< قائمة الدروس

الحدیث الأستاذ محسن الفقیهی

44/04/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: جنود العقل و الجهل/ الإیمان/ العدل و الظلم

خلاصة الجلسة السابقة: کان بحثنا في الأخلاق، حول العدل و العقل و ذکرنا روایةً عن الإمام الکاظم×.

قال الإمام الکاظم× في امتداد الحدیث: «يَا هِشَامُ مَنْ سَلَّطَ ثَلَاثاً عَلَى ثَلَاثٍ فَكَأَنَّمَا أَعَانَ عَلَى هَدْمِ عَقْلِهِ، مَنْ أَظْلَمَ نُورَ تَفَكُّرِهِ بِطُولِ أَمَلِهِ ...».[1]

هادمات العقل:

۱) طول الأمل

من له آمال طویلة، فهو یطفؤ نور تفکّره. إذا أراد الإنسان الوصول إلی العدل، وجب أن یصل من طریق العقل؛ کما أشارت إلیه الآیة الکریمة: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَ أُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾[2] إذا أردنا أن یکون لدینا عقل و نعمل بالعدل فعلینا استماع الأقوال و اختیار أحسنها. قال الإمام الکاظم×: من الأشیاء التي تقع عقل الإنسان تحت شعاعها و تدمّره، الآمال الطویلة. إن أراد الإنسان النقد فلا بأس، النقد بقدر الحاجة جیّد؛ لکن إذا کثر تفکّره في النقد و الثروة الذي أوجب تخلیط الحرام بالحلال و أن یکذب أحیاناً أو یأخذ الرشا أو یجرم، فقد دمّر عقله.

ثمّ إنّ المکانة خیر؛ أن تکون للإنسان مکانة یستطیع بها علی خدمة الاجتماع فهو حسن؛ مثلاً: أن یکون إمام جمعة أو جماعة، خیر جدّاً و هو خدمة للاجتماع و سعي لتأمین المعاش من جانب آخر أیضاً. أمّا إذا کنت تتبع کثیراً إثر المکانة و أوعدت عداتٍ مع الکذب و التزویر حتّی تستطیع من أخذ آراء الناس و أن تصیر نائباً أو رئیس الجمهوریّة ثمّ لا یمکنك الوفاء بعداتك، فهذا طول الأمل و قد أهدمت بهذا العمل عقلك. إذا کانت لدیك وظیفة فهي تکفیك. لدی بعض مع الأسف وظائف متعدّدة. تصف أحیاناً وکالات الأنباء بعض الأشخاص فتذکر وظیفته الأولی ثم الثانیة ثمّ الثالثة و هکذا. أن کانت لدیك وظیفة واحدة کافٍ، فآتِ وظائفتك الأخری إلی أصدقائك؛ فإنّهم أیضاً یحتاجون إلی الوظیفة و المنصب.

إذا کثرت الآمال فأنت تدمّر عقلك و آخرتك و یمکن أن تدمّر دنیاك أیضاً. الثروة خیر لکن إذا کانت بقدر الحاجة، المقام خیر إذا کان بقدر الحاجة، إنّهما خیر لکن إلی حدّ لا ینجرّ إلی طول الأمل. کلّ المسائل المالیّة خیر إذا کانت بقدر الحاجة و إذا جاوزت الحدّ فستصیر طول الأمل. الأمل الکثیر یدمّر عقل الإنسان. تجب دقّة النظر أنّ هذا کلام المعصوم×. نحن نواجه کلّ یوم الأمل الطویل؛ فعلینا أن نراقب في جمع المال و إتباع المقام و في کلّ الأمور ألّا نُبتلَ بطول الأمل.

2) فضول الکلام

إنّ فضول الکلام من آفات العقل أیضاً. قال الإمام الکاظم× في امتداد کلامه: «وَ مَحَا طَرَائِفَ حِكْمَتِهِ بِفُضُولِ كَلَامِهِ»‌.[3] ثمّ إنّ بعض الناس یصیر في المجالس متکلّم الوحدة و یتحدّث کثیراً و لا یتمّ کلامه حتّی یتحدّث الآخر بجملة. ذات مرّة کان هناك شخصان مشهوران جدّاً یتحدّثان کثیراً. هما إذا جلسا في مجلس، یتحدّثان بانتظام و اطّراد. من العجب أنّهما لا یستطیعان أن یجلسا في مجلس واحد؛ إذ أحدهما یرید أن یقع المجلس في یده و یتکلّم بانتظام و الآخر هکذا. مع أنّ لهما شأناً و مکانةً و لکن إذا رأی أحدهما أنّ الآخر قد دخل المجلس فهو یظهر الکراهة و کان یقول لماذا دخل فلان هذا المجلس؟ لا یستطیع أحدهما أن یتحمّل الآخر و هما یبحثان عن مستمعین ساکتین سامعین. أحدهما حافظ القرآن و کان یقرأ القرآن و الحدیث بانتظام بأيّ مناسبة. کان عمله جیّداً من هذه الجهة. العمل الإلهيّ حسن لکن یجب أن یتکلّم بقدر الحاجة. فضول الکلام لیس حسناً.

 

قال الإمام الکاظم×: الحکمة التي توجد في قلوب الأنام فهي تدمّر بفضول الکلام. قال رسول الله|: «مَنْ اَخْلَصَ لِلّهِ اَرْبَعينَ صَباحاً، ظَهَرَتْ يَنابيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلى لِسانِهِ».[4] إذا أخلصت لله أربعین یوماً فسیصیر کلامك کلاماً إلهیّاً و تحلّ العقدة من لسانك، ثمّ تری أنّك تتحدّث بکلمات لم تتفکّر فیها کثیراً. یستنیر قلبك و الله یلهم في قلبك و تعینك الملائکة و ستحصل هذه الحکمة لك. علی الرغم من أنّك لم تطالع، تصعد المنبر و یصیر منبرك جیّداً. هذا لطف و حکمة و عنایة من الله- تعالی. إنّي قد رأیت کثیراً کانوا یقولون: إنّا لم نطالع و اتّفق أن قیل لنا اصعد المنبر، فإذا صعدنا المنبر فسیصیر خطبتنا هذه خطبةً أحسن من سائر خطبنا. هذا معنی ما قال×: «ظَهَرَتْ يَنابيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلى لِسانِهِ».

إن عبدت الله خالصاً أربعین یوماً و عملت خالصاً، خالیاً من أيّ ریاء في أعمالك فسیجعل الله- تعالی- الحکمة في قلبك و تری أنّ کلامك لا یتناسب معك بل یکون أعلی و أکبر منك و يفتح فکرك و تقول مطالب حسنةً. هذه کلّها حکمة الله- تعالی. و لکن إذا لم تراقب و أکثرت في الکلام فقد جری فیك «وَ مَحَا طَرَائِفَ حِكْمَتِهِ بِفُضُولِ كَلَامِهِ»[5] و تفتقد الحکمة الإلهیّة. کما قلنا في الجلسة السابقة أنّ أکابرنا الصامتون و المتکلّمون قلیلاً. من خصوصیّات العلّامة الطباطبائي& أنّه کان ساکتاً دائماً و لم یتکلّم قطّ و مع إصرار الأکابر قد تکلّم بجملتین.

قال رسول الله|: «وَيْحَكَ وَ هَلْ يَكُبُّ اَلنَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي اَلنَّارِ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ».[6]

إن حفظت لسانك قلّت مشاکلك یوم القیامة جدّاً. أکثر مشاکلنا یوم القیامة من ألسنتنا. لا یجوز أن تنطق ألسنتنا في غیر محلّه أو ینطق بکلام غیر صحیح. مع الأسف قد نقول خلافاً أو نبالغ أو نکذب أو نغتاب أو نتّهم أو نعد عداتٍ کاذبةً أو نقول بکلمات غیر مربوطة. قد کتب الأکابر في الأیّام الماضیة کلماتهم و یفکّرون فیها ثم ینطقون بها. علینا أن نسعی في تقلیل الکلام و التفکّر قبله. وفّقنا الله- تعالی- في حفظ ألسنتنا.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo