب و التكلّف و ليس فانياً عن توكّله، أي له التفات إلى توكّله. و ذلك شغل صارف عن ملاحظة المتوكّل عليه وحده. و هذا أقلّ وقوعاً و دواماً من الأوّل؛ إذ حصوله إنّما هو للخواص. و غاية دوامه أن يدوم يوماً أو يومين و ينافي التدبيرات إلّا تدبير الفزع إلى اللّه بالدعاء و الانتهال، كتدبير الطفل في التعلّق بأمّه فقط.

الثالثة و هي أعلى الدرجات، أن يكون بين يدي اللّه في حركاته و سكناته مثل الميّت بين يدي الغاسل، بأن يرى نفسه ميّتاً و تحرّكه القدرة الأزليّة، كما يحرّك الغاسل الميّت. و هو الذي قوّيت نفسه و نال الدرجة الثالثة من التوحيد. و الفرق بينه و بين الثاني أنّ الثاني لا يترك الدعاء و التضرّع، كما أنّ الصبيّ يفزع إلى أمّه و يصيح و يتعلّق بذيلها و يعدو خلفها. و هذا ربّما يترك الدعاء و السؤال ثقةً بكرمه و عنايته، فهذا مثال صبيّ علم أنّه إن لم يرص بأمّه فالأمّ تطلبه و إن لم يتعلّق بذيلها فهي تحمله و إن لم يسأل اللبن فهي تسقيه. و من هذا القسم توكّل إبراهيم الخليل (عليه السلام) لما وضع في المنجنيق ليرمى به إلى النار و أشار إليه روح الأمين بسؤال النجاة و الاستخلاص من اللّه (سبحانه) فقال: «حسبي من سؤالي علمه بحالي» و هذا نادر الوقوع، عزيز الوجود، فهو مرتبة الصدّيقيّن. و إذا وجد فدوامه لا يزيد على صفرةالوجل، أو حمرة الخجل و هو ينافي التدبيرات ما دام باقياً؛ إذ يكون صاحبه كالمبهوت. ثمّ توكّل العبد على اللّه قد يكون في جميع أموره و قد يكون في بعضها. و تختلف درجات ذلك بحسب كثرة الأمور المتوكّل فيها و قلّتها.[1]

أيّ شخص لدیه هذا التوکّل فلا يشعر بأيّ ندم على أيّ شيء و لدیه أعصاب قويّة و مريحة للغاية. التوکّلان السابقان جيّدان أيضاً، لكن هذا النوع من التوکّل فوق العادة و لا یستطیع الجمیع علی تحصیل مثل هذا التوکّل.

كيفيّة الوصول إلى التوکّل:

و طريق الوصول إلى التوکّل هو أن يقوّي الإنسان توحيده. و لذلك فمن كان توحيده أقوى كان توکّله أقوى أیضاً. و معنى التوحيد هو قول الله- تعالی: ﴿قُل هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾[2] ﴿ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ﴾[3] و ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَ إِيَّاكَ نَستَعِينُ﴾[4] و هذا معناه أنّ السؤال من الله فقط و أنّ الله هو المؤثّر في الأمور و لیس لغیره تأثیر فيها، فهذا هو مقام التوحيد. نعم من السهل التکلّم به في اللفظ؛ مثلاً: نقول أنا اعتقد بالله و أؤمن به و أنا موحّد، لكن في مقام العمل ألتمس إلى هذا و ذاك و أستحقر نفسي أمام کلّ أحد، هذا ینافي مع التوحيد. إذا كان شخص‌مّا موحّداً، فلدیه هذا الالتفات بأنّ الله معنا و أنّ قوّته هي القوّة العليا. الإمام الراحل الذي أوجد هذه الثورة أوجدها بالتوكّل على الله. كان الإمام متوكّلاً على الله و لم يكن فيه أيّ خوف و من يتوكّل على الله فلا يرد أيّ خوف في نفسه و لا يخاف أحداً، کما قال الله- تعالی: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[5] و هذا المقام هو التوحید. إذا آمن الإنسان بالله و اعتقد أنّ الأمور في يده، فيمكنه آنذاك أن یتوکّل علی الله. أمّا إذا لم يكن له التوحيد الكامل و لم تتحقّق له نتيجة التوحيد، فلا يستطيع أن يصل إلى منزلة التوكّل و لو قال ألف مرّة بلسانه ﴿وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾[6] فلن يكون لذلك تأثير خاص. و یجب للإنسان أن يؤمن ﴿أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[7] و أنّ جمیع السلطات كلّها بيد الله. و یجب أن يعتقد أنّ قدرته في طول قدرة الله، لا في عرضه. إذا فعل الإنسان شيئاً فهو يملك القدرة و لكن هذه القوّة في طول قدرة الله- تعالی.

 

معنی التوکّل في الروایة:

قد ورد في الروایة: «جَبرئيلُ (عليه‌السلام) لَمّا سألَهُ النّبيُّ (صلّى‌الله‌عليه‌وآله) عنِ التوكّل علَى اللّه: العِلمُ بأنّ المَخلوقَ لا يَضُرُّ و لا يَنفَعُ، و لا يُعطي و لا يَمنَعُ، و استِعمالُ اليَأسِ مِن الخَلقِ، فإذا كانَ العَبدُ كذلكَ لَم يَعمَلْ لأحَدٍ سِوَى اللّه، و لَم يَرْجُ و لَم يَخَفْ سِوَى اللّه، و لَم يَطمَعْ في أحَدٍ سِوَى اللّه، فهذا هُو التوكّل.[8]

و علی الإنسان أن یستیقن أنّ المخلوقات لا تضرّه و لا تنفعه. و أن یقول فلان فيّ سوءاً أو یفعل کذا و کذا فالله أکبر ممّا نظنّه. لیس المخلوق معطیاً و لا مانعاً، نعم في الظاهر أنت تقول هذا الشخص یمنع من عملي و یوجد المشکل لي و لکنّ الحقیقة لیست کذلك، إذا وصل الإنسان إلی هذا المقام فماذا یمکن للمخلوقات أن یفعلوا.

الآن أيّام الانتخابات، هذا الشخص يتكلّم ضدّ ذلك الشخص و يتكلّم ذلك ضدّ هذا، هذا الشخص يمدح فلاناً و الآخر یکذّب آخر. إذا وصل الإنسان إلی هذا المقام (بأنّ المَخلوقَ لا يَضُرُّ و لا يَنفَعُ، و لا يُعطي و لا يَمنَعُ، و استِعمالُ اليَأسِ مِن الخَلقِ) ستکون أعماله لله خالصةً و یأتي بأعماله متقرّباً إلی الله و سيعتقد أنّ الله وحده هو الذي یغیثني؛ لأنّه لا قیمة عنده إلّا للّه و لا أمل لدیه إلّا باللّه. عندما أمّل الإنسان شخصاً ثمّ لم یتمّ له عمل، ینزعج و یقول لماذا لم يفعل شيئاً من أجلي؟ لا ترجو غير الله و لا تخف غير الله و لا تطمع في غير الله، قف على قدميك و قل إنّ لي إلهاً و السلام، هذا هو التوکّل.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo